لم يقف الأزهر الشريف يوما ضد الأقباط ولم يناصبهم العداء، بل كان ولا يزال قبلة لهم، والتاريخ خير شاهد على ذلك، ومن بين أقباط كثيرين نهلوا من علم الأزهر وتتلمذوا على يد كبار مشايخه يبرز اسم «أولاد العسال» وهى الأسرة التي عاشت في القرنين السادس والسابع الهجريين، ودرست في رحاب الأزهر، وأبناؤها من كبار مثقفى الأقباط، ولهم مؤلفات مهمة في الدين المسيحي، ومنها «المجموع الصفوي» للصفى العسال، وقد تأثر في كتابه بالفقه الإسلامي، من حيث تقسيم الكتاب، إلى قسمين «عبادات، ومعاملات»، وفى عناوين أبوابه. ومن الأقوال التي تظهر تأثر «الصفى العسال» بالفقه الإسلامى «ويساوى بين الخصمين في الدخول والجلوس، والإقبال عليهما، والإنصات إليهما، والمخاطبة لهما، والعدل في الحكم لهما أو عليهما». كما أن الشيخ الرئيس ابن كاتب قيصر الأزهري، الذي ألف كتابا في نحو اللغة القبطية سماه «التبصرة» على غرار مؤلفات «النحو العربي»، بالإضافة إلى الوزير الأيوبى القبطى «الأسعد بن مماتي» المتوفى سنة 606ه، الذي تعلم على أيدى علماء الأزهر، فدرس علوم النحو والصرف، والأدب، واللغة، والفقه، والشريعة، وألف كتابا مهما بعنوان «تلقين اليقين في الكلام». وحضر أيضا «الوجيه القليوبي» القبطي، صاحب كتاب «الكفاية في نحو اللغة القبطية» دروسا في الأزهر، فيما شهدت دروس الإمام محمد عبده بالأزهر، حضور الشباب القبطى التي كانت تقبل على دروسه، معجبين بآرائه، وأشاد بهم الإمام. وذكر «محمود المقداد» في كتابه «تاريخ الدراسات العربية في فرنسا»، أن العالم المصرى «ميخائيل الصباغ»-1774-1816 درس على يد الشيخ يوسف الخراشى الأزهري، فيما يحكى الدكتور «حسين فوزى النجار»، أن ناظر مدرسة «عبدالمسيح بك» للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بالزقازيق كان ممن درسوا في الأزهر، وكانت ثقافته أيضا أزهرية. ولا أحد يستطيع أن ينسى الأزهرى القبطى إسكندر نظير، الذي التحق بالأزهر، وتخرج فيه، ونشأ في رعاية أحد أكابر مدينة طهطا، الذي شجعه على الاطلاع الأدبى حتى تكونت ملكته الشعرية، التي ظهرت في رثائه الإمام محمد عبده، حيث قال «يا يوم قضى وجاور رمسه.. ما زلت يومًا بالأسى مذكورا.. كم عبرة أجريتها وحشاشة.. شذبتها أسفًا وهجت زفيرا.. ودت نفوس أن تكون فداءه.. مختارة لو تملك التخييرا». الصحفى القبطى «جندى إبراهيم شحاتة» 1864- 1928م صاحب جريدة «الوطن»، تلقى أيضا دروسه في أحد الكتاتيب الإسلامية في مدينة جرجا،، كما درس في الأزهر الشريف، تحت اسم إبراهيم جندي، فتلقى علوم العربية والشريعة، فيما حفظ الأزهرى القبطى «تادرس بن وهبة الطهطاوي» 1860-1934م، القرآن الكريم، ودرس علوم الحديث والفقه واللغة بعد أن التحق بالأزهر، ويعتبر كتاب «الخلاصة الذهبية في اللغة العربية» أشهر مؤلفاته. ودرس أيضًا السياسي القبطى «مكرم عبيد» عامين في الأزهر في مقتبل حياته، وحفظ القرآن، وتلقى علوم الشريعة الإسلامية، وساعده ذلك حتى أن يكسب معظم قضاياه أمام القضاء. وهناك أيضًا القبطى الأزهرى «فرنسيس العتر» المولود عام 1872م بدرب الجنينة بحى الأزبكية المصري، بمنزل والده القمص بطرس العتر، وبدأ تلقى مبادئ القراءة والكتابة في أحد الكتاتيب الإسلامية، ثم درس اللاهوت والفلسفة، وأجاد اللغة القبطية، إلى جانب اللاتينية، والفرنسية، ثم تردد على حلقات الشيخ محمد عبده، التي كان يعقدها مساء كل يوم بالجامع الأزهر، منذ عام 1902م حتى وفاة الإمام محمد عبده في عام 1905م، كما أن القمص «مرقص سرجيوس»- خطيب ثورة 1919م، والذي قادها من فوق منبر الجامع الأزهر، بخطبه الحماسية ضد الاحتلال البريطاني، وكانت ثقافته الإسلامية تساوى ثقافته المسيحية، وكان كثير الاستشهاد بالقرآن الكريم. وروى القمص «بولس باسيلي» في كتابه «الوحدة الوطنية في مصر» عن صداقته المتينة بالشيخ أحمد حسن الباقورى في جمعية الإخاء الديني، وتتلمذه على يديه إسلاميًا وفكريًا. وقد دافع الباحث «نظمى لوقا» عن الإسلام في كثير من كتاباته وأهمها «محمد الرسالة والرسول»، وكتابه «محمد في حياته الخاصة»، وكتب يدافع فيهما عن الإسلام، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.