* واجهنا جيشا مدربا يستخدم أحدث أنواع الأسلحة في أبريل عام 1990، صدرت الأوامر لقوات الشرطة، بإحضار شوقى الشيخ زعيم تنظيم الشوقيين الذي خرج من رحم جماعة التكفير والهجرة، حيًا أو ميتًا، وكان وزير الداخلية وقتها اللواء عبدالحليم موسى ينتظر بنفسه اتصالا يفيد بنتائج العملية. تم حينها اختيار كادر أمني ذى مواصفات خاصة جدًا للمهمة، ضابط قوى البنية صلب التكوين خشن اليدين حاد النظرة هادئ الطباع يحمل رتبة عميد في الأمن المركزى (القوات الخاصة) حصل على دورات تدريبية في مدرسة الصاعقة بالجيش. كان هذا الضابط هو العميد خيرى طلعت، قائد قوات الأمن المركزى لشمال الصعيد، ونقطة تمركزه مع جنوده الأشداء وضباطه من نخبة قوات الداخلية هي محافظة المنيا على بعد نحو 140 كيلومترًا من الفيوم حيث مملكة شوقى وملكه. كانت معركة دامية استمرت 12 ساعة تبادل فيها الطرفان إطلاق النار، ولم يكن هناك سبيل للتراجع أو الانهزام.. وكان الهدف تحرير قرية «كحك» في الفيوم من أيدى الشوقيين، والعودة بخبر وفاة أو القبض على «شوقى الشيخ». «فيتو» التقت العميد الدكتور «خيرى طلعت»، قائد قوات الأمن المركزى لشمال الصعيد سابقا، أستاذ التاريخ السياسي المعاصر بجامعة المنيا حاليا ليروى تفاصيل مقتل "شوقى الشيخ" زعيم الشوقيين الذي حول قرية كحك إحدى قرى محافظة الفيوم، جنوبالقاهرة، عام 1990، إلى إمارة إرهابية.. وكان معه هذا الحوار: - لماذا تم اختيارك لتحرير قرية «كحك» من أيدى الشوقيين؟ كنت من بين القيادات والقوات الخاصة التي نفذت تحرير قرية «كوم الصعيد»، تلك القرية التي سيطرت عليها الجماعة الإسلامية وكانت ترغب في تحويلها إلى «إمارة إسلامية»، وتمكنت خلال 4 ساعات من اقتحامها بعد فشل قوات أمن بنى سويف في اقتحامها عدة مرات وبفضل الله تمكنت أنا وقواتى الخاصة من اقتحامها والسيطرة عليها بخطة أمنية عالية خاصة بنا، ورفضنا إعلان الخطة لمدير الأمن ذاته لضمان نجاحها، فكان نجاحى في عملية «كوم الصعايدة» سببا قويًا في اختيارى لتولى مهمة تحرير قرية «كحك» في الفيوم من قبضة "الشوقيين". - حدثنا عن «شوقى الشيخ» وكيف انشق عن الشيخ عمر عبد الرحمن وعلاقته ب«شكرى مصطفى»؟ شوقى خريج كلية الهندسة، كانت له ميول للجماعة الإسلامية تعمق وسط الجماعة حتى صار عنصرًا مهما من بين تلك الجماعة، لديه عائلة محترمة تضم ضباط شرطة وضباط قوات مسلحة وأطباء ومهندسين وكان شوقى سببا في فصلهم من وظائفهم، وفجأة أراد شوقى خلق جماعة منبثقة من داخل الجماعة الإسلامية أطلق عليها «الشوقيون» معلنًا انشقاقه عن سيده «عمر عبدالرحمن» وملتزمًا بفكر التكفير والهجرة، بدأ «شوقى» ينتهج أسلوبا جديدا في إعلان الإمارات الإسلامية على عكس الجماعة الإسلامية، فشوقى كان يهدف إلى تحويل القرى الصغيرة إلى دويلات إسلامية ثم تتجمع تلك الدويلات لتكوين إمارة إسلامية وتتجمع تلك الإمارات لتعلن أن «الدولة الإسلامية»، على عكس الجماعة الإسلامية التي كانت تريد عقب مقتل الرئيس محمد أنور السادات تحويل المحافظات الكبرى إلى دولة إسلامية مثل عاصم عبد الماجد عندما حاول تحويل محافظة أسيوط إلى دولة إسلامية، وفشل وحاول مرة أخرى تحويل المنيا وخاصة قرية دلجا بديرمواس إلى دولة إسلامية وفشل أيضا. لكن أهالي قرية "كحك" لم يبدوا اعتراضا على شوقى بداية الأمر بل كانوا يعتبرونه بطلا شعبيا.. لماذا؟ في البداية كانت " كحك " قرية فقيرة أو بمعنى أوضح قرية «تحت خط الفقر» بمراحل، استغل " شوقى " انعدام الخدمات وغياب الدور الرئيسى لقطاعات الحكومة المختلفة من " تعليم وصحة... إلخ" في تقديم خدمات لتلك القرية، وبدأ " شوقى" توفير مواد تموينية من زيت وسكر ودقيق وسلع أخرى، وتوفير أطباء وتشغيل الوحدات الصحية، وتوفير جميع الخدمات لأهالي القرية، وبالفعل كان بمثابة " المنقذ لهم "، لذلك كسب ود الجميع من أهالي القرية. كما انتهج أسلوبًا آخر وهو فرض "الجزية" على الأقباط، وتكوين فريق أطلق عليه "الغزوات"، الذي تخصص مساء كل ليلة في الهجوم أو السطو على المتاجر ومحال الذهب، بدأ ينتهج منهج القتل والسرقة والإتاوات على الأقباط، وأجبر جميع نسوة القرية على ارتداء النقاب حتى أصبحت سيدات القرية بالكامل "منتقبات"، وأجبر شباب ورجال وشيوخ القرية على إطلاق اللحية، وتزويج رجاله من نسوة القرية إجبارا، حتى وصل الأمر ذاته إلى أن "شوقى" تزوج 14 فتاة كملك يمين، حتى أصبح "شوقى" الذي لقبه أهالي القرية ب"أمير المؤمنين" مكروها وإرهابيا من الدرجة الأولى، وكانت هناك لافتات على منازل القرية مدون عليها "بيت المال".. "بيت الزكاة".. "بيت التسليح"، "قوات الغزوات"، "إقامة الحد". وكيف تمت تصفية زعيم الشوقيين؟ بعد أن كلفت ب « شوقى الشيخ »، وتحرير «كحك»، توجهت إلى القرية بعد إجراء دراسة ميدانية لمداخل ومخارج القرية والصعوبة التي واجهتنى في تحرير قرية " كحك " وكوم الصعايدة "، هي أن القريتين لهما مدخل واحد فقط والباقى زراعات، فمن الصعب أن أستخدم المدرعات داخل الأراضى الزراعية لأنهم كانوا أذكياء، وكانوا يوميا يقومون برى الأرض لكى يصعب على رجال الأمن دخول المدرعات من خلال الزراعات، وحين اتخذت قرارا باقتحام القرية كانت لدى جميع المعلومات الميدانية عن سكانها، وأعلم تماما مدى قوة تسليح " الشوقيون "، فكانوا يستخدمون النساء في نقل الذخائر، والأطفال في توصيل رسائل للإرهابيين في الميدان، وإطلاق الإنذارات. كم كان عدد القوات التي استخدمتها في عملية الاقتحام ؟ شكلت قوة مكونة من 10 مجموعات قتالية شملت 100 مجند مدرب تدريبا قتاليا على أعلى مستوى يرأسهم 10 ضباط، لكن عند محاولة دخولنا القرية فوجئنا بوابل من الرصاص ينهال علينا من كل جانب، مجموعة إرهابية مدربة تدريبًا عاليًا جدا وأسلحة ثقيلة وخفيفة وقنابل شديدة الانفجار، وكأنك تحارب جيشا من المتطرفين، اعتلوا أسطح المنازل ونحن كنا على الأرض، حاولنا السيطرة على أحد الجوانب للقرية، اقتحمنا المنازل واعتلينا أسطحها وأصبحنا نحن وهم أعلى المنازل. استمر تبادل إطلاق النيران بيننا أكثر من 12 ساعة متواصلة، وخلال تلك الفترة كانت المجموعات ال10 تتبادل المواقع، والدعم يأتى لنا عندما نطلبه، كنا نحارب جيشًا من الإرهابيين، تفوقنا عليهم لم نفكر أبدا في التراجع رغم الأعيرة الكثيفة التي أمطرونا بها، وبينما نشتبك معهم كنا نلاحظ قيام نساء القرية بإمدادهم بالذخائر الحية، والأطفال كانوا يستعملونهم في إرسال الرسائل القصيرة لهؤلاء الإرهابيين لتبديل مواقعهم، وإطلاق صافرات الإنذار من فوقنا، وعناصر تتحرك بتنظيم وتدريب عال، وكان بيت شوقى أحصن نقطة، حيث يعتليه فرد برشاش روسى ملحق به شريط عدد رصاصه 200 طلقة، في حين لم يكن معنا إلا بنادقنا، أما باقى أسلحتنا فقد تخففنا منها في المدرعات التي لم تتمكن من التقدم في الأرض الزراعية الطينية، وفجأة نسمع صرخات نسوة تقول «الشيخ شوقى مات».. الشيخ مات.. وصراخ وعويل.. وتوجهنا إلى هناك لنشاهد جثمان شوقى والدم يسيل منه، انتهت الحرب الضروس بيننا وبينهم بإلقاء القبض على 92 عنصرًا من عناصر الشوقيين وقتل 24 آخرين، وإصابة 4 من رجال الشرطة. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية ل "فيتو"