«أخى جاوز الظالمون المدى».. ونبشوا جرحا لا يكاد يندمل في جسد أقصى أسير.. «محتل غاصب» طامع يتصرف كالمجنون.. يتباهى بإنجاز خطوات إجرامية.. ويسارع الزمن لإنهائها في أقل وقت ممكن في محاولة آثمة جديدة من محاولاته التي لا تتوقف لإحكام السيطرة على أولى القبلتين، قام فيها باتخاذ مزيد من إجراءات القمع والقهر التي كان آخرها إغلاق أولى القبلتين بشكل كامل في وجه مرتادى المسجد، وتركيب بوابات إلكترونية، واعتداء بوحشية على المعتصمين والمحتجين، كل هذا واجهه -كالعادة- رد فعل رسمى عربى وإسلامى أقل بكثير من طموحات شعوب عربية مسلمة لا تملك فعل شيء أمام صرخات وأحزان الأقصى سوى تغيير صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتضرع والابتهال بأن ينصر الله الحق، أو قصائد يطلقها شعراء ويتغنى بها مغنون داخل استوديوهاتهم المكيفة. فمع كل صرخة للأقصى يطلق الشعراء القصائد والأغانى التي كانت بمثابة طلقات رصاص تقطع حجاب الصمت العربي، وتهز وجدان الشعوب وتفجر براكين الحماس وتمجد الشهداء وتشد من عزيمة المناضلين وتفضح بشاعة العدو الصهيونى وتوجه رسائل قوية لقادة الكيان العربى لنصرة مسرى نبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، لكن دون جدوى فالأقصى الأسير يستغيث ويستجير، وإخواننا يُقتلون ويُجرحون ويجوَّعون ويُحاصرَون، وحكام العرب لا يريدون ترك مقاعد المتفرجين التي ركنوا إليها منذ زمن للوقوف صفا واحدا ضد انتهاكات الصهاينة. كانت أول أغنية صدح بها الصوت العربى لفلسطين في شهر نوفمبر عام 1947، عندما صدر قرار الأممالمتحدة بتقسيم فلسطين، يومها غنت «نجاح سلام» الفتاة اللبنانية التي لم تتجاوز السادسة عشرة، والتي كانت في زيارة للقدس، أغنية من كلمات الشاعر محمد على فتوح، وألحان حليم الرومى يقول مطلعها: «هبت ملوك العرب.. تفدى الحرم بالروح.. وترد سهم العدا.. وتنقذ يتامى تنوح.. يا مجلس الأمن روح أمِّن نفسك روح.. فلسطين مِلْك العرب». وبعد هزيمة 1948، غنى ولحن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كلمات الشاعر «على محمود طه»، «أخى جاوز الظالمون المدى.. فحق الجهاد وحق الفدا.. أتتركهم يغصبون العروبة كل يوم؟ مجد الأبوة والسؤددا؟!.. وليسوا بغير صليل السيوف يجيبون صوتا لنا أو صدى.. فجرِّدْ حسامَكَ من غمدِهِ.. فليس لهُ بعدُ أن يُغمدَ». ثم يأتى العندليب «حليم» والمعروف بأغانيه الوطنية المؤثرة فلم يتجاهل قضية «الأقصى»، بل كان من أوائل من دافع عنه عام 1955، بأغنية "ثورتنا المصرية" تأليف مأمون الشناوى وتلحين رءوف ذهني، منشدًا: «ضد الصهيونية.. بالمرصاد واقفين..وحترجع عربية.. حبيبتنا فلسطين.. وحتفضل للدنيا.. نور يهدى البشرية». وبصوت امتزج بالحزن والتحدى شدت جارة القمر «فيروز» بأروع أغنياتها «زهرة المدائن» عقب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967، والتي ألفها ولحنها «الإخوان رحباني»، ومع كل لحظة ألم ونزيف في جسد فلسطين ومع كل صرخة من حرم المسجد الأقصى، ومع كل لحظة انكسار يهب صوت من كبار الأصوات الغنائية للدفاع بحنجرته عن القدس وشوارعها والأقصى الشريف، وأمام كل لحظة انهيار لأب وئدت ثمرته في الدنيا وقتل فلذات أكباده أمام عينيه برصاص العدوان الإسرائيلى، كوالد الشهيد محمد الدرة، يهب المبدعون ويتنافسون جميعًا في الغناء والعزف والتلحين على ذلك الوجع الذي لن يشفيه الموت نفسه. وتقع انتفاضة القدس الأولى عام 1990، ليأتى الشاعر الليبى على الكيلانى ليتساءل بإيقاع غاضب: «الغضب العربى وين؟!.. الدم العربى وين؟!.. الشرف العربى وين؟!» في أغنية وطنية، اجتمع في غنائها ثلاث مطربات مثلن مزيجا عربيا خالصا هن اللبنانية جوليا بطرس والتونسية سوسن الحمامى والسورية أمل عرفة، وتحكى معاناة الفلسطينيين تحت سطوة الاحتلال بعنوان «وين الملايين»،فكانت كلماتها ونغمها وروحها وغضبها بمثابة صرخات مدوية في ضمائر المستمعين شعوبا وحكاما، أطفالا وشبابا وكبارا. «القدس لازم هناخدها.. وده حق مش محتاج لسكوت».. هكذا تغنى عمرو دياب في عام 2001 في أنشودة «القدس دى أرضنا» لبث الأمل في النفوس عقب الانتفاضة الفلسطينية التي تفاعل معها الشارع العربي، وخرجت التظاهرات في كل أنحاء مصر والدول العربية تندد بالعدوان الإسرائيلى وتؤيد انتفاضة الأقصى، والتي لاقى فيها آلاف الفلسطينيين مصرعهم. ثم تأتى انتفاضة ثانية وصلت بالغناء للقدس العربية إلى حد الذروة، ولم يقتصر الغناء وقتها على دولة بعينها، فغنى محمد فؤاد "الأقصى نادي"، وقدم هانى شاكر "القدس هتفضل عربية" و"فلسطين" و"أبواب القدس"، وغنت نوال الزغبى "يا قدس كم أتوق إلى الصلاة"، وأنشدت أصالة أغنية "أولى القبلتين" بألحان وكلمات الفنان الليبى على الكيلاني، وشارك تامر حسنى ب"ترابك يا فلسطين"، وعاصى الحلانى ب"صامدون،وجايين" و"طعم الحرية لفلسطين العربية"،و"يا قدس" لكاظم الساهر. وفى 27 فبراير 2008، استيقظ الشعب العربى على أوبريت «الضمير العربي» الذي حرك الضمير العربى المتراخى وقتها، وجاءت كلماته: «ماتت قلوب الناس ماتت بِنَا النخوة يمكن نسينا في يوم إن العرب إخوة»؛ في دعوة للم الشمل العربي، والتحذير من عبث الغرب بنار الفتنة، وقدمه أكثر من 100فنان وفنانة عرب من مغنين وممثلين وغيرهم، ولحنه خالد البكرى ومصطفى محفوظ، ويعتبر الجزء الثانى من أوبريت الحلم العربى الذي تم إنتاجه سنة 1996 وأعيد إنتاجه للمرة الثانية في 1998. ويرتفع صوت قوى شاب أخذ بلب العالم العربى وقتها، في عمل اكتملت فيه عناصر القوة كتبه عبدالسلام أمين، ولحنه عمار الشريعي، إنه صوت الفنانة المصرية آمال ماهر، التي شدت ب«عربية يا أرض فلسطين»، ثم قدمت «أختى وفاء» كلمات عمر بطيشة، وألحان عمار الشريعي، عن الشهيدة «وفاء إدريس». وظهرت أغنيات حديثة قدمها جيل جديد للأقصى فكانت «يا دنيا اشهدي» أغنية الفوز التي نافس بها المطرب محمد عساف في أحد برامج اكتشاف المواهب، لتكرر نفس مطالب ما سبقها من أغنيات بضرورة توحد العرب لكن هل من مجيب؟ والإجابة هنا جاءت من خلال أغنية «قدساه» التي عاد بها فضل شاكر بعد غياب.