«زراعة أسيوط» تنظم محاضرة مجانية حول «النشر الدولي- كتابة ردود إحترافية على تقارير المحرر والمحكمين»    هل تنخفض الأسعار الأسبوع المقبل؟.. عضو «منتجي الدواجن» يجيب    أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 26 مايو 2024    توريد 200 ألف و257 طن قمح في كفر الشيخ    الجزار يتابع سير العمل بالمشروعات .. وموقف الخدمات المقدمة للسكان بأسيوط الجديدة    فتح باب التقديم لطلبات توفيق أوضاع مشروعات الاقتصاد غير الرسمي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات اليوم الأحد    بينها وقود .. 141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    141 شاحنة مساعدات تتدفق من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم للدخول إلى غزة    وزير الخارجية يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في اجتماع مجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي    الإسماعيلي يتحدى البنك الأهلي طمعًا في استعادة الانتصارات بالدوري المصري    بوكيا: كنت أستحق ركلة جزاء أمام الأهلي.. والترجي كان الأفضل وخسر    "واجب وطني".. ميدو يطالب الأهلي بترك الشناوي للزمالك بعد التتويج الأفريقي    مواعيد مباريات الأحد 26 مايو 2024.. ثلاث مواجهات بالدوري والأهلي في إفريقيا للسلة    الأرصاد: طقس شديد الحرارة الأحد والإثنين على أغلب الأنحاء    هدوء تام في ثاني أيام امتحانات الدبلومات الفنية بمطروح    مصرع طفلة سقطت بها مصعد عقار بمنطقة الطالبية    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل التعاون في تصدير وتسجيل الأدوية    دراسة: الغربان يمكنها التخطيط لعدد نواعقها مسبقا    إشادة حقوقية بدور الدعوة والأئمة بالأوقاف المصرية لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب تشيد بجهود وزارة الأوقاف المصرية    سها جندي: نرحب بتلقي مختلف المشاريع الاستثمارية للمصريين بالخارج    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى الروس إلى 501 ألف و190 جنديا    إسرائيل تطرح مقترح اتفاق جديدًا بشأن تبادل الأسرى    مجلس الشيوخ يفتح اليوم ملفى حفظ أموال الوقف وإحلال وتجديد المساجد    طلاب الدبلومات الفنية يستكملون اليوم اختبارات نهاية العام الدراسي    شاومينج ينشر أسئلة وإجابات امتحانات الدبلومات الفنية على تليجرام.. والتعليم تحقق    "في صحبة محمود سعيد"، معرض بالزمالك يحتفي بذكرى رحيله الستين    أول موسيقى مصرى يشارك بعملين فى دورة واحدة من مهرجان كان: أحمد الصاوى: موسيقيون عالميون بحثوا عنى فى المهرجان لتحيتى على موسيقى الفيلمين    أنا وقلمى.. «تكوين» بين الجدل.. والرفض الشعبى    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن أساسها المودة والرحمة تفصيل للحقوق المشتركة بين الزوجين "3"    النسوية الإسلامية اجتهاد المرأة: مفهوم الإلحاد.. فى القرآن! "95"    وزير الري يتابع خطة عمل صيانة وإحلال المنشآت المائية    رابط الاستعلام عن نتيجة صفوف النقل الترم الثانى بالجيزة ..تعرف عليه    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    وزير الرياضة: جمهور الأهلي والزمالك هم الأبطال.. واعتذر عن شكل التنظيم بالنهائي    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    مع اقتراب نهاية السنة المالية.. تعرف على مدة الإجازة السنوية وشروط الحصول عليها للموظفين    أدعية الصفا والمروة.. «البحوث الإسلامية» يوضح ماذا يمكن أن يقول الحاج؟    هل سيتم تحريك أسعار الأدوية الفترة المقبلة؟.. هيئة الدواء توضح    القائمة الكاملة لجوائز الدورة 77 من مهرجان كان    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الأسد    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    موعد مباراة المصري وفيوتشر والقنوات الناقلة    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    مصرع 20 شخصا إثر حريق هائل اندلع فى منطقة ألعاب بالهند    آخر تحديث لسعر الدولار مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأحد 26 مايو 2024    مصرع شخص وإصابة 9 آخرين في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    حظك اليوم الأحد 26 مايو لمواليد برج الجدي    قصواء الخلالى: الرئيس السيسى أنصفنا بتوجيهاته للوزراء بالحديث المباشر للمواطن    باريس سان جيرمان بطلا لكأس فرنسا على حساب ليون ويتوج بالثنائية    صحة كفر الشيخ تواصل فعاليات القافلة الطبية المجانية بقرية العلامية    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    قطع المياه اليوم لمدة 6 ساعات عن بعض المناطق بالأقصر.. تعرف عليها    "ساكتين ليه".. الرئيس يوجه رسالة غضب ل 3 وزراء (فيديو)    10 عادات صحية تمنع ارتفاع ضغط الدم    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. ج2◄42
نشر في فيتو يوم 24 - 12 - 2016

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
وهذا يدل على ثلاثة أُمور، أحدها: أنها كانت قارنة ، والثانى : أن القارن يكفيه طوافٌ واحدٌ وسعىٌ واحد . والثالث : أنه لا يجب عليها قضاءُ تِلك العُمْرةِ التى حاضت فيها ، ثم أدخلت عليها الحجَّ ، وأنها تَرْفُض إحرام العُمْرة بحيضها ، وإنما رفضت أعمالها والاقتصارَ عليها ، وعائشة لَم تَطُفْ أولاً طوافَ القُدوم ، بل لم تَطُفْ إلا بعْدَ التَّعريفِ ، وسعت مع ذلك، فإذا كان طوافُ الإفاضة والسعىُ بعدُ يكفى القارِنَ ، فلأن يكفيه طوافُ القدوم مع طواف الإفاضة ، وسعى واحد مع أحدهما بطريق الأَوْلى ، لكن عائشة تعذَّر عليها الطواف الأول ، فصارت قصَّتها حُجَّةً ، فإن المرأة التى يتعذَّر عليها الطوافُ الأول ، تفعلُ كما فعلت عائشة ، تُدخِلُ الحَجَّ على العُمْرة ، وتصيرُ قارنةً ، ويكفيها لهما طوافُ الإفاضة والسعىُ عقيبه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومما يبين أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يَطُفْ طَوافينِ ، ولا سعى سعيين قولُ عائشة رضى اللَّه عنها : وأما الذين جمعوا الحَجَّ والعُمْرة ، فإنما طافوا طوافاً واحداً متفق عليه وقول جابر : لم يطف النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول )) ((رواه مسلم)) وله لعائشة : (( يُجْزِئ عَنْكِ طَوافُكِ بالصَّفَا والمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ )) ((رواه مسلم )) وقوله لها فى رواية أبى داود: (( طَوافُكِ بالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جميعاً )). وقوله لها فى الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة وبين الصفا والمروة: (( قد حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جميعاً )) قال : والصحابة الذين نقلوا حجةَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . كُلُّهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، أمرهم بالتحليلِ إلا مَن ساق الهَدْى . فإنه لا يَحلُّ إلا يومَ النَّحْرِ ، ولم يَنْقُلْ أحد منهم أن أحداً منهم طاف وسعى ، ثم طاف وسعى . ومن المعلوم ، أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعى على نقله . فلما لم ينقله أحدٌ من الصحابة ، عُلِمَ أنه لم يكن.

وعمدة مَن قال بالطوافين والسعيين، أثرٌ يرويه الكوفيون ، عن علىّ ، وآخر عن ابن مسعود رضى اللَّه عنهما.

وقد روى جعفر بن محمد، عن أبيه ، عن علىّ رضى اللَّه عنه ، أن القارنَ يكفيه طوافٌ واحد ، وسعىٌ واحد ، خلاف ما روى أهل الكوفة ، وما رواه العراقيون ، منه ما هو منقطع ، ومنه ما رجاله مجهولون أو مجروحون ، ولهذا طعن علماءُ النقل فى ذلك حتى قال ابنُ حزم : كل ما رُوى فى ذلك عن الصحابة ، لا يَصِحُّ منه ولا كلمةٌ واحدة . وقد نُقِلَ فى ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ما هو موضوع بلا ريب . وقد حلف طاووس: ما طاف أحدٌ من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحَجَّته وعُمْرته إلا طوافاً واحداً ، وقد ثبت مثلُ ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وغيرهم رضى اللَّه عنهم ، وهُمْ أعلمُ الناس بحَجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلم يُخالفوها ، بل هذه الآثار صريحة فى أنهم لم يطوفوا بالصَّفَا والمروة إلا مرةً واحدة.

وقد تنازع الناسُ فى القارن والمتمتع ، هل عليهما سعيان أو سَعىٌ واحد ؟ على ثلاثة أقوال : فى مذهب أحمد وغيره .

أحدها: ليس على واحد منهما إلا سعى واحد ، كما نص عليه أحمد فى رواية ابنه عبد اللَّه . قال عبد اللَّه : قلت لأبى : المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن طاف طوافين ، فهو أجود . وإن طاف طوافاً واحداً ، فلا بأس . قال شيخنا : وهذا منقول عن غير واحد من السَلَف .

الثانى: المتمتع عليه سعيان والقارن عليه سعى واحد ، وهذا هو القول الثانى فى مذهبه ، وقول مَن يقوله من أصحاب مالك والشافعى رحمهما اللَّه .
والثالث: أن على كل واحدٍ منهما سعيين ، كمذهب أبى حنيفة رحمه اللَّه ، ويُذكر قولاً فى مذهب أحمد رحمه اللَّه ، واللَّه أعلم . والذى تقدَّم هو بسط قول شيخنا وشرحه.. واللَّه أعلم.

◄ فى أنه لا عذر البتة فيمن قال إنه صلى الله عليه وسلم حج حجاً مفرداً اعتمر عقيبه من التنعيم
وأما الذين قالوا: إنه حجَّ حجاً مفرِداً اعتمر عقَيبه من التنعيم ، فلا يُعلم لهم عذرٌ البتة إلا ما تقدَّم من أنهم سمعوا أنه أفرد الحج ، وأن عادَة المفردين أن يعتَمِرُوا من التنعيم ، فتوهموا أنه فعل كذلك.

◄ فيمن غلط فى إهلاله صلى الله عليه وسلم
وأما الذين غلطوا فى إهلاله ، فمَن قال : إنه لبَّى بالعُمْرة وحدها واستمر عليها ، فعذرُه أنه سمع أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تمتع ، والمتمتع عنده مَن أهلَّ بعُمْرة مفردة بشروطها . وقد قالت له حفصة رضى اللَّه عنها : ما شأن النَّاسِ حَلُّوا ولم تَحِلَّ مِن عُمرتك ؟ وكل هذا لا يدل على أنه قال : لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ ، ولم يَنْقُلْ هذا أحد عنه البتة ، فهو وهم محض ، والأحاديثُ الصحيحةُ المستفيضةُ فى لفظه فى إهلاله تُبْطِلُ هذا.

◄ فى عذر مَن قال إنه صلى الله عليه وسلم لبَّى بالحج وحده واستمر عليه
وأما مَن قال: إنه لبَّى بالحَجِّ وحده واستمر عليه ، فعذُره ما ذكرنا عمن قال : أفرد الحَجَّ ولبَّى بالحَجِّ ، وقد تقدّم الكلامُ على ذلك ، وأنه لم يقل أحد قط إنه قال : لَبَّيْكَ بحَجَّة مفردة ، وإن الذين نقلوا لفظه ، صرَّحوا بخلاف ذلك .

◄ فى عذر مَن قال إنه لبَّى بالحج وحده ثم أدخل عليه العُمْرة
وأما مَن قال: إنه لبَّى بالحجِّ وحده ، ثم أدخل عليه العُمْرة ، وظن أنه بذلك تجتمع الأحاديث ، فعذره أنه رأى أحاديث إفراده بالحج صحيحة ، فحملها على ابتداء إحرامه ، ثم إنه أتاه آتٍ من ربِّه تعالى فقال : قل : عُمْرة فى حَجة ، فأدخل العُمْرة حينئذ على الحَجِّ ، فصار قارناً . ولهذا قال للبرَّاء بن عازب: ((إنِّى سُقْتُ الهَدْىَ وَقَرَنْتُ))، فكان مفرِداً فى ابتداء إحرامه ، قارناً فى أثنائه ، وأيضاً فإن أحداً لم يَقُل إنه أهَلَّ بالعُمْرة ، ولا لبَّى بالعُمْرة ، ولا أفرد العُمْرة ، ولا قال : خرجنا لا ننوى إلا العُمْرة ، بل قالوا : أَهلَّ بالحَجِّ ، ولبَّى بالحَجِّ ، وأفرد الحَجَّ ، وخرجنا لا ننوى إلا الحجّ ، وهذا يدل على أن الإحرام وقع أولاً بالحَجَِّ ، ثم جاءه الوحىُ من ربه تعالى بالقِران ، فلبَّى بهما فَسمعه أنس يُلبِّى بهما ، وصدق ، وسمعته عائشةُ ، وابنُ عمر ، وجابر يُلبِّى بالحَجِّ وحده أولاً وصدقوا.
قالوا: وبهذا تتفق الأحاديث ، ويزولُ عنها الاضطراب .

وأربابُ هذِه المقالة لا يُجيزونَ إدخال العُمْرة على الحج ، ويرونه لغواً ، ويقولون : إن ذلك خاص بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم دون غيره . قالوا : ومما يدل على ذلك : أن ابن عمر قال : لبَّى بالحَجِّ وحده ، وأنس قال : أهلَّ بهما جميعاً ، وكلاهما صادق فلا يمكن أن يكون إهلاله بالقِران سابقاً على إهلاله بالحَجِّ وحده ، لأنه إذا أحرم قارناً ، لم يمكن أن يحْرِم بعد ذلك بحَجٍّ مفرد ، وينقل الإحرام إلى الإفراد ، فتعيَّن أنه أحرم بالحجِّ مُفرِداً ، فسمعه ابنُ عمر ، وعائشة ، وجابر ، فنقلوا ما سَمِعُوه ، ثم أدخل عليه العُمرة ، فأهلَّ بهما جميعاً لما جاءه الوحى من ربه ، فسمِعه أنس يهل بهما ، فنقل ما سمعه ، ثم أخبر عن نفسه بأنه قرن ، وأخبر عنه مَن تقدم ذِكره من الصحابة بالقِران ، فاتفقت أحاديثهم ، وزال عنها الاضطرابُ والتناقضُ . قالوا: ويدلُّ عليه قولُ عائشة : خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . فقال: (( مَن أراد منكم أن يُهِلَّ بِحَجٍّ وعُمرةٍ فَلْيُهِلَّ ، وَمَنْ أرادَ أنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، ومَنْ أَرادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ )). قالت عائشةُ : فأهلَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحج ، وأهلَّ به ناس معه ، فهذا يدل على أنه كان مُفِرداً فى ابتداء إحرامه ، فعُلِم أن قِرانه كان بعد ذلك .

ولا رَيبَ أن فى هذا القولِ من مخالفة الأحاديث المتقدِّمة ، ودعوى التخصيصِ للنبى صلى الله عليه وسلم بإحرام لا يَصحُّ فى حقِّ الأُمة ما يردُّه ويُبطله ، ومما يردُّه أن أنساً قال : صلَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الظهر بالبيداء ، ثم ركب ، وصَعِدَ جبل البيداء ، وأهلَّ بالحَجِّ والعُمْرة حين صلَّى الظهر.
وفى حديث عمر، أن الذى جاءهُ مِن ربهِ قال له : (( صَلِّ فى هَذَا الوَادى المُبارَكِ وقُلْ : عُمْرَةٌ فى حَجَّةٍ )) . فكذلك فعل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فالذى روى عمر أنه أُمِرَ به ، وروى أنس أنه فعله سواء ، فصلَّى الظُّهر بذى الحُليفة ، ثم قال : (( لبيك حَجّاً وعُمْرة )) .

واختلف الناسُ فى جواز إدخالِ العُمرةِ على الحَجِّ على قولين ، وهما روايتان عن أحمد ، أشهرهما : أنه لا يَصِحُّ ، والذين قالوا بالصحِّة كأبى حنيفة وأصحابه رحمهم اللَّه ، بَنَوْه على أُصولهم ، وأن القارِن يطوف طوافين ، ويسعى سعيين ، فإذا أدخل العُمْرة على الحَجِّ ، فقد التزم زيادة عملِ على الإحرام بالحَجِّ وحدَه ، ومَن قال : يكفيه طوافٌ واحد ، وسعىٌ واحد ، قال : لم يستفد بهذا الإدخال إلا سقوط أحد السفرين ، ولم يلتزم به زيادَة عمل، بل نُقصانه ، فلا يجوز ، وهذا مذهب الجمهور.

فى عذر القائلين إنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعُمْرة ، ثم أدخل عليها الحج

وأما القائلون: إنه أحرم بعُمْرة ، ثم أدخل عليها الحَجَّ ، فعُذرهم قولُ ابنِ عمر : ((تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حَجَّة الوداع بالعُمْرة إلى الحَجِّ ، وأهدى ، فساق معه الهَدْىَ من ذى الحُليفة ، وبدأ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأ هلَّ بالعُمْرةِ ثم أهلَّ بالحَجِّ )) متفق عليه

وهذا ظاهر فى أنه أحرم أولاً بالعُمْرة ، ثم أدخل عليها الحَجَّ ، ويُبين ذلك أيضاً أن ابن عمر لما حَجَّ زمن ابن الزبير أهلَّ بعُمرة ثم قال : أُشْهِدُكم أنى قد أوجبتُ حَجّاً مع عُمْرتى ، وأهدى هَدْياً اشتراه بقُدَيْد ، ثم انطلق يُهِلُّ بهما جميعاً حتى قَدِمَ مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم ينحر ، ولم يحلقْ ولم يُقصِّرْ، ولم يَحِلَّ من شئ حرم منه حتى كان يوم النحر ، فنحر وحلق ، ورأى أن ذلك قد قضى طوافَ الحَج والعُمْرة بطَوافه الأول. وقال : هكذا فعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . فعند هؤلاء ، أنه كان متمتعاً فى ابتداء إحرامه ، قارِناً فى أثنائه ، وهؤلاء أعذُر مِن الذين قبلهم، وإدخالُ الحجِّ على العُمرة جائز بلا نزاع يُعرف ، وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم عائشة رضى اللَّه عنها بإدخال الحج على العُمرة ، فصارت قارِنةً..
ولكن سياقُ الأحاديث الصحيحة، يردُّ على أرباب هذه المقالة. فإن أنساً أخبر أنه حين صلى الظهر أهلَّ بهما جميعاً، وفى (( الصحيح )) عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حَجَّة الوداع مُوَافِينَ لهِلال ذى الحِجَّة ، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَرادَ مِنْكُم أَنْ يُهِلَّ بعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ ، فلوْلاَ أَنِّى أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ )) قالت : وكان مِن القوم مَن أهلَّ بعُمْرة ، ومنهم مَن أهلَّ بالحج ، فقالت : فكنت أنا ممن أهلَّ بعُمْرة ...
وذكرت الحديث رواه مسلم فهذا صريح فى أنه لم يُهِل إذ ذاك بعمرةٍ ، فإذا جمعت بين قولِ عائشة هذا ، وبين قولها فى (( الصحيح )) : تمتع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حَجَّة الوداع ، وبَيْنَ قولها : وأهلَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحجِّ ، والكُلُّ فى (( الصحيح )) ، علمتَ أنها إنما نفت عُمْرةً مفردة ، وأنها لم تنف عُمْرة القِران ، وكانوا يُسمونها تمتعاً كما تقدَّم ، وأن ذلك لا يُناقض إهلالَه بالحج ، فإن عُمْرة القِران فِى ضمنه ، وجزء منه ، ولا يُنافى قولها : أفرد الحَج ، فإن أعمالَ العُمْرة لما دخلت فى أعمال الحَج ، وأُفِردَتْ أعمالُه ، كان ذلك إفراداً بالفعل .

وأما التلبية بالحَجِّ مفرِداً ، فهو إفراد بالقول ، وقد قيل : إن حديثَ ابنِ عمر : أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تمتع فى حَجَّة الوداع بالعُمْرة إلى الحَجِّ ، وبدأ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعُمْرة ، ثم أهلَّ بالحَج ، مروى بالمعنى من حديثه الآخر ، وأن ابن عمر هو الذى فعل ذلك عام حَجه فى فتنة ابن الزبير ، وأنه بدأ فأهلَّ بالعمرة ، ثم قال : ما شأنُهما إلا واحد ، أُشهِدُكم أنى قد أوجبت حَجّاً مع عُمرتى ، فأهلَّ بهما جميعاً..
ثم قال فى آخر الحديث : هكذا فعل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم . وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد ، وسَعىٌ واحد ، فَحُمِلَ على المعنى ، ورُوى به : أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بدأ فأهلَّ بالعُمْرة ، ثم أهلَّ بالحَجِّ ، وإنما الذى فعل ذلك ابنُ عمر ، وهذا ليس ببعيد ، بل متعيِّن ، فإن عائشة قالت عنه : (( لولا أن مَعِى الهَدْىَ لأَهَلَلْتُ بِعُمْرَةٍ )) وأنس قال عنه: إنه حين صلَّى الظهر ، أوجب حَجَّاً وعُمْرة ، وعمر رضى اللَّه عنه، أخبر عنه أن الوحى جاءه من ربه فأمره بذلك.

فإن قيل: فما تصنعون بقول الزهرى : إن عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم ، عن ابن عمر ؟

قيل: الذى أخبرت به عائشة من ذلك، هو أنه صلى اللَّه عليه وسلم طاف طوافاً واحداً عن حَجِّه وعُمْرته ، وهذا هو الموافقُ لِرواية عروة عنها فى (( الصحيحين))، وطاف الَّذين أهلُّوا بالعُمْرة بالبيت وبينَ الصَّفا والمروة ، ثم حلُّوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من مِنَى لحَجِّهم ، وأما الذين جمعوا الحَجَّ والعُمْرة، فإنما طافوا طوافاً واحداً، فهذا مثلُ الذى رواه سالم عن أبيه سواء. وكيف تقول عائشة: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدأ فأهلَّ بالعُمرة ، ثم أهلَّ بالحَجِّ، وقد قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (( لَوْلاَ أَنَّ مَعِِىَ الهَدْىَ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ )) وقالت : وأهلَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحَجِّ ؟ فَعُلِمَ ، أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يُهِلَّ فى ابتدء إحرامه بعُمْرة مفردة .. واللَّه أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.