يرى أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج مسين بواشنطن محمد الشرقاوي أن إخفاق ترامب في تحقيق وعوده الانتخابية جعله يستعرض قواه في سورياوأفغانستان، كما يعتقد أن ترامب لن ينقل السفارة الأمريكية للقدس قريبا كما وعد. واليوم ينهي الرئيس الأمريكي، أول 100 يوم له في البيت الأبيض، منذ 20 يناير الماضي، وهي فترة عصفت فيها تغييرات بالولاياتالمتحدةالأمريكية، التي شهدت صعود رئيس جمهوري شعبوي بعد ثماني سنوات من عهد سلفه الديمقراطي، باراك أوباما. DW عربية حاورت أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج مسين بواشنطن محمد الشرقاوي، ومؤلف كتاب What Is Enlightenment? "ما هو التنوير"، حيث قيم سياسة ترامب في الشرق الأوسط خلال مائة يوم أمضاها في الحكم. خلال المائة يوم الأولى لترامب، ضربت الولاياتالمتحدة مطار الشعيرات السوري دون تفويض من الكونجرس ولا من الأممالمتحدة، بالإضافة إلى ضرب أفغانستان بأم القنابل، وتهديدات لبيونج يانج، هل نشهد تغيرًا حقيقيًا في مفهوم الحرب والدور الأمريكي في النزاعات، لدى الإدارة الأمريكية مقارنة بأوباما؟ محمد الشرقاوي: قد يبدو استخدام صواريخ توماهوك في سوريا وأم القنابل في أفغانستان بمثابة تحوّل بنسبة مائة وثمانين درجة في السياسة الخارجية لترامب، لكن ينبغي أن نعتدّ بالسياق الداخلي وتوقيت هذين الإجرائين العسكريين من حيث دلالتُهما السياسية والإعلامية وأيضا الإستراتيجية في وجه معارضيه من الديمقراطيين وحتى بعض الجمهوريين وسط تعثر أغلب قراراته الرئاسية وهو يكمل الأيام المائة الأولى في البيت الأبيض دون تسجيل أي مكاسب تشريعية أو سياسية مهمة، عاد ترامب إلى أدوات الواقعية السياسية Realpolitick باستخدام ضربات محدودة في سورياوأفغانستان كاستعراض للقوة وعسكرة أمريكا الإنعزالية، ليعزز بذلك صورة الرئيس الحاسم وفلسفته الباراجماتية التي يلوّح بها وسط اتهامات سلفه أوباما بالفشل. باختصار، كرّس ترامب حتى الآن مرافقة مثيرة بالجمع بين منطلق الانعزالية ومنطلق التدخل الانتقائي وسط التأرجح بين المسارين العسكري والدبلوماسي، وهي تركيبة فريدة من نوعها في تاريخ الرئاسة الأمريكية. هل تعتقد أن طريقة إدارة ترامب في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط ومنها سوريا، سيجعل بوتين يتراجع عن سياسته المندفعة بالمنطقة؟ وماذا تعني عبارة"خطوط حمراء" بالنسبة لترامب في الأزمة السورية مثلا، وماذا يعني ذلك بالنسبة للدور الروسي بالمنطقة؟ لست ممن يعتقدون أن هناك حربا باردة تجدّدت حاليا بين البيت الأبيض والكرملين رغم المناورات الإعلامية التي تابعناها خلال زيارة تيلرسون لموسكو في التاسع من أبريل، هناك وفاق ضمنى بين ترامب وبوتين يقوم على توازن القوة وأيضا تقاسم المتاعب والمكاسب في الشرق الأوسط، وواقع الحال يجسّد خطين أو محوريّن تعززا إلى حد كبير بعد دخول ترامب البيت الأبيض: الأول محور موسكو-دمشق-طهران كحلف يحافظ على المصالح الإستراتيجية لشرق أوسط شيعي ضمن معركة التوسّع في سورياوالعراق ولبنان واليمن، والثاني محور واشنطن-الرياض-بغداد كحلف يحاول أن يعيد ترميم جدران شرق أوسط سني في العراقوسوريا واليمن وليبيا، ورّغم استخدام القوّة الصّاروخية في مطار الشعيرات، إلاّ أن ترامب لا يفكر في تنحية بشار الأسد في دمشق أو يبدى أي امتعاض من الوجود العسكري الروسي في طرطوس بسوريا، كان ترامب ينتقد أوباما بعدم اتخاذ أي عمل انتقامي من الأسد عندما استخدم الأسلحة الكيميائية كخط أحمر عام 2013، وهو الآن يرسم خطا أحمر جديدا لحكومة الأسد بعدم استخدام مادة السارين مرة أخرى. ما هو موقف الإدارة الأمريكية من السلوك الإيراني في المنطقة، فالمتتبع للعلاقات الأمريكية – الإيرانية يرى أن هناك مراجعة كاملة لتلك العلاقات التي توطدت في عهد أوباما، وما هي انعكاسات ذلك على العلاقة بالسعودية وحرب اليمن؟ موقف ترامب من إيران بمثابة عملة ذات وجهين: الأول يدور حول انتقاد ترامب المتواصل للاتفاق النووي الذي توصل إليه أوباما وخمس دول أوروبية مع طهران في يونيو 2015، وهو يحاول الاستثمار في خطاب "محور الشرّ" للنيل من إيران. فهوّل يقول "إيران لا ترقى إلى روح الاتفاق النووي رغم الامتثال له" الوجه الثاني والذي يتمثل عبر أن الورقة الإيرانية تظل مفيدة في إدارة العلاقات الأمريكية الخليجية. اٌشتكى ترامب من عدم تعامل السعودية "بعدالة" مع الولاياتالمتحدة، وقال إنّ بلاده تخسر أموالا للدفاع عن المملكة؟ ماذا يعني ذلك هل هو"عتاب اصدقاء" أم تغيير في العلاقة مع السعودية؟ أثار ترامب أكثر من مرّة تكلفة الدعم العسكري الأمريكي، وقال إنه "كلّما واجهت السّعودية بعض المشكلات، فإننا نرسل السفن إليها. ومن دوننا لن يكون هناك وجود للسّعودية." من هذا المنطلق، يريد ترامب أن يضع العلاقات الأمريكية الخليجية في نسق المقابل المالي، وأنّه لا يقبل وجود "ركّاب بالمجّانFree riders " في ظلّ وجود قواعد وغواصات أمريكية في منطقة الخليج. ولا يتعشّم في القول إنّه "يجب على حلفائنا المساهمة في تسديد التكاليف المالية والسياسية والبشرية. عليهم أن يفعلوا ذلك وأن يتحمّلوا بعضا من عبء تكاليفنا الأمنية الهائلة"، وعلى هذه المنوال، تتدرّج هذه العلاقات من بعديها التاريخي والدبلوماسي الإيجابي نحو مرحلة العائد المادي في العلاقات الأمريكية العربية وخاصة الخليجية. علق الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ديسمبر عام 2016 نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وذلك لفترة 6 أشهر إضافية، أي لغاية شهر مايو المقبل، علما أن هذه الخطوة متبعة أمريكا في منذ عام 1995، هل تعتقد أن ترامب سيمدد هذا القرار أم أنه سينفذ وعوده في نقل السفارة، وما هو انعكاس ذلك على مستقبل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والعلاقات الأمريكية مع الدول العربية؟ رغم النبرة الخطابية التأكيدية التي اعتمدها المرشح ترامب باعتباره من خارج المؤسسة السياسية، وأمعانه في وعوده بالتمرد على سياسات الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد كان يغازل بذلك الجماعات اليمنيية والجماعات التبشيرية الانجليكانية التي تحمست لفكرة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس التي تعززت عندما رشح ترامب المحامي المختص في شئون العقارات فريدمان لمنصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل. وخلال زيارة بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض، تراجع الحديث عن نقل السفارة وتبين لترامب مدى الفرق بين المناورات الانتخابية ومسئول تدبير ملفات الشرق الأوسط، وأصبح منفتحا على حلّ الدّولة الواحدة أو حلّ الدّولتين، باختصار، لن يتجه ترامب جديا نحو نقل السفارة إلى القدس. البعض يرى أن وجود ترامب في السلطة قد ساعد نتينياهو على التصرف بعنجهية أكبر والتعالي على الدعوات إلى التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، مثل إلغاء مقابلته مع وزير الخارجية الألمانية بسبب لقاء الأخير مع منظمات حقوقية إسرائيلية، واحجامه عن استئناف محادثات السلام، ورفضه للمطالبات الأوروبية بوقف بناء المستوطنات، ما تعليقك على ذلك؟ أكبر هدية قدمتها انتخابات الرئاسة الأمريكية إلى نتنياهو هي فوز ترامب لسببين أولهما الالتزام التاريخي للتيار المحافظ واليميني بضمان أمن إسرائيل وتفوقها في المنطقة. وبالفعل أكد ترامب أن المساعدة الأمنية لإسرائيل هي في أعلى مستوى في الوقت الراهن، وجدد تعهده بالتضامن مع إسرائيل لإعادة تأكيد الرابطة غير القابلة للكسر بين بلاده وبين إسرائيل وتعزيز الأمن والازدهار للجميع. ثانيهما، الثقافة السياسية المحدودة لترامب وعدم معرفته بتعقيدات الشرق الأوسط فضلا عن ميوله نحو الانعزالية وإبعاد أمريكا عن نزاعات بقية العالم تحت شعار "أمريكا" "وأنا أمثل الولاياتالمتحدة ولا أمثل العالم".. سيتحول الدور الأمريكي من راعي عملية السلام إلى دور الوسيط في إبرام صفقة سياسية على غرار أسلوب ترامب في إبرام الصفقات المالية. هل يمكن القول إنّ قضايا حقوق الإنسان لن نسمع عنها في جدول أعمال زيارات الرئيس ترامب ومحادثاته مع زعماء الشرق الأوسط (السعودية، مصر)... يظل ترامب في نظر الكثيرين راديكاليا متأدلجا يرغب في إحداث ثورة في السياسة الخارجية الأمريكية. وهو بهذا المنحى يقوّض سياسة القيم(Moral Politics) وعلم الأخلاقيات Deontology اللذان يمثلان المحكّ الرئيسي في تصحيح النظام السياسي الأمريكي ذاته بذاته منذ قيام الولاياتالمتحدة عام 1776. ولا عجب أن يستند موقف ترامب من الدول العربية الثرية إلى محاولة فرض نسق براجماتي في مجالين، أولهما عملية المقايضة النقدية والاستثمارات الخليجية في الولاياتالمتحدة والاستثمارات الأمريكية (وحتى الشخصية له) في دبي وغيرها من إمارات الخليج. وثانيهما التراجع عن المطالبة باحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية المتصلة الذي تخصّص له وزارة الخارجية الأمريكية تقارير سنوية عن سجلات تلك الدول وغيرها في انتهاكات حقوق الإنسان والحريات الدينية والاتجار بالبشر، وتشكل مرجعا أساسيا لدى أعضاء الكونجرس أثناء سجالاتهم بشأن التعاون وإبرام صفقات الأسلحة مع الحكومات العربية. هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل..