عبد الحليم محمود ابن قرية «سلام» .. رفض تقليص سلطات «الإمام الأكبر» عبدالله الشرقاوى .. من «الطويلة» إلى الكفاح ضد الفرنسيين والأتراك أنجبت الشرقية العديد من العظماء فى مختلف المجالات؛ ومنهم شيوخ أجلاء قادوا قلعة الإسلام الشامخة «الأزهر الشريف» ، وهما الشيخان الراحلان عبد الحليم محمود وعبد الله الشرقاوى أنجبت محافظة الشرقية العديد من العظماء فى مختلف المجالات؛ ومنهم شيوخ أجلاء قادوا قلعة الإسلام الشامخة «الأزهر الشريف» ، وهما الشيخان الراحلان عبد الحليم محمود وعبد الله الشرقاوى ، فالأول ولد بقرية سلام بمركز بلبيس، عام 1910 ؛ لأسرة معروف عنها تدينها الشديد وصلاحها؛ والتحق بالأزهر الشريف عام 1923 بعد أن كان قد أتم حفظه للقرآن الكريم فى كتاب قريته؛ متنقلا عقب ذلك إلى المعهد الدينى بمدينة الزقازيق عام 1925. محمود صالح، ابن شقيق الشيخ عبد الحليم محمود وعمدة القرية؛ قال: ل«فيتو» الشيخ الجليل ظهرت عليه بوادر النبوغ والشغف والتعلق بكتاب الله وشريعت مبكراً؛ حيث تقدم للحصول على الثانوية الأزهرية من الخارج، وحصل عليها فى عام 1928؛ وبعدها حصل على الشهادة العالمية عام 1932. ولم تكن الشهادة العالمية آخر محطات الشيخ التعليمية؛ حيث قرر استكمال رحلته التعليمية بالخارج وعلى نفقته الخاصة للدراسة بجامعة السوربون بفرنسا من عام 1932 بعد أن أجازت له كلية أصول الدين الحصول على شهادة الليسانس، وبعدها حصل كذلك على الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية عام 1940 وكانت رسالته للدكتوراه عن «الحارث بن أسد المحاسبى» وبعد عودته - والكلام لابن أخيه – عمل الشيخ عبد الحليم محمود مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية بكليات الأزهر، ثم عميدا لكلية أصول الدين سنة 1384ه /1964م، وعضوا ثم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية، فنهض به وأعاد تنظيمه، وعين بعد ذلك وكيلا للأزهر سنة 1390 ه / 1970م، فوزيرا للأوقاف وشئون الأزهر. والتقط حفيد الشيخ اللواء «محمد أبو صالح». حيث أطراف الحديث قائلاً: «تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر فى 27 مارس 1973، وذلك بعد مرور سنوات على صدور قانون الأزهر والذى تبعه توسع فى التعليم المدنى وإلغاء هيئة كبار العلماء «والتى أعيد إنشاؤها بعد الثورة»، وتقليص سلطات شيخ الأزهر ليحل محلها وزارة الأوقاف؛ إلا أن الشيخ عبد الحليم استطاع أن يسترد مكانة الأزهر الشامخة وتوسع فى إنشاء المعاهد الأزهرية وسجل للأزهر مواقفا واضحة وقوية. وأضاف اللواء محمد أبو صالح أن قراراً جمهورياً صدر فى العام التالى رأى فيه الشيخ أنه يجرده من الجزء المتبقى من اختصاصاته وسلطاته ليمنحها لوزير الأوقاف؛ فتقدم على إثر ذلك باستقالته، ورفض التراجع فى أمر الاستقالة رغم تدخل الحكماء والشيوخ لإثنائه عن قراره، وأمتنع عن تقاضى راتبه؛ وأعقبت الاستقالة موجات غاضبة منها قيام أحد المحامين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ضد كل من رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف يطالب فيها بوقف القرار الجمهورى. وتابع قائلا: كان الشيخ عبد الحليم محمود يستشعر أنه إمام المسلمين فى كل أنحاء العالم، وأنه مسئول عن قضاياهم، وكان هؤلاء ينظرون إليه نظرة تقدير وإعجاب، فكانوا يعتبرونه رمز الإسلام وزعيم المسلمين، ولهذا كان يخفق قلب الإمام لكل مشكلة تحدث فى العالم الإسلامى، ويتجاوب مع كل أزمة بأى بلد إسلامى؛ ولم يتوقف نشاطه ومتابعته لكل ما يهم أمر المسلمين فى كل أنحاء الدنيا، وظل كذلك حتى شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضى المقدسة وأجرى عملية جراحية لم يكتب لها النجاح؛ وتوفى فى 17 أكتوبر من العام 1978. وأكد «أبو صالح» أنه اتخذ على نفسه تعهدا كتابيا أمام محافظ الشرقية الحالى بتحويل مشروع «التسمين» الذى أنشأه جده الراحل على نفقته الخاصة؛ متبرعا ب 5 فدادين لصالح الفقراء، وأضاف أنه بعد توقف هذا المشروع لأكثر من عشرين عاما دون استغلال لهذه المساحة كان لابد من اتخاذ الإجراءات القانونية لاسترداد هذه المساحة غير المستغلة حاليا وإعادة التبرع بها من جديد ووضعها تحت تصرف المحافظة لخدمة المواطنين، خاصة وأن شباب القرية يحتاج لمركز للشباب ومدرسة للتعليم الأساسى ونقطة شرطة. أبو صالح ناشد من خلال «فيتو» الجهات التنفيذية والشعبية بالمحافظة مساعدته لخدمة أهالى قرية السلام تكريما لروح الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق. وفى نفس المحافظة وقبل أكثر من مائة عام من ميلاد الشيخ عبد الحليم محمود؛ كان قد سبقه للمشيخه إمام شرقاوى وهو الشيخ « عبدالله الشرقاوى» الذى ولد بقرية الطويلة بمركز فاقوس. وهو الإمام الحادى عشر للجامع الأزهر؛ جاهد خلال فترة توليه المشيخة لرفع الظلم عن كاهل المصريين من المماليك. ويقول شيخ المؤرخين الجبرى: «أنه وفد على الشيخ الشرقاوى أهل الشرقية وذكروا له أن أتباع محمد بك الألفى ظلموهم وأرهقوهم بطلب ما لا قدرة لهم عليه. فغضب الشيخ الشرقاوى لذلك وخاطب مراد بك وإبراهيم بك فى رفع هذا الظلم فلم يكترثا للأمر فحضر إلى الأزهر وجمع المشايخ وتشاوروا فيما بينهم ثم أغلقوا أبواب الجامع وأمروا الناس بإغلاق متاجرهم، وركبوا فى اليوم التالى وتبعهم كثير من الناس متظاهرين وأزدحموا أمام بيت إبراهيم بك صاخبين وأرسل إليهم أيوب بك مسئول الشئون المالية فذهبوا لمراد بك ودار حوار بينهم وبينه طالبوا خلاله بالعدل ورفع المكوث وعادوا بعده الأزهر، وشايعهم أهل القاهرة فى حركتهم فحضروا إلى الأزهر وباتوا فيه متحفزين فخشى مراد بك عاقبة هذا فبعث من يخبرهم بإجابة معظم مطالبهم ثم طلب أربعة مشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا إليه فى قصره بالجيزة فلاطفهم وطلب إليهم السعى فى الصلح، وفى اليوم الثالث اجتمع الأمراء والمشايخ فى بيت إبراهيم بك ومن بينهم الشيخ الشرقاوى وتم الصلح على رفع المظالم وأن يكفوا اتباعهم عن مد أيديهم إلى أموال الناس ويسيروا فيهم سيرة حسنة، وكتب القاضى حجة بذلك ووقع عليها الباشا والأمراء، وانجلت الفتنة وفرح الناس وسكن الحال. ومرت الأيام وجاء الفرنسيون ودخلوا القاهرة عام 1798 بعد مقاومة رائعة وبعد أن استقروا، وضع نابليون بونابرت نظام حكم البلاد فقرر حكم القاهرة بمجلس مكون من 9 أعضاء وأن تكون السلطة المدنية للحكومة بيده، وكان الشيخ الشرقاوى من أعضاء هذا المجلس ثم أمر نابليون بونابرت بتكوين مجلس لكل مديرية عدده 7 أفراد، وذلك من أجل مصالح المديرية فأجمع الأعضاء على اختيار الشيخ الشرقاوى رئيسا للديوان، وبذلك أصبح رئيسا لحكومة القاهرة المدنية، بالإضافة إلى مشيخة الأزهر ومن هنا لقب بذى الرئاستين؛ ثم دعا نابليون إلى اجتماع أعيان العاصمة والأقاليم بديوان القاهرة حتى يتعرف على آرائهم فى النظام المالى والإدارى والقضائى بالحكومة. وبعد الاجتماع طلب منهم اختيار رئيس فأجمعوا على الشيخ الشرقاوى وهذا الديوان كان يبدى رأيه فى الإصلاحات والاقتراحات التى يراها من أجل إثبات ملكية العقارات وفرض الضرائب والوصول إلى النظام الأصلح بخصوص تأليف مجالس بالمديريات، وكذا النظام الأمثل للقضاء الجنائى والمدنى والتشريع الذى يكفل ضبط المواريث وإزالة الشكاوى والمظالم، وهذا المجلس يعد مجلسا تشريعيا للأمة وكان الشيخ الشرقاوى رئيسا له. وبعد قيام ثورة القاهرة عام 1798 ضد الفرنسيين قام نابليون بونابرت بحل المجلس واستمر معطلا لمدة شهرين، ولكن سرعان ما أعاده نابليون، ولكن بشكل جديد حيث قام بتكوين مجلسين أولهما؛ عرف بالديوان العمومى - الكبير – وكان يتكون من 60 عضوا من الأعيان المصريين وممثلى الطبقات المختلفة، وهذا المجلس يجتمع بناء على دعوة من حاكم القاهرة وكان الشيخ الشرقاوى من أعضائه واجتمع فى الثامن عشر من شهر رجب 1213 ه ثم أنفض بعد ثلاثة أيام. أما المجلس الثانى فهو الديوان الخصوصى وعدد الأعضاء 14 عضوا وكان يجتمع يوميا لبحث ونظر مصالح الناس، وكان الشيخ الشرقاوى رئيسا له وهو عبارة عن مجلس وزراء ولكنه كان ديكورا لتجميل وجه الحكم الفرنسى. وبعد معاهدة العريش وتوقيع فرنسا عليها برغبتها فى الجلاء عن مصر تم حل الديوان، ولكن نشبت الثورة فى القاهرة وبعد إخمادها أمر القائد كليبر تعطيل المجلس، وبعد تولى القائد مينو القيادة العامة شرع فى إرجاعه، ولكن بنظام جديد، فالأعضاء 9 ومن المسلمين وترأسه الشيخ الشرقاوى، ويعد هذا المجلس بمثابة الحكومة. وكان لوطنية الشيخ «الشرقاوى» ونضاله أكبر الأثر فى سخط الفرنسيين عليه فقام نابليون بونابرت بدعوة أعضاء ديوان مجلس القاهرة إلى منزله وألبسهم علم فرنسا؛ إلا أن الشرقاوى ألقى بالعلم أرضا وتقدم بعدها باستقالته. وعندما قام سليمان الحلبى بقتل القائد الفرنسى كليبر أحضر الفرنسيون الشيخ الشرقاوى مع الشيخ العريشى قاضى مصر وتم حجزهما ساعات وطلب الفرنسيون منهما البحث عن الأزهريين الأربعة الذين ذكرهم سليمان الحلبى فى التحقيق ولكنهما ثارا ورفضا هذا الطلب الفرنسى، فحاول الفرنسيون الزج بالشيخ الشرقاوى عقابا له موقفه. وعند اضطراب الفرنسيين بسبب مجيء الحملة الإنجليزية لمصر ثم احتلال الأتراك العريش قام فورييه «الوكيل الفرنسى» باستدعاء أعضاء الديوان ثم اعتقل 4 منهم وكان فى مقدمتهم الشيخ عبد الله الشرقاوى ثم أرسلوا إلى القلعة ومكثوا فى سجنهم مائة يوم، وتم إطلاق سراحهم بعد معاهدة جلاء الفرنسيين عن مصر. وبعد خروج الفرنسيين من مصر لم يدخر الشيخ عبد الله الشرقاوى جهدا فى الدفاع عن وطنه فى مواجهة الأتراك فعندما قام الوالى التركى خورشيد باشا بفرض ضريبة جديدة على أهالى القاهرة ما كان من الزعماء إلا أن اجتمعوا فى الثانى عشر من شهر صفر سنة 1220 ه فى بيت القاضى وكان فى مقدمتهم الشيخ الشرقاوى وقرروا اختصام خورشيد باشا الوالى التركى فعلم الشعب بذلك فاجتمع ما يقرب من 40 ألفا وقاموا بمظاهرة ضد الأتراك وظلمهم السافر، ثم طلب القاضى وكلاء الوالى وعندما حضروا إليه انعقد المجلس وتم عرض مظالم الشعب ومطالبهم المتمثلة فى عدم فرض أى ضريبه على القاهرة إلا بعد إقرار العلماء والأعيان وكذلك جلاء الجنود عن القاهرة وانتقال حامية القاهرة إلى الجيزة وعدم السماح بدخول أى جندى إلى القاهرة وهو مسلح. وبعد أن وصلت رسالة القاضى إلى خورشيد باشا وهى محملة بهذه المطالب شعر أن موقفه خطير فأرسل إلى العلماء بمقابلته، ولكنهم لم يذهبوا لأنهم فطنوا لمؤامرته ومكيدته، فرفض خورشيد باشا مطالب الشعب فاجتمع العلماء ووكلاء الشعب 13 صفر 1220ه فى المحكمة واتفقوا مع الشعب على عزل خورشيد باشا واختيار محمد على واليا على مصر وأبلغوه بذلك فتردد محمد على فى أول الأمر ثم قبل بعد أن أوضح له الشيخ عبد الله الشرقاوى والسيد عمر مكرم بأن هذه هى رغبة الشعب المصرى ثم ألبساه خلعة الولاية؛ وكانت تلك هى المرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث التى يعزل فيها الوالى ويختار بديلا له بقوة الشعب وإرادته.