85 عاما، يحملها محمد عبد ربه عثمان، على كتفيه، ب"حلوها ومرها"، يتذكر ما يريد أن يتذكره، لحظات سعيدة كانت أو حزينة، لكنه يريد الاحتفاظ بها، علاقته ب"السد العالى" واحدة من الذكريات التي لا تزال حاضرة في ذهنه، وكأنها حدثت بالأمس القريب، بلحظات الفرح فيها، وساعات الحزن. "من التهجير إلى التفجير".. هكذا يصف "الحاج محمد" علاقته ب"السد العالى"، حيث قال: حضرت مراحل بناء السد بالكامل منذ لحظة تهجير النوبيين بوادى كوم أمبو، وحتى إشارة الرئيس جمال عبد الناصر بافتتاح المشروع. " مثل العاشق الذي يرى محبوبته واصفًا إياه بأعذب الكلمات وأرقى الجمل والعبارات، يحرك جناحيه ليطير سابحًا ".. بالكلمات تلك، تحدث الرجل الثمانينى عن سنواته في "أسوان"، وقال: وصلت إلى أسوان وكان عمرى آنذآك نحو 17 عامًا، ووقتها علمت بأنه سيتم تهجير النوبيين وكنت أعمل ميكانيكيا، وكنت من الذين يمتازون بأداء هذه المهنة ببراعة، وكان النوبيون في هذا الوقت بعضهم كان يرقص فرحًا والآخر يرقص حزنًا بسبب انتزاع أراضيهم، لكن لا أحد ينكر أن الرئيس جمال عبدالناصر منحهم الكثير مقابل تلك الأراضى التي تم انتزاعها منهم. وأكمل: فور الإعلان عن بدء العمل بمشروع السد قررت أن أتقدم للعمل به، وبالفعل شاركت في العمل بالمشروع بمهنتي، والتحقت بالمشروع منذ عام 1961 وحتى عام 1967، وكنت وقتها أتقاضى نحو 7 جنيهات ونصف الجنيه راتبا. لا يمكن أن تأتى "سيرة السد"، دون الحديث عن زيارات الرئيس الراحل المتكررة للمشروع، والتي قال عنها الرئيس جمال عبدالناصر كان دائم الزيارة إلى هناك في جميع الأوقات، وكنا نفاجأ به مرات يأتى ليلًا وفى بعض الأحيان كان يزور بعض المواقع مرتين، أو ثلاث مرات يوميا هو والفريق صدقى سليمان، وكان دائما أثناء لقائه بالعمال في السد يردد جملة واحدة "البلد بلدكم"، وطيلة سنوات عملى في السد التي بلغت 7 سنوات شاهدت "ناصر" 20 مرة، من أجل تشجيع العمال والترفيه عنهم، خاصة أنه كان صعيدى مثلنا يعى تمامًا أن ما يقوم به سوف يشد من عزيمة وهمة العمال لإنجاز المشروع في وقت قياسي، ولم نشعر يومًا أن هذا الرجل رئيس جمهورية بل كان قريب الشبه بمهندس المشروع الذي يشرف علينا ويأتى ليشاركنا العمل. وواصل حديثه: من أصعب المشاهد التي تؤلمنى ومازالت محفورة بذاكرتى هي مشاهد موت العاملين نتيجة تفجير الديناميت، وكنا بنجرى نستخبى قبل التفجير، كل واحد ياخد ساتر.