يحفل التاريخ الإسلامى بألقاب عدة أُطُلقت على القادة والحكام؛ معظمها يمثل مرادفاً لظل الله على الأرض، وقد أطلقت عليهم فى معظم الأحيان من باب التملق أو أطلقوها هم على أنفسهم، بغرض أن يستقر فى قلوب العوام، وهم سواد الشعب.. إن مجرد التفكير فى الخروج على الحاكم هو كبيرة من الكبائر وذنب لا يغتفر، وإن طاعته واجب دينى، حتى إن لقب (خليفة) فى حد ذاته يعنى فى اللغة (الممثل) أو (الخلف)، ويقصد به خليفة رسول الله، رغم أن معظم من حملوه لا يصلحون ممثلين للإسلام أو خلفاً لرسوله!، ومن هذه الأسماء هارون بن محمد المهدى، الذى لقب ب (هارون الرشيد) رغم أنه لم يكن رشيداً فى كل أفعاله، بل كان شديد التضييق على معارضيه، ويكفينا فى هذا الصدد نكبة البرامكة الشهيرة، وكذا ابنه عبد الله بن هارون الذى لقب ب (المأمون). وكان فى حقيقته شديد الغدر والبطش، حتى إن غدره طاَل ولى عهده وحفيد رسول الله الإمام على بن موسى الرضا، وأبو على المنصور ، الذى لقب بعد مولده ب (الظاهر لإعزاز دين الله)، ثم لقَّب هو نفسه ب (الحاكم بأمر الله)!، رغم أن أفعاله لم تكن ترضى الله أو ترضى أحداً، وأبو جعفرالمنصور الذى لقب ب (المستنصر بالله) ، وأبو المظفر بن أيوب الذى لقب ب (الملك الناصر صلاح الدنيا والدين الأيوبى)، وشقيقه أبو بكر بن أيوب الذى لقب ب (الملك العادل سيف الدين)، وابنه محمد بن أبى بكر بن أيوب، الذى لقب ب (ناصر الدين أبو المعالى)، وغيرهم كُثر ممن حملوا ألقاباً لم يتصفوا بها. وقد استمرت أكذوبة الألقاب تلك حتى عصرنا الحالى، فلقب المتملقون الرئيس الراحل أنور السادات ب (رجل الحرب والسلام)، والرئيس المخلوع حسنى مبارك ب (بطل الضربة الجوية)، وملك السعودية الملك عبدالله ب (ملك الملوك)، رغم أن الله وحده هو ملك الملوك!، وحاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة ب (قائد النصر والتحدى)، ورئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد ب (الصقر العربى)، وأميرالكويت الشيخ صباح ب (حكيم العرب ورجل السلام الأول) !!!. ولم يطابق جُلهم حقيقة ألقابهم سوى قلة قليلة، لعل أصدقهم معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، الذى خلع نفسه عن ملكه بعد أربعين يوماً فى مشهد درامى ، حيث صعد المنبر وقال: «إنّ هذه الخلافة حبل الله وإنّ جدّى معاوية نازع الأمر أهله، و مَن هو أحقّ به منه يقصد الإمام على بن أبى طالب، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار فى قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبى الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ( يقصد الحسين )، فقصف عمره، وانبتر عقبه، و صار فى قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ بكى وقال: مِنْ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم، و أباح الخمر وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم، والله لئن كانت الدُّنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً، ولئن كانت شرّاً فكفى ذرّية أبى سفيان ما أصابوا منها.. وإنى أخلع عنى أمركم هذا كخلعى لردائى»، ثم خلع رداءه ونزل من على المنبر وقُتل بعدها بأيام عن عمر يناهز واحد وعشرين عاماً. وقد لقبه التاريخ صدقاً وليس تملقاً ب (معاوية الصالح)، وتجنى عليه بعض المؤرخين فأسموه (معاوية الحمار)، وهو بخلاف معاوية الملقب بالحمار، آخر خلفاء بنى أمية.. وكم جميلاً أن يكون الحاكم كهكذا حمارًا.