اقتصاديون: انتظروا موجة جديدة من الغلاء الفاحش ولا عزاء للغلابة وكأن القدر كتب على فقراء مصر أن يظلوا وقود المعركة، تتاجر بهم الثورات حتى تضع أوزارها، وتدير لهم الحكومات ظهورها في فترات الهدوء والاستقرار، لا يظفرون في كل مرة سوى بمزيد من الغُصّة والمرارة والبكاء على اللبن المسكوب. قامتْ ثورة أعقبتها ثورة، وفى كل مرة.. كان الحديث عن الفقراء حاضرا بقوة، وأنه آن أوان تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن في كل مرة تأتى الثورات بما لا يشتهى الفقراء، فما تغيرت حالهم، وما ارتفعت دخولهم، ولم يجدوا حتى الآن من يمد لهم يد العون والعطف والرحمة، حتى أصحاب المعاشات والقواعد من الرجال والنساء، لا تخجل الحكومة من إذلالهم. مع كل طارئ.. يتلقون وعودا زائفة، تطالبهم بالصبر شهورا قليلة، فيصبرون طوعا أو كرها في انتظار ما لا يجىء، ومع كل وعد.. يخيب ظنهم ويموت الأمل كمدا داخل صدورهم. ولأن الأرقام أصدق حالا من البيانات الزائفة.. فإن التقارير الرسمية تؤكد اتساع رقعة الفقر لتشمل أكثر من 40 % من عدد السكان، تزامنا مع تدنى الخدمات وارتفاع أسعارها وموجة من الغلاء الفاحش الذي لا يبقى ولا يذر. ورغم أن الحكومة تتبع في إدارة برنامجها الاقتصادى سياسة الجباية في أقسى صورها، وتنفيض جيوب الغلابة، والاقتراض الخارجى والداخلى أيضا الذي تتسارع وتيرته وتتعدد صوره بالشكل الذي أحدث خلافا بين وزراء المجموعة الاقتصادية، إلا إنها لا تترجم ذلك في صورة خدمات تعليمية وصحية جيدة، ولكن الأمور تسير في مسارها القديم إلا قليلا. تعالوا نتصفح الأرقام الصادرة عن وزارة المالية التي أكدت في تقرير لها، ارتفاع إيرادات الحكومة بنسبة 32.1%، مقارنة بالعام المالى الماضى، التقرير أوضح أن الإيرادات سجلت نحو 471 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو 2016 حتى مايو 2017، مقارنة بنحو 356.6 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالى السابق عليه، ويرجع ارتفاع الإيرادات، بطبيعة الحال، إلى زيادة الإيرادات الضريبية بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى الإيرادات الأخرى ومنها عوائد ملكيتها في الشركات والبنوك، وبحسب التقرير.. ارتفعت الإيرادات الضريبية خلال الفترة المذكورة، لتسجل نحو 358 مليار جنيه بنسبة ارتفاع 33.3%، مقارنة بإيرادات ضريبية تقدر ب268.6 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالى السابق عليه 2015-2016، وتعود الزيادة في الإيرادات الضريبية إلى ارتفاع الحصيلة من الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 38.1% لتحقق 170.3 مليار جنيه مقابل 123.3 مليار خلال نفس الفترة من العام قبل الماضي، كما ارتفعت الضرائب العامة على الخدمات بنسبة 23.3% لتحقق نحو 15.9 مليار جنيه، أما قناة السويس فحققت 20 مليار جنيه، وهيئة البترول 10 مليارات جنيه مقابل لا شيء العام قبل الماضي، وبلغت حصيلة الضرائب على الجمارك 23.9 مليار جنيه، كما ارتفعت الضرائب على الممتلكات بنسبة 7.2% لتحقق 26.7 مليار جنيه، كما سجلت الإيرادات غير الضريبية 113 مليار جنيه بنسبة زيادة 28.4%، وبلغت إيرادات عوائد الملكية نحو 70 مليار جنيه بنسبة ارتفاع 45.8%، منها إيرادات من أرباح الأسهم 57.2 مليار جنيه بنسبة زيادة 22.5%، كما ارتفعت حصيلة بيع السلع والخدمات إلى نحو 24.4 مليار جنيه بنسبة زيادة 23.9%،وسجلت الإيرادات المتنوعة نحو 15.7 مليار جنيه، وجميع هذه الأرقام من واقع تقرير وزارة المالية، وليس أية جهة غير رسمية. ورغم أن المواطنين تحملوا بنفس راضية، خلال الفترة الماضية، أعباء الإصلاح الاقتصادى، أملا في تحسن أحوالهم في القريب العاجل، إلا أن المؤشرات تنبئ بأن الفترة المقبلة سوف تشهد صعودا متدفقا في الأسعار، بما يزيد من مشقة الحياة على أكثر من نصف المصريين الذين أصبحوا يتساءلون عن مصير تلك الإيرادات التي تُحصلها الحكومة دون أن يواكبها ارتفاع مستوى الخدمات وتوافرها، أو تحسن في مرتباتهم.. وهو سؤال يبدو في جميع الأحوال مشروعا، لا يتحمل سائله إثما، ولا تتطلب الإجابة عنه تحايلا أو مراوغة أو التفافا.