"فيتو" تحاور الصعيدية الحاصلة على رخصة تدريب في... من طرف vetogate2014 في نهاية عقد الثمانينيات، كانت هناك طفلة سمراء صغيرة، تعيش في منطقة حلوان بجنوب القاهرة، لم يتخط عمرها ال 6 سنوات، يراها الجميع "غريبة"، فقد كانت لا تحب العرائس كشقيقاتها وصديقاتها، ممن هن في مثل عمرها، بل كانت ميولها شديدة الاختلاف، فقد وجدت هذه الفتاة سعادتها في موهبتها، التي اكتشفتها بالصدفة، وكانت سببًا في تغيير مجرى حياتها كليًا. «من أول مرة لعبت فيها كرة قدم في الشارع مع الأولاد، عرفت إني موهوبة، ومن وقتها عشقت الكرة».. هكذا تقول فايزة حيدر، وأشارت إلى أن موهبتها هذه لم تكن نابعة من متابعة مباريات كرة القدم، بل كانت فطرية وهبها الله إياها وميزها بها. وأضافت: «أول ما نزلت مع الأولاد في الشارع، لقيتني بعرف ألعب كرة، والولاد كانوا بيتخانقوا مع بعض، عشان أكون في فريقهم»، ومنذ أن كشف الشارع موهبتها أصبحت كرة القدم هي كل حياتها، وتابعت: «ماما كانت بتجيب لإخواتي عرائس، وأنا بقولها أنا عايزة كورة.. وكانت فسحتي هي اللعب في الشارع». رفض العائلة لم تتقبل عائلتها التي تمتد جذورها إلى صعيد مصر هذه الموهبة "الشاذة" في اعتقادهم، فوالدتها الأرملة، التي تعول 7 بنات وولد، كانت ترى في ممارسة ابنتها للرياضة بصفة عامة، وكرة القدم بصفة خاصة "كارثة"، ولكن موهبة فايزة فرضت نفسها على الجميع، ومكنتها من الالتحاق في عمر الحادية عشرة بمدرسة كرة القدم مع "الأولاد"، في أحد مراكز الشباب بحلوان. وفي عمر ال 13 عاما، واتتها فرصة للالتحاق بفريق كرة القدم النسائية بنادي حلوان العام، ولكن نظرة المجتمع مثلت عائقًا في طريق تحقيق هدفها من جديد، وقالت: «والدتي قالتلي كرة القدم لا تليق بينا، وعيب للبنت، وأهم حاجة دراستك»، ولكن تمكنت بموهبتها من إحراز انتصار جديد، ونجحت في الانضمام إلى الفريق، ومن ثم منتخب مصر للكرة النسائية في عمر 15 عاما؛ إثر تدخل عدد من المؤمنين بموهبتها، وأضافت: «شاركت في تصفيات أمم أفريقيا 1998، لكن ما سافرتش مع المنتخب؛ لأني كنت صغيرة». تهديد الأم فاق عشقها لكرة القدم كل شيء، حتى الدراسة؛ للدرجة التي دفعت والدتها لتهديدها، بمنعها من الالتحاق بنادي الطيران، الذي قدم عرضًا لشرائها إن لم تلتحق بإحدى الجامعات، فرضخت فايزة للضغط، والتحقت بمعهد إدارة الأعمال، ولكنها لم تكمل دراستها أيضًا؛ بسبب كرة القدم. ونظرًا لرغبتها في الالتحاق بالمناصب الإدارية باتحاد الكرة، فقد عاودت الدراسة الآن في كلية التربية الرياضية بالتعليم المفتوح؛ لتحصل على درجة البكالوريوس، وعلى مدى سنوات حققت فايزة انتصارات كلاعبة، حيث أصبحت هداف فريق الطيران، وحصلت معه على بطولات عدة، كما أنها قادت منتخب مصر في بطولة أمم أفريقيا عام 2016. ولا تزال هي اللاعبة الأولى في مجال كرة القدم النسائية المصرية، حتى يومنا هذا، وقائدة المنتخب الوطني، وأفضل لاعبات وسط الملعب في مصر، وتألقها هذا كان سببًا في تلقيها عرضا للعب بفريق برشلونة، وأتليتكو مدريد، بالرغم من تخطيها الثلاثين. تدريب الرجال ونظرًا لأن طموحها لا حد له، فلم تكتف فايزة بممارسة كرة القدم كلاعبة، ولكنها خاضت أيضًا مجال التدريب، وكان شقيقها السبب في البداية، وقالت: «نظمت لأخويا فترة إعداد في مركز شباب نهضة شرق حلوان، قبل اختبارات تؤهله للانضمام لفريق بتروجت». ونظرًا لمجهودها الواضح في تدريب شقيقها، عرض مدير المركز أن تكون فايزة مسئولة بشكل كامل عن كرة القدم بالمركز، من البراعم، وحتى الفريق الأول، وقبلت العرض لرغبتها في مساعدة مدينتها، وحققت إنجازات عدة بفرق كرة القدم بالمركز، ولا تزال حتى الآن، كما أنها أصبحت مدربة ناشئات الطيران، ومنتخب الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، وحققت معهم نجاحات عدة. كما أنها حصلت على عدة دورات تدريبية عالمية في مجال التدريب، وأصبحت أيضًا أول مدربة معلمة معتمدة، أصبحت من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم «دورة الاتحاد الإنجليزي علمتني أكون محاضر، وأنقل خبرتي لبلدي». تعليقات سخيفة وتتعامل فايزة مع لاعبي فريقها كأي مدرب من الرجال، وتحرص على التواصل الإنساني معهم، إلى جانب مهامها كمدرب، وقالت: «أنا بدرب فريق الرجال، وبعض اللاعبين كانوا أكبر مني، ومع ذلك بعنفهم، وبيسمعوا الكلام، وبينفذوا تعليماتي». ونظرًا لأنه غير معتاد في مجتمعنا المصري أن يجد الجمهور امرأة على خط الملعب، تقود فريقا من الرجال، فإن فايزة تعرضت لمضايقات عدة، وتسللت إلى أذنها الكثير من السباب وعبارات السخرية، ولكنها كانت تتعامل مع كل هذا بحكمة؛ لأن جل تركيزها كان ينصب على الفوز. وقالت: «أكثر من مدرب كان يعتذر ليا، بعد انتهاء مباراة ما بيننا، وبيقولي إنه كان مش شايف مدرب على الخط، بس أنا بعتذر، ولكي كل الاحترام»، أما لاعبيها فلم يسلموا أيضًا من المضايقات. وأضافت: «بعض لاعبي فريقي كان يقال لهم: ياللي بنت بتدربكم. على سبيل "المعايرة"، ولا ترى فايزة صعوبة في تدريب أي فريق عالمي، به عدد من نجوم الكرة في العالم «مش عندي مشكلة أدرب ريال مدريد لكن مفيش في التدريب نجوم»، فاللاعب في نظرها لابد أن ينفذ تعليمات المدرب حتى وإن كان أغلى لاعبى العالم. كرة القدم ليست للرجال فقط ونظرًا لأنها عاشت رحلة كفاح؛ لكي تتمكن من ممارسة رياضتها المفضلة، حاولت فايزة أن تساعد غيرها من الفتيات على تخطي كافة الحواجز، التي سبق وأن واجهتها حتى تحقق ما أنجزته؛ لذا فقد دشنت بالتعاون مع المجلس القومي البريطاني مشروع حققي حلمك، الذي يستهدف تغيير فكر الأسر في العشوائيات، والمناطق الشعبية حول ممارسة الفتيات للرياضة، كما أنه يسعى لنشر هذا الفكر وتطبيقه داخل المدارس. وبدأت فايزة المشروع من مدينتها، الأقرب إلى قلبها "حلوان"، بالإضافة إلى قرى الصعيد، وقالت: «أنا عانيت كتير؛ عشان أحقق حلمي، ومش عايزة أي بنت تعاني تاني»، وأضافت أنه كان لهذا المشروع صدى واسع في تغيير رؤية عدد من الأسر؛ لممارسة الفتيات للرياضة. لا أرفض الزواج وأنتظر الرجل المناسب حياة فايزة بعيدًا عن كرة القدم، تتركز حول أسرتها، وبالتحديد والدتها، التي هي الحياة بالنسبة لها، وقالت: «لازم أبدأ يومي بالفطار مع أمي، وبعدها بطلع من تدريب فريق الرجال بحلوان، لنادي الطيران كلاعبة، وبعدها ممكن أخرج مع أصحابي أو أحضر دورة تدريبية». من يراها قد يشعر أنها غارقة في دوامة التدريب واللعب، وتكاد لا ترتاح أو تحصل على قدر كاف من الراحة، ولكن هذا لا يحرمها من ممارسة حياتها بصورة طبيعية، وتضيف: «بلبس فساتين وبخرج مع أسرتي وأصحابي وبلبس بدل.. بس لكل مقام مقال». أما عن حياتها العاطفية، فبالرغم من أن كرة القدم هي كل حياتها؛ إلا أنها غير رافضة لفكرة الزواج، ولكنها لم تجد بعد، الشخص الذي يمكن أن يشاركها مسيرتها، والذي تتمنى أن يكون ذو مواصفات خاصة، وتقول: «كان في مدربة أمريكية واقفة على الخط في ماتش، وجوزها بيشجعها من المدرجات، ومعاه ابنها، وكان هو أول حد فخور بنتيجة فريقها وبفوزها.. نفسي في راجل كدة». وتؤمن فايزة أن قرار الزواج لابد أن تقدم عليه الفتاة بعد تأن، وبدون أن تتنازل عما حققته من إنجازات فيما تحب، حيث تقول: «كان عندى صعوبات كتير مع أهلي والمجتمع اللي عايشة فيه على مدى 20 سنة، عشان أحقق هدفي ومش هضيع ده كله، عشان حد ممكن أنفصل عنه في يوم لأي سبب». تكريم السيسي لم تستطع فايزة إخفاء حزن دفين ساكن بداخلها، نابع من تجاهل الإعلام المصري لإنجازاتها، حتى اللحظة التي انتشر فيها خبر تكريم السفير البريطاني بمصر لها، بالرغم من أن اعتمادها كأول مدربة معلمة معتمدة من الاتحاد الإنجليزي، كان عام 2014، وكرمها وقتها وزير الخارجية البريطاني. وبعدما كانت تتمنى فقط أن يتم تكريمها من وزير الرياضة، أو أن تحظى بتقدير من اتحاد كرة القدم المصري، فاجأها القدر بتكريم رئاسي، ودعوة خاصة باسمها من الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لحضور احتفالية المرأة المصرية، وقالت: «ما صدقتش نفسي، وكلمت أهلي ما صدقوش، غير لما صورت لهم الدعوة، فقد كلل هذا التكريم 20 عاما من الجهد والكفاح.. كنت فخورة بنفسي، وشايفة التكريم ده أسمى حاجة حصلت لي». تدريب المنتخب الإنجليزي مع كل نجاح تحققه فايزة حيدر، يتسع نطاق طموحها، وتتزايد أحلامها، حتى تكاد أن تكون في نظر البعض مستحيلة، وتضيف: «بحلم يكون في قاعدة كبيرة للكرة النسائية في مصر، وأني أدرب النادي الأهلي ومنتخب مصر للرجال». ولم يتوقف طموحها عند هذا الحد، بل عبرت عن أمنياتها بتدريب منتخب إنجلترا، الذي يشارك في عدد كبير من البطولات، دون أن يحصل عليها، وبالأخص كأس العالم، وقالت: «يمكن يحالفه الحظ معايا». وتمتد الأمنيات أيضًا لتشمل المناصب العالمية، وتقول: «نفسي كمان أكون مسئولة عن كرة القدم في العالم كله»، كما أنها تحلم أن تكون قادرة خلال سنوات قليلة، على إقناع 80 مليون مصري، بأحقية الفتيات في ممارسة الرياضة: «نفسي ألاقي بعد 5 سنين 50 مليون بنت زي فايزة حيدر».