إن العالم كله يدرك قيمه الثورة المصرية اكثر مما يدركه الكثيرون من المصريين الآن.. مسئولين وعوام إلي متي ستظل مصرالدولة في بعض مواقفها الرسمية- لا تعي أن ثورة شعبية خالصة قد قامت في كل ربوعها ؟ ثورة بكل معاني الكلمة من التغيير الجذري في الفكر والفلسفة والنظام, وهذا ما يفترض فيها وينتظر منها. هذا المعني من المؤسف يضعف وتخبو ناره في نفوس مصر الان بكافة اطيافها حكومة وشعبا ولعل هذا يكون أزمة عابرة وليست غائرة. منذ ما يربو عن الشهر سافرت ضمن وفد صحفي الي كوسوفا, فلم تكد تفارقنا سيرة الثورة المصرية في كل مجلس ولقاء هناك, بدءا من رئيسة الجمهورية التي استقبلتنا استقبال الأبطال, ولم يتوقف حديثها ثناء واطراء وتقديرا وعرفانا بمصر, تاريخا وواقعا وثورة وريادة. في قري كوسوفا وفي جبالها لم تفارقنا أيضا سيرة الثورة وأحداثها وضحاياها وإنجازاتها ومستقبلها ومخاطرها.. حدث هذا في كوسوفا تلك الجمهورية الاسلامية الوليدة العتيدة الصغيرة والكبيرة.. كوسوفا التي سجلت اعظم صفحات البطولات في التاريخ في مواجهة قسوة الصرب ووحشيتهم حتي نالت علي استقلالها في فبراير عام 2008 كوسوفا المسلمة الموجودة في قلب أوروبا التي ما إن تصل إلي أرضها إلا وتشعر بدفء الإيمان وتاريخ الإسلام.. المآذن يرتفع منها صوت الآذان, علماء كوسوفا الذين تخرجوا من الازهر في سمتهم الوقور الذي جمع بين جمال الفطرة وبساطة الدعوة. كوسوفا التي تسابقت عليها المؤسسات الغربية الإنسانية منذ اليوم الاول من الاستقلال لتنشرسمومها في المدارس والجامعات ووسائل الاعلام والمستشفيات في محاولات مستميتة لتغريب هذا البلد المسلم وخلع ثوب الإسلام عنه والباسه ثوب الثقافة الغربية!! كوسوفا المسلمة التي اعترف باستقلالها احدي وثمانين دولة غالبيتهم من غير المسلمين ليس من بينهم الا خمسة دول عربية اعترفت امريكا وانجلترا وبريطانيا وفرنسا باستقلالها في اليوم الأول ولم تعترف مصر إلي الآن!! كان النظام المصري السابق ينتهج الوحشية, ويصادق الظالمين, ولا يأبه بدماء الأبرياء, ولاقيمة عنده بحقوق الإنسان هذا فضلا عن عداوته للإسلام والمسلمين, لهذا كان موقفه من عدم الاعتراف باستقلال كوسوفا, والذي أثر بدوره علي عدم انضمامها إلي الأممالمتحدة والتي تشترط اعتراف 100 دولة تقريبا كما تسبب لها في مشاكل عديدة ويكفي منها أن الكوسوفي لا يستطيع دخول مصر بجواز سفر بلده لان مصر لا تعترف به مما ادي الي القطيعة وأحسب انها قطيعة رحم الإسلام وما ابشعها من قطيعة. إذا كانت هذه هي سياسة النظام السابق والتي بسببها وغيرها قامت الثورة, وإذا كانت هذه هي كوسوفا المسلمة التي تحمل كل مؤهلات التأييد والدعم الإنساني والديني والسياسي, إذا كان الأمر كذلك فلماذا تأخرت مصر الثورة عن الاعتراف باستقلالها وتكفيها هذه المشقة فإن اعتراف مصر سيشجع كافة الدول العربية الي الاعتراف, مصر لم ترفض الإستقلال بل حبست الاعتراف به حتي الان ولعلها تبادروتسارع بإخراجه إلي النور وإعلانه أمام العالم. ان كافة ادوات المنطق السوي تؤكد ضرورة الاعتراف بل والإسراع باستقلال كوسوفا لانه ليس ثمة معوق سياسي واحد لهذا الاعتراف. ليس عندنا اقليم( باسك) الأسباني الذي يريد الاستقلال والذي دعا اسبانيا الي عدم الإعتراف حتي الآن.. لقد اعترفت مصر بإستقلال جنوب السودان في الأيام الاولي, بل اعترفت باسرائيل المحتله وليست المستقلة ماذا ننتظر ؟! إن عقلية مصر الآن قد تغيرت بعد الثورة وان المنطق السياسي الثوري يفرض سياسية جديدة اساسها- لا شك- مصلحة مصر, لهذا أين الضرر الذي كان سيلحق بمصر اذا ما سارعت وزارة الخارجية المصرية بإعلان الاعتراف بإستقلال كوسوفا ؟! احسب ان هذا الاعتراف الرسمي لو حدث لم يكن ليضيف إلي الخارجية المصرية الا تقديرا واحتراما وتأييدا شعبيا يضيف إلي رصيدها ولا ينتقص منه. ان مصر الثورة وفضيلة الامام الاكبر شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب والسيد نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وفضيله الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية وكافة القيادات النقابية والأهلية والمرشحون للرئاسة وكبار المثقفين كانوا ومازالوا في استقبال وتكريم الدكتور/ انور خوجة وزير الخارجية الكوسوفي الذي يزور مصر حاليا. لقد عرف عنه اعتزازه باسلامه, فما من لقاء او مؤتمر عالمي إلا ويعلن فيه اسلامية كوسوفا فضلا عن توجهه الاسلامي الراقي الذي يجمع بين الاصالة والمعاصرة والذي يخلو من أي تعصب, حيث يعرض فكره الاسلامي واسلامية كوسوفا علي العالم بمنطق عصري وسطي كان له دور كبير في اعتراف عشرات الدول باستقلال كوسوفا. ان الموقف الشعبي الراقي في الاستقبال والتكريم والاحتفاء بالدكتور/انور خوجة هو سلوانا التي تخفف عنا وطأة تأخير موقف الخارجية المصرية بالاعتراف وأننا علي ثقة في تصويب الخارجية المصرية لمسارها القديم ليتناغم ويتوافق مع الموقف الشعبي حتي نسير جميعا حكومة وشعبا في طريق واحد.. مصر الثورة. المزيد من مقالات إسماعيل الفخراني