داخل المقهى البعيد، يجلسون، يراقبون أحوال المدينة، ويلعبون الورق والنرد، بينما تلملم هي أوراقها المبعثرة على إحدى الطاولات القديمة، تدق الثانية عشر منتصف الليل، فتهرب من الباب الخلفي، يتنفس الجالسون الصعداء، يصيح صائح منهم: ها قد رحلت.. ماذا أنتم فاعلون؟ يلتفت عدنان الصائغ: سأقذفُ جواربي إلى السماء/ تضامناً مع من لا يملكون الأحذيةَ/ وأمشي حافياً/ ألامس وحول الشوارعِ بباطن قدمي/ محدقاً في وجوه المتخمين وراء زجاج مكاتبهم/ آه.. لو كانت الأمعاء البشرية من زجاج/ لرأينا كم سرقوا من رغيفنا.
يرمي محمود درويش زهرة النرد: لا يزال العرس دامياً/ العروس تزف كل يوم إلى المقصلة/ العريس يتفرج من كوة الظلام ..!/ لا يزال الناس همو الناس...!/ لا يزال الفاشست يعتلون الكراسي/ برداء جديد.
يدور النادل في صمت، ينكفيء أمل دنقل على منضدته، تتأرجح الكأس في يده: المنازل أضرحة والزنازن أضرحة والمدى أضرحة.
ينتحي عبد الوهاب البياتي بأحد الأركان، يعانق سنوات المنفى، يردد في خفوت: أُولد في مدن لم تولد/ لكني في ليل خريف المدن العربية/ مكسور القلب أموت/ أدفن في غرناطة حبي/ وأقول : لا غالب إلا الحب/ وأحرق شعري وأموت/ وعلى أرصفة المنفى/ أنهض من بعد الموت/ لأُولد في مدن لم تولد وأموت..
ينفث الماغوط دخان سجائره محترقا: ماذا يفعل هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج؟ لقد أعطونا الساعات واخذوا الزمن , أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات, اعطونا البرلمانات واخذوا الحرية... أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان, أعطونا الثوار وأخذوا الثورة.
يقلب صلاح عبد الصبور أوراق اللعب، فيتقافز الخوف بعيونه ويعلو صوته: رعب أكبر من هذا سوف يجئ..
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبال الصمت.. أو ببطون الغابات، صدقونى رعب أكبر من هذا سوف يجئ..
يرتفع دبيب أقدام على باب المقهى، يتطلع الجالسون، يدخل نيرودا بكاسكيته الشهير، يتطلع في الوجوه، يلقى نبوءته الأخيرة: لكن الانتصار الكبير سيأتي / حتى لو كنت أخرسَ / سأقول / وسأرى النصر قادمًا، حتى لو كنت أعمى..!
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه