قضية الطلاق الشفهى التي أثيرت مؤخرا، وحسمها الأزهر الشريف ببيان حاسم، وموقف تاريخى، أكد فيه وقوع الطلاق الشفوى دون اشتراط شهود أو توثيق، أعادت إلى الأذهان أزمة خلط الدين بالسياسة، واستعداد بعض المشتغلين بالدعوة الإسلامية والمتكسبين منها، لإصدار فتاوى توافق هوى أصحاب الأمر والنهى، حتى لو اصطدمت بصحيح الشرع، وما توافق عليه المتقدمون والمتأخرون، كان عموم المصريين توهموا أنه بطىّ صفحة الإخوان، وإنهاء حقبة سوداء من تاريخ مصر، انتهى زمن الفتاوى سابقة التجهيز، ولكن الواقع يؤكد أن هذه النوعية من "المشايخ" لن تزول حتى يقوم الناس لرب العالمين، فهم يضبطون فتاواهم على مؤشر السلطة، لينطبق عليهم قول القرآن الكريم: " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "، ولتتحقق نبوءة الرسول الكريم: " أخوف ما أخاف على أمتي بعدي الأئمة المضلون ". قبل نحو عامين، خرج علينا من يُشبّه الرئيس بنبى الله موسى عليه السلام، ولا شك أن الأول في مثل هذه التنطعات من الزاهدين، ولم يأمر أحدا بأن يضفى عليه من صفات الأنبياء أولى العزم، ولا من غيرهم، ولكنها الرغبة الجامحة في القفز على منصب رفيع، كما ظن شيخ آخر أن من مقتضيات تجديد الخطاب الدينى الذي يتطلع إليه الرئيس وجميع المواطنين المخلصين في بر مصر، أن يزعم "متعمدا" أن الرسول الكريم سوف يتزوج السيدة مريم، عليها السلام، في الجنة، رغم أن صاحب هذه الفتوى، يعلم قبل غيره بحكم علمه الوافر ومناصبه التي تدرج فيها، أن جميع الأسانيد التي ساقها، مطعون في صحتها، ولكن كل شىء يهون من أجل متاع الدنيا الزائل! وخلال الفترة الماضية، سعى معممون إلى استرضاء السلطة، بإطلاق فتاوى خصمت كثيرا من رصيدهم، مثل: وجوب طلاق الزوجة التي تنتمى إلى فصيل سياسي معارض، وتحريم الخروج في ذكرى ثورة 25 يناير، ووجوب قتل المعارضين، ولم يغب عن هذه الفوضى الدينية، مسئول دينى بارز، اتخذ من الجهة الحكومية التي يحكمها، منصة دينية لإصدار بيانات مؤيدة لخطوات وقرارات وسفريات الرئيس، رغم أن هذا ليس من صميم عمله الذي يشهد تقصيرا لا يخفى على القاصى والدانى. وفى ظل اللغط المثار بشأن تجديد الخطاب الدينى، لم يخجل المسئول ذاته من أن يعلن عن إعداد خطبة الجمعة لخمس سنوات مقبلة، وعرضها على الرئيس، أملا في أن ينال ثقته في البقاء في منصبه، أو الدفع به إلى منصب دينى أرفع، في ظل العلاقة المتوترة بين الرئيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ولا ندرى كيف يتحقق التجديد المطلوب عبر هذا اللهو الدينى غير المسبوق. قضية الطلاق الشفهى، التي طرحها الرئيس مرتجلا، أثناء كلمته في الاحتفال بعيد الشرطة، وبحسن نية، وسعيا منه للحد من حالات الطلاق التي ارتفعت وتيرتها في السنوات الخمس الأخيرة، وتهافت بعض مُدّعى الفقه على إصدار فتاوي مؤيدة لعدم وقوع الطلاق الشفوى، بينت أن خلط الدين بالسياسة، وإصدار فتاوى موجهة، مرض مزمن وتاريخى وقديم قدم الإسلام، في جميع البلدان الإسلامية، ولن يتجدد الخطاب الدينى يوما إلا بإبعاد هذه الشرذمة، تماما عن المشهد، ومحاكمتهم بما يتفق مع فداحة الجرم الذي يقترفونه بحق دين الله، فالتجديد الذي يرنو إليه الرئيس، لا يستهدف علمنة الإسلام، وكسر ثوابته، ولكنه التجديد الذي يواكب الواقع ومستجداته، بما لا يخالف شرع الله، وتحت لواء الأزهر الشريف بعيدًا عن أئمة الضلال والإضلال.