1⁄4 أزمة مصر أن السياسيين فيها.. كل السياسيين فقدوا القدرة علي الإبداع. ومات لديهم الخيال.. والناس عندما يذمون شخصاً عندنا يقولون له: أنت خيالي. أو أنت مثالي أو "خليك واقعي".. بينما ينبغي أن يكون ذلك مدحاً لا ذماً.. والحق أن النخبة كلها في مصر ضمر لديها الخيال. وفقدت ملكة الإبداع والخلق.. ربما لأننا في عصر الصورة التي حجمت عندنا الخيال. وأصبحت ثقافتنا ثقافة نقل لا عقل.. وشغل عيال لا إبداع خيال.. لا شيء يشدك في مقالات الصحف وتحليلات التليفزيون وأفلام السينما وتعليقات مواقع التفاصل الاجتماعي. وليس التواصل.. لا شيء يشدك في تصريحات المسئولين وخطبهم.. حتي في كلام العشاق لبعضهم لم يعد هناك إبداع أو خيال.. الفن والشعر والأدب والتمثيل والغناء والرسم.. لم يعد في ذلك إبداع أو خيال.. تحول المنتمون إلي النخبة لمجرد نسخ مكررة من كتاب واحد.. حتي أهل الدعوة ومن نطلق عليهم كذباً الدعاة والعلماء لم يعد لديهم إبداع.. لم يعد لديهم جديد رغم أن أكثر الدين مبني علي الغيبيات.. ونحن في الإسلام مأمورون بالإيمان بما لا نراه. ولا يخضع للمشاهدة. ولا يقع تحت الحواس.. بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والحساب والصراط.. مأمورون بأن نعبد الله تعالي كأننا نراه. فإن لم نكن نراه فإنه سبحانه وتعالي يرانا.. ومن ينكر أمراً واحداً من هذه الغيبيات الخارجة عن نطاق الحواس فقد كفر. الإيمان إذن قائم علي الخيال والإبداع وما وقر في القلوب.. وما يقع تحت الحواس في الدين ليس سوي القشرة الخارجية لكن اللُّب كله غيبي.. فإذا صلح الخيال والإبداع والقلب. صلح التدين.. والغلاف الخارجي للدين لا فرق في اتباعه بين المنافق المرائي والمؤمن الحق.. لكن الفرق في الجوهر واللب والقلب. وهذا هو الذي ينظر إليه الله تعالي. ولا ينظر إلي الصور والأجساد. والحكم علي الناس بالتدين وعدم التدين أو بالإيمان والكفر من منطلق المنظر والغلاف الخارجي حكم خاطئ وقاصر وعبيط.. وتصنيف الناس إلي مؤمن وكافر.. وشهيد وقتيل عادي.. وثائر وبلطجي تصنيف أبله.. والرد عليه بحسم ورد في حديث الرسول "صلي الله عليه وسلم": "هلا شققت عن قلبه؟!".. وورد في النهي القرآني العظيم: "ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً".. فالحكم بالإيمان والكفر.. وبالشهادة وعدمها.. وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار سوء أدب مع الله عز وجل. وتدخل وقح في شأن رباني لا علاقة لنا به.. بل إن هذا الحكم الأخرق يوشك أن يخرج صاحبه من الملة إذا أصر عليه. والذين يقولون لمن ألقي عليهم السلام: لست مؤمناً. يتاجرون بالدين لأنهم موصوفون في القرآن بأنهم يبغون عرض الحياة الدنيا. ولا يبغون بقولهم هذا وجه الله تعالي.. فالواقع في فخ تصنيف الناس إلي مؤمن وكافر متاجر بالدين وطالب دنيا.. فالدنيا هنا غايته. والدين وسيلة.. ومن اتخذ الدين وسيلة وهو في الحق غاية فقد ضل ضلالاً بعيداً.. ومن يجترئ علي تصنيف الناس إلي مؤمن وكافر يوشك هو أن يكون كافراً. والدين ليس له حارس ولا حافظ إلا الله عز وجل.. فهو لا يبقي ببقاء أحد. ولا يزول بزوال أحد.. والشمس والقمر لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد أو لحياته. كما أخبرنا بذلك رسول الله "صلي الله عليه وسلم". عندما ربط الصحابة أو بعضهم كسوف الشمس بموت إبراهيم ابن رسول الله "صلي الله عليه وسلم".. وكما قال سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه عندما انتقل رسول الله "صلي الله عليه وسلم" إلي الرفيق الأعلي: أيها الناس.. مَن كان يعبُد محمداً. فإن محمداً قد مات.. ومن كان يعبُد الله. فإن الله حي لا يموت. ولو أن بقاء الإسلام مرتبط بشخص أو فصيل أو تيار. لأبقي الله تعالي رسوله "صلي الله عليه وسلم" حياً إلي يوم القيامة. وهو "صلي الله عليه وسلم" أولي بذلك. أو لأبقي الصحابة إلي يوم القيامة.. فما لكم كيف تحكمون؟!.. وربط الدين بالأشخاص ليس سوي إرث الفراعين والملوك الذين ادعوا الألوهية.. فالدين مرتبط وباق ببقاء الفرعون. ويزول بزواله.. وهذا الربط للدين ببقاء الأشخاص يبلغ حد الشرك بالله. ويصل بصاحبه إلي الكفر.. والله تعالي يقول: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" أي أن الله وحده تكفل بإنزال الذكر وهو القرآن الكريم أو هو الدين.. وتكفل بحفظه ولم يعهد بهذا الحفظ إلي شخص أو تيار أو فصيل أو جماعة أو حزب. 1⁄4 والله تعالي يقول: "هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله".. فالله تعالي هو الذي أرسل الرسول. والله تعالي هو الذي ينصر ويظهر الدين. والأمر ليس مرتبطاً بشخص أو فصيل أو تيار.. لكن قومنا يجهلون أو يتجاهلون أو يتاجرون في الدين ابتغاء الدنيا.. وعندما قال الرئيس السابق حسني مبارك: "أنا أو الفوضي".. احتمل قوله الصدق والكذب.. وهناك من صدق قوله.. وهناك من كذبه.. وربما هناك وقائع علي الأرض صدقت قوله.. وعندما يأتي اليوم قوم ليقولوا: نحن أو الكفر. فإن أحداً لديه ذرة عقل لا يمكن أن يصدقهم.. بل هم كاذبون "في أصل وشهم".. لأن بقاءهم لا يعني انتشار الإيمان.. وزوالهم لا يعني شيوع الكفر.. فالله تعالي وحده لا شريك له هو الذي يحفظ الدين حتي بجنود من أعدائه.. بل حتي بجنود من الكفار.. وما يعلم جنود ربك إلا هو.. ومن أسرار الإسلام الربانية أنه يقوي بكثرة أعدائه.. وبجنود من غير أتباعه.. مثل "البخور" لا ينتشر وتملأ رائحته الدنيا إلا وسط النار. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. والذين يخرجون غيرهم من الإيمان أو الملة بسبب اختلاف العقيدة أو المذهب.. إنما يخرجون أنفسهم من الملة والإيمان وهم لا يشعرون: "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم.. لا حجة بيننا وبينكم.. الله يحكم بيننا وبينكم".. الحكم في الأمر كله لله عز وجل وحده لا شريك له.. وليس لشخص أو ذي عقيدة أو صاحب مذهب.. والذين يحتجون بالآية الكريمة لإخراج غيرهم من الإيمان إنما يخرجون أنفسهم من الملة. وما يشعرون.. وهي الآية الكريمة: "ومَن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه".. والآية الأخري: "إن الدين عند الله الإسلام".. هؤلاء الذين يحتجون بالآيتين لتكفير الآخرين إما يجهلون وإما يتجاهلون.. والحق الذي لا حق سواه أن العقائد أو الأديان السماوية كلها إسلام.. فالإسلام دين كل الأنبياء من آدم عليه السلام إلي سيدنا محمد "صلي الله عليه وسلم".. الإسلام بمعناه ومفهومه لا بأركانه وطقوسه.. فلكل دين أركانه وطقوسه. "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم".. ومعني الإسلام الذي يشمل كل الأديان الخضوع التام لله عز وجل. وإسلام القياد له.. وليس من اليهود ولا من المسيحيين من يستطيع أن يقول إنه غير خاضع لله عز وجل. وليس بمسلم قياده إليه سبحانه وتعالي. والمسلم وهو يتأهب للنوم يقول: اللهم إني أسلمت نفسي إليك.. أي أخضعتها لسلطانك وأمرك.. وبهذا المعني لابد أن يكون كل أتباع الديانات السماوية مسلمين بالمعني لا بالأركان وطرق العبادة.. وهذا ما وصي به يعقوب بنيه عندما حضره الموت: "ما تعبدون من بعدي.. قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون".. وبذلك فإن إخراج اليهود والنصاري من حظيرة الإيمان إلي الكفر استناداً إلي الآيتين الكريمتين "استهبال وعبط".. لأن الإسلام هو الذي يجمع من يخضعون لله ويسلمون قيادهم إليه. الدين واحد. وليس أدياناً كما نقول دائماً.. لكن التجزئة والتقسيمات إلي أديان ومذاهب وملل ونحل. أفعال بشرية ممن يبتغون عرض الدنيا ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ويلوون ألسنتهم بالكتاب لنحسبه من الكتاب. وما هو من الكتاب.. ومن المسلمين مثل المسيحيين واليهود من يلوون ألسنتهم بالكتاب.. حيث يخضعون آيات الله لتفسيراتهم وتأويلاتهم.. كأن يقول أحدهم للحاكم: "فإذا عزمت فتوكل علي الله". أو يقول أحدهم لأتباعه "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم".. يعني أن أتباعه مهتدون. وأن سواهم ضالون.. وهذا أمر شائع جداً بيننا هذه الأيام.. وهو نفسه لَيّ الألسنة بالكتاب لنحسبه من الكتاب. وما هو من الكتاب.. فالتفسيرات الملاكي لآيات الله ليست سوي لَيّ الألسنة بالكتاب. * وتقسيمات الإسلام إلي إسلام سلفي. وإسلام سُني. وإسلام شيعي. وأحزاب إسلامية.. تقسيمات كلها "ضيزي" وهي أهواء بشرية لا علاقة لها بالدين الواحد.. فالله الواحد أنزل ديناً واحداً. لكن الناس بسبب الأهواء والمطامع والمغانم هم الذين اخترعوا القسمة "الضيزي".. والكلام الذي يردده البعض عن ثورة إسلامية.. كلام فارغ.. كما أن ما يسمي المشروع الإسلامي كلام فارغ.. وشعار تطبيق الشريعة أيضاً كلام فارغ.. لأن الشريعة يطبقها كل امرئ علي نفسه وأهله وحتي إذا كان الحاكم كافراً فإنه لا يستطيع أن يمنع إنساناً من تطبيق الشريعة علي نفسه.. والذي يكفر بحجة أن الحاكم كافر.. ويفسق بدعوي أن الحاكم فاسق.. لا حجة له يوم القيامة.. كما أن الذي يؤمن أو يسلم أو يطبق الشريعة لأن الحاكم مؤمن أو مسلم أو يطبق الشريعة منافق ولا أجر له يوم القيامة.. كل المصطلحات المصلحية التي يتم ربطها بالإسلام ساقطة وداحضة وحق يراد به باطل.. فلا حجة لمنافق وفاسق وكافر تابع.. ولا قيمة لمسلم أو متدين أو مؤمن تابع "كل واحد متعلق من عرقوبه".. فالثورة الإسلامية قامت بفضل الله وببعثة سيدنا محمد "صلي الله عليه وسلم".. وما أثبته الله لا ينفيه البشر.. وما زرعه الله لا يقلعه البشر.. والدين ليس ولم يكن ولن يكون أفيون الشعوب. لكن التفسيرات البشرية للدين ابتغاء الدنيا والسلطة هي أفيون الشعوب.. والدين دائماً عام لكن البشر هم الذين خصخصوه لحسابهم. وأخرجوا منه مَن يشاءون "معاش مبكر".. ووظفوا فيه مَن يحبون من أتباعهم.. والدين مشاع ومتاح ومتوفر.. حلاله بيِّن. وحرامه بيِّن.. لكن طالبي الدنيا والمال والجاه والسلطان احتكروه. وراحوا يوزعونه بالكوبونات علي من يريدون. ويحرمون منه من يشاءون.. ويوزعون صكوك الغفران. وشهادات دخول الجنة. وشهادات دخول النار.. وكل المتناحرين علي الدنيا باسم الدين أو بأسماء أخري وشعارات متباينة. عصروا مصر. وألقوها في القمامة بعد أن مصوها وأفقروها.. وخربوها وقعدوا علي تلها.. وإذا أردت أن تدرك حجم القرف والزهق. والهم والغم الذي أصاب الناس.. فاخرج الآن وانظر إلي مصر بعد العصر!!! نظرة *زمان كان هناك شعور غريب ينتابني ويسيطر عليّ أيام الامتحانات من الابتدائية إلي نهاية الجامعة.. وهو أنني أكون سعيداً للغاية بإجاباتي علي الأسئلة.. وأخرج من اللجنة منتشياً منتفخ الأوداج "يا أرض اتهدي ما عليك قدي".. وعندما أعود إلي البيت يبدأ لديّ شعور القلق من النتيجة.. وأري أحلاماً مزعجة.. وأخشي مقالب المصححين. ومن يرصدون الدرجات.. كان العبء ثقيلاً لأن أبي رحمه الله ملأني اقتناعاً بأن النجاح وحده لا قيمة له. وأن القيمة في التفوق والمجموع الكبير.. وكان يقول لي: هناك نجاح.. الرسوب أفضل منه.. هذا الشعور المتأرجح بين الثقة والقلق.. وبين السعادة والحزن. عاد إليّ الآن وأنا أتابع المشهد في بلدي.. الامتحان سهل "واحنا جاوبنا كويس".. لكن القلق علي النتيجة والتصحيح والرصد والتنسيق والمجموع والتوزيع الجغرافي يطفئ السعادة والثقة. ويحجب شمس الوطن بغيوم كثيفة "يا تري يا مصر مجموعك هيوديك فين؟!!".. وبعد الخوف والقلق.. أري النتيجة تظهر. ومصر تتفوق والشعب يتنفس بحرية.. ويهتف "يعيش الجيش"û