الترجمة ذلك العالم الساحر الذي يساهم في نقل الثقافة والحضارة والفكر من نص مكتوب بلغة إلى نص مكتوب بلغة أخرى، لينعم المتلقى بمعارف جديدة، ولولا وجود الترجمة لظلت مجهولة لديه، لا أحد يشكك في أهمية الترجمة بالنسبة لجميع المجتمعات وبخاصة النامية منها، إلا أنها قد تشهد ركودا هنا أو هناك. فقد حققت الترجمة في مصر والدول العربية منذ القرن التاسع عشر نجاحات كبيرة في الأدب والقانون والإدارة لكنها مازالت إلى اليوم دون المستوى الضروري في ميدان العلوم التطبيقية الجزء الأصيل من الثقافة العامة في أي مجتمع معاصر. يشرح الدكتور هشام موسى المالكى، أستاذ الترجمة واللغويات الحاسوبية بقسم اللغة الصينية بألسن عين شمس، واقع الترجمة في مصر والوطن العربي من أزمات ومشكلات، وسبل النهوض بها. يقول المالكي: إن أبرز العقبات أمام حركة الترجمة في الوطن العربى ومصر تحديدًا، تتمثل في تمويل مشروعات الترجمة والعمل المؤسسي سريع الإيقاع وحقوق الملكية الفكرية للأعمال المترجمة وغياب خطة للترجمة على مستوى الاحتياجات الوطنية للترجمة. ويضيف أن اللغة الصينية تتميز بخصائص صوتية وتركيبية ودلالية تؤدى لصعوبة عملية الترجمة التتبعية إلى اللغة العربية التي تختلف عنها اختلافا كبيرا، مما يتسبب في زيادة الوقت المستغرق في عملية المعالجة التي يقوم بها المترجم التتبعى قبل إنتاج الترجمة، وهو ما يوجب إيجاد طريقة خاصة للتدريب على الترجمة التتبعية تتمثل في بناء ذخيرة لغوية. وعن كيفية بناء ذخيرة لغوية لأغراض التدريب على الترجمة التتبعية من الصينية إلى العربية أوضح أن السبيل لذلك يكمن في تصميم منهجية لبناء ذخيرة لغوية تحريرية تتمحور بشكل أساسي حول الرموز والكلمات الأكثر تواترًا في اللغة الصينية الحديثة وفق الإحصائيات الرسمية المعلنة وتحويلها إلى ذخيرة شفهية من خلال قارئ آلي أحيانًا وقارئ بشرى في أحيان أخرى، ثم ترتيب محتوى الذخيرة وفق نسق متدرج من السهولة إلى الصعوبة يلى ذلك بناء الوحدات التدريبية وتصميم المواقف التعليمية. كما أشار إلى برمجية التدريب على الترجمة التتبعية من الصينية إلى العربية، حيث إنها تهدف لرفع كفاءة التدريب على الترجمة التتبعية، وتتكون البرمجية من واجهة افتتاحية تنقل المستخدم إلى نافذة رئيسية بها مجموعة من أزرار التشغيل بعضها لفتح وتشغيل ملفات التدريب المخزنة مسبقًا في قاعدة بيانات ذات هيكلية خاصة، بالإضافة إلى مجموعة من الأزرار لإدارة عمليات تسجيل الترجمة التي يقوم بها المترجم، كما تضم قوائم منسدلة يمكن من خلالها الحصول على بعض الأدوات المساعدة لترجمة المفردات وعرض المتشابهات الصوتية والمترادفات وأسماء الأعلام وما إلى ذلك. وعن الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها المترجم، أكد أن أهم تلك الأخلاقيات على الإطلاق هي توافر الإحساس الوطنى لدى المترجم بالاحتياج المجتمعي الذي يوجهه للأعمال التي يسد بها الثغرات المعرفية الموجودة في مجتمعه، من هنا ينطلق إلى اللغة وأهل اللغة التي يتخصص فيها، ثم الجلد وعدم الاستسهال من المترجمين، فقد يتجه معظم صغار الشباب من المترجمين إلى ترجمة الأدب وانصرفوا عن ترجمة العلوم التطبيقية لأن تلك العلوم بالفعل صعبة وتحتاج لإعداد مهاري ومعرفي عال. ويؤكد على أهمية الملتقيات الدولية والمؤتمرات، من ناحية تبادل الأفكار بين المتخصصين وترابط المترجمين فيما بينهم بدلا من العمل في جزر منعزلة فهى فرصة لتتعرف على مترجمين من دول مختلفة ومعرفة تخصصاتهم وأعمالهم وتقريب الاهتمامات وربما يثمر ذلك عن تعاون في عمل ما، فتمهد الطريق للتحرك الجمعى للمتخصصين ويأخذوا معهم من يحب هذا التخصص ويرغب في التعمق فيه فهو فرصة جيدة للمترجمين الشباب حتى يكتسبوا خبرات في الترجمة فإذا تضمن الملتقى 40 مداخلة مثلًا يكون قد حصل على 40 وحدة تدريبية ممن لديهم باع كبير في هذا المجال على اختلاف تخصصاتهم. وعن الحلول الواجبة للنهوض بحركة الترجمة، قال: "إننا يمكننا ذلك من خلال حلين، أولها يتمثل في أن يقوم كل مترجم ذو خبرة أو مارس الترجمة وأصبح معروفا وله اسم ومنتج ومكانة معترف بها وسط المترجمين بتبنى مجموعة من صغار شباب المترجمين الراغبين في الاشتغال بالترجمة ويتولاهم بترشيح لهم أعمال للترجمة أو يساعدهم في اختيار الموضوعات الجادة بناء على خبرته ويراجع أعمالهم عدة مرات حتى ينموا وينضجوا تحت إشرافه ورعايته ومساعدتهم بالتمويل للنشر وحق الملكية من خلال إحدى دور النشر أو من خلال علاقاته المهم أن يحدث ذلك، في هذه الحالة لو أن جميع اللغات التي يمكن أن يترجم عنها نحو 7 لغات من الممكن في خلال سنة أن يكون لدينا مترجمين معتمدين معترف بهم وأقوياء جدًا في تخصصهم". وتابع:"من خلال توجه مؤسسى ودولة وجامعات وتمويل هذه العملية، وإعطاء شباب المترجمين مجموعة من المؤلفات في العلوم المختلفة وليس الأدب فقط وفق الاحتياج المجتمعى ليترجموها ومراجعتها وتنقيحها مما يكسبهم تغذية راجعة وهو ما يؤدى إلى الاستطراق المعرفى بين أصحاب الخبرات والجدد في مجال الترجمة، باستعارته أو شرائه، وليس صحيحًا القول بأن هذا الفرع من الترجمات العلمية لا يقرأ فهذا النتاج المعرفى في العلوم التطبيقية يمكن إيداعه في المكتبات المتخصصة بالكليات والمكتبات العامة وهو ما سيحدث فرقا شاسعا في تنمية المجتمع والتشجيع على البحث العلمى خصوصًا وأن هناك فقر كامل ويكاد يكون إنعدام الترجمات باللغة العربية في أقسام الكليات المختلفة، وإنما نجد ترجمات قيمة منذ المشروع الناصرى لكنها قديمة جدًا فأين الجديد". كما أوضح المالكي أن الثقة لابد من تواجدها بين كل من الناشر والكاتب الأجنبي بالمترجم المصرى حتى يحدث ما نرمي إليه، وسيأتى ذلك شريطة توفر رعاية مؤسسية وأن نحظر تمامًا ترك العمل للمترجمين والشباب بالذات بشكل فردى إما غدا أو بعد فترة ولكنها تحتاج لتوجه سياسي وإمكانيات، فلا يترك المترجم بشكل متناثر يحفر لنفسه الطريق، ينجح أو لا إنضاجه وهذا مهم جدا لأن المترجم هو الذي يتصدر القافلة وهو القاطرة التي تجر الناس كلها ورائها فمن غير المتصور أن يتعلم الجميع لغة أجنبية إنما معقول أن يتعلم 1% منهم لغة أجنبية وينقلوا للآخرين العلوم الأخرى حتى يستفادوا منها في تخصصاتهم المختلفة.