لو كنت مخرجا، وأردت أن تعبر عن مشاعر إنسان وقع في الحب، واستجابت له حبيبته، ماذا تفعل؟ هل تعتمد فقط على ما هو مكتوب نصا في القصة والحوار، أم أنك من الممكن أن تبدع صورة، من خلال الكاميرا؛ لتوظيفها كي تعبر عما يدور في خيالك؟ المخرج الأمريكي الشهير «ديفيد فينشر» له مقولة شهيرة يقول فيها: «أسوأ ما يسمعه أي مخرج، هو: هل هذه اللقطة مهمة؟ هل يمكن حذفها؟». هذا السؤال قد تسأله لنفسك عندما تشاهد فيلم «500 يوم مع سمر» في 2009، للنجم الأمريكي «جوزيف جوردون ليفت»، والنجمة «ذوي ديسكانل»، فالفيلم به عدد من المشاهد واللقطات، قد يراها البعض حشوا، لكنها كانت تحمل معاني عديدة، أراد أن يرسلها المخرج «مارك ويب». من ضمن هذه المشاهد، هو مشهد خروج البطل «توم» من بيته صباحا، منتعشا، نرى الموسيقى في خلفية المشهد، كما نرى الألوان والابتسامات التي يتبادلها «توم» مع الناس جميعا في الشارع، ثم نرى بعد ذلك الرسوم الكرتونية التي تقتحم الصورة، كتعبير عن البهجة والفرح والسعادة. ينتهى المشهد، لكن المتفرج لا يفهم ما الذي حدث، وما السر وراء هذا الاستعراض الغنائي وهذه البهجة؟ الإجابة موجودة في المشهد الذي سبقه، فالبطل «توم» استجابت له حبيبته «سمر»، واستطاع أن يقيم معها علاقة حميمية لأول مرة، لذلك كان هذا المشهد ضروريا؛ ليعبر عن حالة السعادة والبهجة التي غمرته. إن «توم» بسبب الحب أصبح إنسانا مختلفا، سعيدا، يرقص، صدره زاخر بالعطر وحب الحياة، يوزع الابتسامات على الجميع، يصافح هذا ويحضن ذاك. فالمخرج «مارك ويب»، استطاع أن يعبر عن هذه الحالة باستخدام كل القوالب البصرية والموسيقية المتاحة؛ ليعبر عن حالة هذا الحبيب الهائم، فنجد مثلا: «النافورة» تفتح وهو سائر، كأنها ترحب به، ونرى الناس يبادلونه التحية ويبتسمون له، حتى حركة البطل هنا، تبدو متحررة، فالحب حرره من كل قيد، وأعطاه شفافية غريبة، جعلته يحلق في السماء، ويسمو ويعلو في حضن الزمان والمكان. لكن ماذا يشعر الإنسان عندما يخذله حبيبه؟ عندما تخبر «سمر» البطل «توم» بأنهما مجرد صديقين، وأن كل الذي حدث بينهما كان مجرد شعور لم تتأكد منه، فيصرخ في وجهها، ثم يتركها ويغلق الباب خلفه. قد نتوقع أن يقطع المخرج هذا المشهد، ثم يتبعه مباشرة بمشهد آخر مثلا؛ ليركز على حالة البطلة وهي تبكي، أو للبطل وهو يبكي حظه؛ لأن حبيبته خذلته، لكننا تفاجئنا بلقطة غريبة، هذه اللقطة هي صورة ل«توم» وهو ينزل السلم بعد أن تركها وأغلق الباب غاضبا. وضع هذه الكاميرا في الأعلى؛ لتكوين هذه الصورة، يعطي معنى بليغا، المعنى هنا هو أن البطل عندما أحب كان محلقا في السماء، لكن عندما صدمته «سمر» حبيبته، كان لذلك أثر كبير عليه، كأنه سقط من السماء في هوة سحيقة، أو بتعبير أدق، لقد «طلعت به إلى السماء وقذفته إلى أسفل مرة واحدة» وهذا ما تعبر عنه هذه اللقطة. إن الكاميرا تتكلم هنا، بدلا من الممثل، تقول شيئا، كأنها تبكي، تحزن، فالكاميرا كما سبق وعبرت عن فرحتها به في أولى المشاهد، فإنها تبكيه وتلطم معه فى هذه اللحظة أيضا.