يسير الكثيرون في طريق الله، حيث لا وجهة غيره تفرج الكروب وتزيل الهموم، وفى ظل رحلة البحث عن الله، تجد من يسارع الخطى في صمت نحو عمل يثقل ميزانه ويرفع درجاته إلى منزلة تقربه من جنان الخلد، بينما على الجهة المقابلة هناك آخرون يجذبونك بسحر الكلام عن الله بلا أفعال، وكأنهم ينطبق عليهم قوله تعالى «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم»، فيتخذون الدين ستارًا لإخفاء موبقاتهم، غير أنه سرعان ما ينكشف الستار بعد أن يتورطوا في موقف محرج، أو فضيحة أخلاقية مدوية، وهؤلاء هم أصحاب التدين الشكلي. يرى الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن التدين الأجوف ليس من الدين في شىء، بل يعكس اختلالا في شخصية الفرد لعوامل مختلفة، قد تكون نفسية أو أسرية أو اجتماعية، فيهتم بالمظهر دون الجوهر، لافتا إلى أن ذلك يتعارض مع صحيح الدين. "الجندي" ذكر أن الله أشار إلى هؤلاء في مجموعة آيات، فقال "إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا"، كما شدد الرسول على حسن العبادة في قوله "إنما الأعمال بالنيات"، لافتا إلى أن النية تعد معيارا لتقييم الإنسان، فالله لا ينظر للشكليات بل ينظر إلى القلوب والأعمال، مشيرا إلى قول الله:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا"، فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه"، كما أن الله لا يقبل إلا طيبًا. ويضيف: "حين سُئلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَنِ امْرَأَةٍ تُصَلِّى الْمَكْتُوبَةَ، وَتَتَصَدَّقُ ببقايا طعامها على الفقراء، وَلا تُؤْذِى أَحَدًا بِلِسَانِهَا، قَالَ: «هِيَ فِى الْجَنَّةِ»، فالعبادة تحتاج إلى ما يدعمها بالأخلاق، وعن عبد الله بن عمرو -رضى الله عنه- أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"، وكل ذلك أشار إلى التدين الشكلى في عصرنا الحديث. وعددّ عضو "البحوث الإسلامية" أشكال التدين السلبي، ومنها الذهاب للمسجد دون نية خالصة للتعبد، وارتداء المرأة الحجاب لمواكبة الموضة، فضلا عن خطابة الرجل في الناس وإمامة الصلاة دون العلم بأحكامه، موضحًا أن كل ذلك لا يعتد به في ميزان الله، فالمظهر في العبادة والتقوى والعمل الصالح لا ترضى الله ولا تفيد صاحبها، فلابد أن يطابق الفعل والقول النية، فسر العبادة محلها القلب، مشيرًا بالقول "العبادة مش شكليات"، والدين لا يعتمد إلا مع الصلة العميقة بالله، لافتا إلى أن بعض الفئات توظف الدين لأهداف سياسية ومكاسب شخصية إلا أن مسعاها ينتهى بالفشل. وعن الحل، يقول "الجندي" إنه لابد من الاهتمام بجوهر العبادة لكسب رضا الله، مع توافق الجوهر مع الشكل، لافتا إلى ضرورة تجنب الرياء لأن صاحبه لا يقبل منه عبادة أو عمل صالح. فيما ترى الدكتور إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية، أن من يتفاخرون بتدينهم يستهدفون جذب الأنظار، فقد يكون بالحديث المستمر عن حرصهم على أداء الصلوات، وإقامة الفروض بشكل مظهري، واستعراض معلومات ثقافية ودينية على فئة أقل خبرة ودراية، مؤكدة أن أصحاب هذا الاتجاه قد يكونون مرضى نفسيين، فيلجئون إلى جذب إعجاب الناس بقلب غير سليم، موضحة أن التمسك بالدين الشكلى والصبغة الدينية أصبحت دعابة في يد البعض ووسيله ماكرة ذات أهداف خبيثة. وتؤكد أن عبارة "الشعب المصرى متدين بطبعه" تنطبق حرفيًا عليه، موضحة أن تلك حوادث فردية لا ترقى لمستوى الظاهرة، فالشعب المصرى من أكثر الشعوب تمسكًا بجوهر الدين وليس ظاهره، ولا يتفنن في لعب دور التمثيل، ويقتنع بمبدأ "الدين المعاملة" فيسعى إلى إرضاء الله في كل عمل يؤديه. وتوضح أن كل المجتمعات تتجسد بها تلك الحالات، غير أن الشعب المصرى أكثر التزامًا من كثير من الشعوب العربية، ويقف ذلك وراء ندرة وجود نماذج "التدين السلبي"، لافتة إلى أن المصريين مؤمنون أكثر لذا لم تؤثر تلك الشخصيات عليه، متابعة:"نحن لا نصدق كل تلك الهلاميات، التي لم تؤثر فينا بشكل قوي".