سعر الذهب مساء الجمعة 5 ديسمبر 2025    ترامب: الديمقراطيون سيدمرون المحكمة الأمريكية العليا في حال وصلوا إلى السلطة    علي ناصر محمد: التجربة اليمنية الديمقراطية الشعبية واجهت تحديات بسبب نقل التجارب الخارجية    وزارة الداخلية تشارك المواطنين الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    الرئيس الأمريكي يصل إلى مقر حفل سحب قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026    ترامب قبل انطلاق قرعة كأس العالم 2026: فيفا قدم عملا استثنائيا وجاهزون للبطولة    الإسماعيلي يفوز على الإنتاج الحربي بهدف وديا استعدادا للجونة    حالة الطقس غدا، انخفاض ملحوظ بدرجات الحرارة ورياح تزيد من البرودة    تفاصيل تخلص عروس من حياتها بتناول قرص حفظ الغلال بالمنيا بعد أشهر قليلة من زوجها    البريد المصرى يتيح إصدار شهادة «المشغولات الذهبية» من مصلحة الدمغة والموازين    المستندات المطلوبة لإحلال التوكتوك بالسيارة البديلة «كيوت» ب6 أكتوبر    بعد حكم قضائي.. فيلم الملحد يُعرض رسميا في 31 ديسمبر    ما سبب غياب دنيا سمير غانم عن مهرجان البحر الأحمر؟ شقيقتها إيمي تجيب    تيلدا سوينتون: استقبال الجمهور لفيلم الست يعبر عن قوة السينما    صور من كواليس حلقة اليوم من دولة التلاوة.. تعرف على موعد عرض البرنامج    تجديد شهادة الادخار لمدة سنة و3 سنوات.. إزاى تختار    إعلامي سعودي ينصح صلاح بالرحيل عن ليفربول    تايمز: مصر تسعى لاستعادة حجر رشيد لخروجه من البلاد بشكل غير قانونى    أهل مصر تنفرد.. أول صور من زفاف بوسي تريند البشعة بالإسماعيلية (خاص)    الأمم المتحدة تدعو لتحقيق شامل ومحاسبة المسئولين عن جرائم الأسد والهجمات الإسرائيلية في سوريا    تأجيل محاكمة طفل المنشار وحبس المتهم بالاعتداء على طالب الشيخ زايد.. الأحكام × أسبوع    علام: بعض الجماعات تسيء استغلال المرحلة السرية بالسيرة النبوية لتبرير أعمالها السياسية    الصحة: فحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم» بالمدارس الابتدائية    بيان ناري من الداخلية في غزة بشأن مقتل أبو الشباب    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    فرنسا ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بواشنطن    الزمالك يترقب قرار اتحاد الكرة بشأن قضية زيزو.. واللاعب يجهز للتصعيد    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    جامعة المنصورة الأهلية تشارك بمؤتمر شباب الباحثين لدول البريكس بروسيا    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    وزير الكهرباء: تعظيم مشاركة القطاع الخاص بمجالات الإنتاج والتوزيع واستخدام التكنولوجيا لدعم استقرار الشبكة    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    الليلة، سحب قرعة كأس العالم 2026 بمشاركة 48 منتخبا لأول مرة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصام محمود يكتب: ميلاد المتعة من رحم الألم في «يوم أن قتلوا الغناء»
نشر في فيتو يوم 20 - 04 - 2017

لم يكن تعريف أرسطو في كتابه فن الشعر للتراجيديا إلا تحديدا لرؤية فنية مكتملة في عناصر الإبداع؛ فهو يعرفها بقوله "التراجيديا هي محاكاة فعل جليل، كامل له عظم ما، في كلام ممتع تتوزع أجزاء القطعة عناصر التحسين فيه، محاكاة تمثل الفاعلين ولا تعتمد على القصص، وتتضمن الرحمة والخوف لتحدث تطهيرا لمثل هذه الانفعالات" فعناصر التراجيديا هنا هي المحاكاة التامة للفعل الجليل الكامل بكلام ممتع موزع بطريقة التمثيل لا الحكي محدثة الخوف لتطهير النفس.
إن الناظر لهذا التعريف يلمس الدور الرئيس الذي تنهض به التراجيديا في تربية النفس البشرية وتطهيرها، وتثقيف المجتمع، وهو دور ليس بالسهل أو الميسور في ظل الأزمة التي يمر بها المسرح في الوقت الحالي، وصعوبة الجو الراهن، ولعل أهمها اختيار نص جيد وإعداده، واختيار العناصر التي يمكنها تنفيذ هذا العمل وتدريبها والإنفاق على هذا العمل حتى خروجه بصورة كاملة.
معادلة صعبة تحتاج لأكثر من مجرد مخرج مسرحي بل ربما عالم في الرياضيات والحقيقة لقد تكاملت المعادلة في عدة متغيرات في مسرح الطليعة على يد المخرج العبقري تامر كرم الذي اختار نصا عبقريا للكاتب محمود جمال مزج فيه بين الفكر الأسطوري والتراجيديا في ثوب جديد مختلف؛ البحث عن حقيقة الوجود هذه هي فكرة العمل تلقى رجل حكمة من قاطع طريق، مجرد حكمة نقلها قاطع طريق من حكيم تقول: (الدفء يأتي من شدة البرد، والبرد موجود في قلب النار).
كانت هذه الحكمة سببا في دمار العالم وأصبح الرجل حاكمًا ومنع الشعب من الغناء وعاقب مخالفي القانون بالموت وكانت البداية بقتل امرأة صغيرة كانت تغني مع طفلها وتبنى الملك ابن المرأة وصار الابن (إريوس) يد الملك التي تنفذ الأحكام، نبتت فكرة المقاومة وكبرت ببناء سفينة في الصحراء تحمل المعارضين الرافضين للقرار الظالم، يدفع المعارضون الثمن غاليا من دماء آلاف الضحايا وتكبر الفكرة حتى تأتي لحظة الطوفان وتبحر السفينة.
تقف المسرحية على تخوم أزمة الإنسان وقضايا الخلاص البشري، الحرية، الشجاعة، البناء الواهي على غير أسس حقيقة تتسبب في دمار الشعب، وعندما تنكشف الكذبة يتم تفسيرها بشكل يتوافق مع المصلحة الفردية لا الحقيقة الجلية من ثم تكون فكرة المسرحية فلسفية أكثرمن كونها قضية سياسية تظهر بجلاء في تلك الحكمة التي جاءت على لسان طرف الخير مدى بقوله: (قد يغرق الإنسان نفسه من غير أن يكون هناك بحر).
ومن ثم تتشكل الفكرة بعمق وتنوع فيستدعي مشهد الصراع العقلي في داخل إريوس بين الخير والشر، العدل والظلم صورا متنوعة لأزمة الصراع النفسي المتعارض داخل العقل البشري (دكتور جيكل ومستر هايد لستفنسون) هو النموذج المثال في تلك اللوحة العقلية لحالة الانفصام العقلي والصراع النفسي، وتعد البيئة عنصرًا رئيسًا في تشكيل النفس البشرية وتفاعلاتها مع العقل، وتتصارع مع النفس محاولة قتل براءتها ولا تنجح إلا بقدر هزيمة النفس من داخلها، بيد أن النفوس النقية الطاهرة لابد يوما أن تتعود لبراءتها، وفي داخل كل منا تلك المتلازمة العقلية، هذه الرؤية تم عرضها بصورة صراع عقلي/ داخلي الأبيض والأسود يتقاتلان في داخل عقل إريوس حتى ينتصر الخير ويحطم إريوس الإله المزعوم.
يواصل تامر كرم كعادته تغيير المفاهيم التقليدية للمفهوم التراجيدي من خلال تغيير عدة قواعد استقر عليها الفكر التراجيدي الكلاسيكي فأدخل فصلا كوميديا هزليا فاصلا لتخفيف حدة التوتر في الحدث، وكانت كمية الدماء الغزيرة التي ترقرقت وملأت جنبات المسرح محفزة على إحداث التأثير الأساسي المطلوب من التراجيديا وهي التطهير الناتج عن الخوف والشفقة التي تحققت بفعل القتلى من الأحرار الثائرين ومع هذا فإن الكلاسيكية ترفض إسالة الدماء على المسرح مباشرة فتجاوزها العرض تجاوزا واضحًا لينقل لنا الوقائع الدموية نقلا مباشرا لأعين الجمهور.
مثل عدد الممثلين سلاحا ذا حدين في العمل إذ أن إصرار المخرج على تنفيذ الفكرة بكل دقة جعله يعتمد على عدد ضخم من الممثلين وقدره 59 ممثلا يجعل السيطرة عليهم وتنظيم أدائهم على المسرح من الأمور العسيرة التي يلزمها درجة عالية من التركيز والتنظيم، خاصة مع حمل عدد كبير منهم للسيوف في أغلب فترات العرض مما يستلزم معه تدريبهم حتى يتمتعوا بالمهارة العالية التي تمكنهم من تنفيذ الحركات الإيقاعية والدراما الحركية ببراعة وأمان،وضبط النفس أثناء الأداء الحركي، وقد بذل عمرو باتريك جهدًا واضحا يلمحه المتابع للحركات الدرامية الصعبة التي أداها الجميع خاصة طارق صبري ووضح جهد المخرج المنفذ محمود يحيى.
حمل العرض تنوعا كبيرا في المستوى النجمي من حيث القيمة الفنية والأعمار السنية والنجومية د. علاء قوقة وياسر صادق وكلاهما نجم مسرحي لا خلاف عليه يثقلان العمل الفني، يمثلان في العمل حدي السيف القوة والحنان، طارق صبري في مشاركته المسرحية الأولى التي تنبئ عن موهبة مسرحية متدفقة متعطشة للمسرح متماوجة بين الشدة والحيرة والانقلاب والوصول.
هند عبد الحليم ومحمد ناصر من النجوم التي كشف عنها تامر كرم في عرضه السابق هنا أنتيجون واعتمد عليهما بصورة كبيرة مرة أخرى هنا، وهما يجمعان عدة صفات الصوت الجميل والموهبة التمثيلية التي كانت تنتظر الفرصة خاصة ناصر يتحرك بانسيابية على المسرح دون تكلف أو افتعال، وكذلك النجمة الواعدة ميرنا الأمين أو دوسيلا والثلاثي عمر شريف، محمد مصطفى، محمد شعبان الذين قدموا نموذجا للشهداء أصحاب المواقف الثابتة، في مواجهة القائد أبيدار الفنان أحمد الجوهري والكاهن الرائع حمادة شوشة.
كذلك كشف العرض عن مواهب كبيرة وظفها ببراعة في شكل كوميدي للتخفيف من حدة الدراما وفاصلا بين المقدمة والعقدة لتبرز لنا نجوما في مجال الكوميديا مثل أحمد مصطفى وأحمد حمدي وباسم الجندي.
تناغم الأداء الصوتي للفنان الكبير نبيل الحلفاوي مع الموسيقى الهادئة المتناغمة التي حرص المخرج كعادته أن تأتي مباشرة من خلال فريق موسيقي وليست موسيقى مسجلة لتضفي جوا من التفاعل النفسي مع حرص المخرج على ظهور الفرقة وهي تعزف أمام الجمهور بطريقة جلية / خفية، وكلمات الأغاني التي جاءت رغم بساطتها معبرة ونزلت على الأسماع بمثابة الأيقونات التي تحفظ وتؤدى بيسر في محافل عدة منها:
في الصبح الشمس تشرق ومعها دفء ونور
ويعد الديكور الأكاديمي للدكتور محمد سعد مدرسة خاصة في العرض الذي جاء فيه متنوعا بسيطا في الصحراء حيث مكان بناء سفينة العامة، بينما جاء بارزا واضحا في المعبد والساحة متناغما مع العنف والدماء الكثيرة التي سالت على المسرح، وكان تقسيم المسرح مستويين من اللمحات الفنية العالية للعرض بدلا من الاعتماد على الإضاءة في التغيير والتنقل بين المشاهد، فقدم العرض نموذجًا في تقسيم المسرح بين فريقين؛ فريق في المقدمة هو فريق الثوار الذين يبنون السفينة ويغنون وفريق الظلم والقتل ممثلا في الحاكم ورجال المعبد في الخلفية، ويتم التنقل بين المشهدين باستخدام الإضاءة في تناغم هادئ، وكانت الإضاءة تكنيكا موظفًا في العديد من الصور منها التركيز على شخصية أو مشهد والإضاءة الشديدة للتعبير عن الفرحة.
جاءت النهاية طموحًا وأملا أكثر من كونها نهاية طبيعية للمسرحية فقد مات الثوار وزعيمهم مدى على يد سيلبا شقيقه وجيشه، ومع ذلك ظهروا جميعا مع تحقق النبوءة ومجيء الطوفان ليركب الجميع سفينة النجاة، ويقر الملك سيلبا بهزيمته أمام جموع الشعب الثائرة قاتلا نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.