في عام 1950 أطلق طه حسين، مقولته الشهيرة "التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن"، وذلك وقت أن تم تعيينه وزيرًا للمعارف في حكومة الوفد والتي استمرت حتى عام 1952 وأقالها الملك فاروق قبل ثورة 23 يوليو 1952، ومنذ ذلك التاريخ بدأت النظرة تتغير إلى التعليم من خدمة بمقابل مادى مرتفع تقدم في المدارس لأبناء الطبقة التي تستطيع سداد نفقاتها، إلى حق لكل مواطن والدولة ملزمة بتقديم هذا الحق، وعندما جاءت ثورة يوليو 1952 رسخت لهذا المبدأ، وبدأت الدولة تلزم الآباء بإلحاق أبنائهم في المدارس عندما يبلغون سن السادسة. واستمر الوضع هكذا حتى منتصف عقد السبعينيات، وتحديدًا مع تطبيق سياسة الانفتاح في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وتغير التوجه المالى للدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية والاقتصاد الحر عندها تغيرت نظرة الدولة إلى "التعليم" من حق إلى خدمة واجبة عليها تقدمها للطلاب، واستمر الوضع هكذا حتى نهاية حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك في عام 2011، وفى أعقاب ثورة 25 يناير عبرت الحكومات المتعاقبة عن بدء مرحلة جديدة من التعامل مع العملية التعليمية، فانتهت مرحلة الحق والخدمة الواجبة إلى مرحلة العبء. وأصبحت الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم تنظر إلى التعليم باعتباره عبئًا كبيرًا لا تستطيع الحكومة بمفردها القيام به، وكثرت المطالبات لكل الجهات في المجتمع بالتكاتف من أجل الارتقاء بالمنظومة التعليمية، وكانت بداية التحول مع حكومة الدكتور عصام شرف، ثم ترسخت الفكرة مع حكومة الإخوان في عام 2012 وصرح الدكتور إبراهيم غنيم، وزير التعليم، في هذا التوقيت بأن الدولة لا يمكنها تحمل أعباء التعليم بمفردها، ثم تكرر ذلك الأمر مع كل وزراء التعليم الذين تعاقبوا على المنصب وصولًا إلى الدكتور الهلالى الشربينى وزير التربية والتعليم الحالي، ولم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد تصريحات أو ترويج إعلامي لفكرة العب. ورغم أن الدستور ينص في المادة رقم 19 على أن التعليم حق لكل مواطن، فإن الواقع يؤكد أن هناك اتجاهًا لتحويل هذا الحق إلى خدمة بمقابل من أجل تخفيف العبء، ويدلل على ذلك اتجاه الوزارة إلى تعديل القرارات الوزارية الخاصة بتحديد المصروفات المدرسية في المدارس الحكومية، فهناك نية لزيادة المصروفات الدراسية في المدارس الحكومية لتصل إلى 100 جنيه بدلًا من 50 جنيها في المدارس الابتدائية، وترتفع أكثر من هذا في المدارس الإعدادية والثانوية. أما بالنسبة للمدارس التجريبية، فإن قطاع التعليم العام قد انتهى بالفعل من وضع اللمسات النهائية لتعديل بعض مواد القرار الوزارى رقم 285 لسنة 2014 والذي يحكم المدارس التجريبية التي تحول اسمها إلى المدارس الرسمية للغات، والقرار تمت إحالته إلى المستشار القانونى من أجل مراجعته المراجعة النهائية قبل اقرار التعديلات على القرار. ووفقًا لمصدر مسئول بوزارة التربية والتعليم فإن التعديلات المقترحة على القرار تشمل تعديل المواد التي تحدد قيمة المصروفات الدراسية في المدارس الرسمية للغات والمدارس الرسمية المميزة للغات، بزيادة مبالغ تتراوح بين 200 ونحو ألف جنيه بحسب نوعية الخدمة التعليمية المقدمة. وينص القرار الحالى على أن المصروفات في المدارس الرسمية للغات تبدأ بمبلغ 650 جنيهًا لرياض الأطفال ومن المتوقع أن ترتفع العام القادم إلى نحو 850 جنيها أو يزيد، كما أن مصروفات المرحلة الابتدائية من المتوقع أن تترفع من 750 جنيهًا إلى ألف جنيه أو يزيد، والمرحلة الإعدادية من المتوقع ارتفاع مصروفاتها من 850 جنيها إلى نحو 1200 جنيه، والمرحلة الثانوية من 950 جنيها إلى نحو 1250 جنيها. أما في المدارس الرسمية المميزة ( مدارس المستقبل) فمن المتوقع أن تزيد قيمة المصروفات الدراسية في مرحلة رياض الأطفال من 1200 جنيه إلى نحو 1400 جنيه، والمرحلة الابتدائية من 1250 إلى 1500 جنيه، والمرحلة الإعدادية من 1300 إلى نحو 1700، والمرحلة الثانوية من 1350 إلى نحو 1800 جنيه. وبحسب المصدر ذاته، فإنه من المتوقع أن ترتفع مصروفات المدارس الخاصة أيضًا مع العام الدراسى القادم، بحجة زيادة سعر الدولار وارتفاع أسعار السلع والأدوات المستخدمة في العملية التعليمية، ومن المتوقع أن تكون الزيادات في قيمة مصروفات بعض المدارس الخاصة أكثر من 30% مع بدء العام الدراسى القادم، وهى زيادة غير قانونية، لافتًا إلى أنه توجد حيل كثيرة تلجأ إليها المدارس الخاصة للتحايل على القرارات الوزارية المنظمة لزيادة المصروفات.