كانت الثورة التى لم يحلم بها أحد، واجتمعت أطياف الشعب فى شمال البلاد وجنوبها على قلب رجل واحد يحملون هماً واحداً، بأن يتغير الحال وتسقط الأنظمة الغاشمة.. تجمعوا فى ميدان التحرير، حول «الكعكة الحجرية» التى كتب عنها «أمل» منذ عقود، وكأنه كان معنا فى الميدان يصف الأحداث ساعة بساعة ولحظة بلحظة. «أمل» الذى بث فينا الأمل منذ سنوات طويلة، يتحدث ل«فيتو» من العالم الآخر فى حوار حصرى عن الشعر والحب والثورة والانتصار والإنكسار. فيتو: كيف حالك يا أمل؟ - أنا الأن بأرض العدل.. فيمكن أن تعتبرنى بأفضل حال.. كيف حالكم أنتم؟ فيتو: لسنا على ما يرام.. لا نزال نبحث عن العدل. - أتمنى أن يحل على أرضكم قريبا. فيتو: جئنا نحدثك بعد أن ثارت بلدتنا، وأنت الذى شكوت مرة قائلاً:«أمى.. كل البلاد تثور إلا بلدتنا». - أهنئكم على أى حال.. وأشكركم لأنكم خلفتم ظنى هذه المرة فيتو: لقد كنت الغائب الحاضر فى هذه الثورة.. لافتاتك كانت فى كل مكان وفى كل ما مررنا به من مراحل. - كأنى بكم وأنا أنادى:«اذكرينى.. لقد لوثتنى العناوين فى الصحف الخائنة! لونتنى.. لأننى - منذ الهزيمة- لا لون لى.. غير لون الضباع!» فيتو: كسرتك هزيمة 76 يا أمل؟ - كسرتنا جميعا.. كسرتكم أنتم أيضا.. كسرت حتى الأجنة فى بطون أمهاتها. فيتو: كيف؟! - ببساطة..إن ماكافحتم واستشهدتم من أجله هو بالضبط ما كافحنا ومتنا ونحن نحلم بتحقيقه.. كأن الزمن توقف بين ال 76 وال1102.. أتعجب أحياناً من صعوبة الحلم ومن طول الكفاح. فيتو: هل ترى أن تاريخ الظالم فى دنيانا طويل؟ - طويل جداً.. السلاطين هم السلاطين والشعوب هى الشعوب فيتو: إذن لا ترى أن هناك أملاً! -يولد الأمل فى اللحظة التى يقرر فيها البشر أن هناك أملاً وتجتمع إرادتهم على هذا أو كما قلت من قبل «فليس سوى أن تريد». فيتو: وهل ترى أننا أخذنا ذلك القرار؟ - أخذتموه بالقطع حين قمتم بثورة لم يحلم جيلى بنصفها أو ربعها.. متنا يائسين من أن يتحرك الناس.. وتحركتم أنتم.. أنتم الأمل الذى لم يكتب لنا أن نشهده. فيتو: مت يائساً.. رغم أن اسمك أمل؟ - اسمى اختاره لى والدى ولم اختره أنا.. ربما كنت أمله ولكننى عشت يأسى باختيارى. فيتو: ما هى برأيك أيقونة هذه الثورة؟ - أيقونتها الوحيدة هو أنتم.. إيمانكم أنها يجب أن تكتمل وإصراركم على العدل والحق والكرامة والجمال. فيتو: كيف ترى نخبة هذا العصر؟ أخطأت التعبير.. فالنخبة فى اللغة هى من أنتخبهم الناس ليمثلوهم ويمثلوا أفكارهم وأحلامهم وطموحاتهم فى الحياة. فيتو: وهل ترى نخبتنا بغير هذه الصورة؟ - أمل: إن المثقفين المتعلمين بأموال الشعب المتعالمين المستكبرين عليهم ليسوا نخبة.. سمهم كيفما شئت.. ولكنهم بأى حال من الأحوال ليسوا نخبة. فيتو: ألا ترى فى نظرتك هذه نوع من القسوة؟ - إن من يرتد عن طريق الشعب وحلمه وطموحاته لغد يحمل أبسط ما يحمل العدل للجميع لا يستحق نوعاً من الرحمة خاصة ممن رحل عن الدنيا منذ أمد مثلى. فيتو: نحيا الآن كما يسميه الإعلام عرسا ديمقراطياً.. كيف تراه؟ -أنتم لا تزالون فى بداية الطريق ولا أدرى لم تتعجلون الثمار!!.. بل قل إنكم لم تبرحوا خط المواجهة بعد.. أى عرس هذا الذى يتحدث عنه إعلامكم؟ فيتو: ماذا عن الانتخابات ومشهد الناس التى تقف في طوابير لساعات لتدلى بصوتها؟ - ما العجب فى هذا!! الناس فى مصر تقف فى طوابير من أجل رغيف الخبز.. هل يمكن لنا أن نسمى هذا عرساً تموينياً مثلاً!! فيتو: كيف ترى البرلمان القادم إذن؟ - سيكون كالبرلمان السابق.. سيسيطر عليه الفكر الرأسمالى والمصالح الاقتصادية مع اختلاف بسيط فى وجوه المنتفعين. فيتو: كيف؟ -«من يملك العملة يمسك بالوجهين والفقراء بين بين». فيتو: كيف ترى المصالح المشتركة ولماذا دوماً تجتمع حتى على حساب كلمة الحق أو ما يعتقد الناس صوابه؟ - أمل:«أنه الذهب المتلألئ فى كل عين. فيتو: هل ترى الأمور مقلوبة؟ - أرى عبثاً.. لا يهدف إلا لإنهاك الثوار وقتل الثورة فى ذكراها الثانية فيتو: ماذا كنت ستفعل لو كنت معنا؟ - أمل: لن أكون معكم يوما ما.. الموت يحجب الإنسان ويمنعه من الحركة والتفاعل.. لكل زمان رجاله لا تنتظروا أحداً.. عليكم أن تحددوا ما تريدون أن تكونوا عليه بأنفسكم.. لا تلتفتوا كثيرا لتنظير من تطلقون عليهم النخب. فيتو: ماذا تقول إذن لشباب الثورة؟ أقول لهم إن الآية انقلبت وصار الزمان زمانكم.. فلا تضيعوا الفرصة.. لقد انقلبت العملة.. ليس هذا زمن الملك إنه زمن الكتابة. ثم أنشد أبياته الشهيرة: «ملك أم كتابة»؟ صحت فيه بدورى.. فرفرف فى مقلتيه الصبا والنجاية وأجاب:«الملك دون أن يتعلثم.. أو يرتبك وفتحت يدى.. كان نقش الكتابة بارزاً فى صلابة». فيتو: وبم تنصح القائمين على إدارة البلاد حالياً؟ - أقول لهم: أيها الواقفون على حافة المذبحة أشهروا الأسلحة والدم انساب فوق الوشاح المنازل أضرحة والزنازن أضرحة والمدن أضرحة فارفعوا الرأس واتبعونى فيتو: وماذا عن المرأة فى حياتك؟ - أكره هذا السؤال وأعتبره سؤالا تقليديا ساذجا.. المرأة فى حياتى كما أنا فى حياتها.. لا أصدق أنه بعد رحيلى عنكم بثلاثين عاماً تسألون نفس الأسئلة. فيتو: ألم تقل إنك تشعر أن الزمان توقف بين ال76 وال1102!! لا بأس أن تجيبنا إذن. - المرأة هى اكتمال الرجل.. لا يكتمل رجل «إلا إذا أحب ولا تكتمل إمرأة إلا إذا أحبت وكاذب ومتعال هو من أنكر لك هذا. فيتو: هل أضاف الحب إلى مسيرتك الشعرية؟ - مسيرتى الشعرية والانسانية.. إنها اللحظة التى تقرر فيها أن تواجه العالم كشخصين لا كشخص واحد.. كأن ميلادك يتكرر مرتين.. وكانت عبلة فكان الحب. فيتو: سعدنا بمقابلتك كثيراً يا أمل.. ونرجو ألا نكون قد أثقلنا عليك - على الإطلاق.. لقد سعدت بكم كثيراً. cv ولد أمل دنقل عام0491 لأسرة نوبية بمحافظة قنا وكان أبوه عالماً أزهرياً. أصدر «6» مجموعات شعرية.. آخرها أوراق الغرفة رقم «8» وهو رقم غرفته التى كان يرقد بها فى المعهد القومى للأورام. عمل موظفا بمحكمة قنا وجمارك الاسكندرية والسويس ثم موظفاً فى نقطة التضامن الأفرو آسيوى. توفى أمل دنقل عام 3891 عن عمر يناهز ال34عاماً متأثراً بمرض السرطان.