تأثر "نزار قباني" بشدة بفقدان من يحبهم فى حياته مرورا بشقيقته الصغري ثم أمه بعدها إبنه توفيق عقبه زوجته بلقيس .. إلا أن وفاة أمه كان له وقع كبير على نفسه وحزن حزنا شديدا، وكان هو طفلها المدلّل بين أشقائه حتى أنه بعد وفاتها رثاها بقصيدة "خمس رسائل إلى أمي" واصفاً إياها ب"كل النساء": صباحُ الخيرِ يا حلوة.. صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة مضى عامانِ يا أمّي على الولدِ الذي أبحر برحلتهِ الخرافيّة وخبّأَ في حقائبهِ صباحَ بلادهِ الأخضر وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر وخبّأ في ملابسهِ طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر وليلكةً دمشقية.. عرفتُ نساءَ أوروبا.. عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ عرفتُ حضارةَ التعبِ.. وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر ولم أعثر.. على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر وتحملُ في حقيبتها.. إليَّ عرائسَ السكّر وتكسوني إذا أعرى وتنشُلني إذا أعثَر أيا أمي.. أيا أمي.. أنا الولدُ الذي أبحر ولا زالت بخاطرهِ تعيشُ عروسةُ السكّر فكيفَ.. فكيفَ يا أمي غدوتُ أباً.. ولم أكبر؟ صباحُ الخيرِ من مدريدَ ما أخبارها الفلّة؟ بها أوصيكِ يا أمّاهُ.. سلاماتٌ.. إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة" إلى تختي.. إلى كتبي.. إلى أطفالِ حارتنا.. وحيطانٍ ملأناها.. بفوضى من كتابتنا.. إلى قططٍ كسولاتٍ تنامُ على مشارقنا وليلكةٍ معرشةٍ على شباكِ جارتنا مضى عامانِ.. يا أمي ووجهُ دمشقَ، عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا يعضُّ على ستائرنا.. وينقرنا.. برفقٍ من أصابعنا.. مضى عامانِ يا أمي وليلُ دمشقَ فلُّ دمشقَ دورُ دمشقَ تسكنُ في خواطرنا مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا كأنَّ مآذنَ الأمويِّ.. قد زُرعت بداخلنا.. كأنَّ مشاتلَ التفاحِ.. تعبقُ في ضمائرنا كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ جاءت كلّها معنا.. أتى أيلولُ يا أماهُ.. وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ ويتركُ عندَ نافذتي مدامعهُ وشكواهُ