نور يشع على العالم الأزهر منارة العلم وقلعة الإسلام .. ينشر قيم التسامح فى ربوع الأرض قادة وزعماء يعرفون قيمته الكبرى .. ومصر الحديثة قامت على أكتاف علمائه كتب- محمود علوان لعلّ أفضل ما صنع الفاطميون طوال تاريخهم لمصر وللعالم الإسلامى ذلك البناء الشامخ القائم على أرض مصر، وهو الجامع الأزهر العتيق، والذى كان، ومازال بيتًا من بيوت اللَّه يعمر النفوس بالإيمان ويهديها سواء السبيل، وينهض إلى جانب هذا برسالة أخرى حمل بها عبء المعارف الإسلامية بعد سقوط بغداد، وصار مأذنة العلم الدينى، ومنارة العلوم الدنيوية لكل الراغبين فى التعلم من كل الأقطار. ولا يكتفى الأزهر الشريف بتدريس العلوم الدينية والدنيوية فقط، بل يمارس دوره المنوط به فى نشر الثقافة الإسلامية على امتداد ربوع العالم الإسلامى، وغيره، وتتمثل رسالة الأزهر فى إرسال البعثات الدينية لتثقيف الجاليات المسلمة فى بلاد غير المسلمين، وتفقيههم فى أمور دينهم ودناياهم. وقد حرص الأزهر على هذا الأمر حرص منذ زمن بعيد باعتباره مؤسسة تحمل لواء الإسلام وأصبحت المؤسسة الإسلامية الأولى فى العالم التى يقصدها طلاب العلم من كل حدب وصوب، وهى تقدم يد العون لكل قاصد يتعلم علوم الإسلام، كما يرسل الأزهر البعثات التنويرية إلى كل بلدان العالم، خاصة فى دول أفريقيا وآسيا وأوربا، ففى أفريقيا يوجد الأزهر فى أكثر من 30 دولة ببعثاته العلمية وبتقديمه يد العون والمساعدة للطلاب الوافدين من تلك البلدان. وهذا الأمر ليس بجديد على الأزهر الذى كان علماؤه فى أول النهضة المصرية روادها، وكانوا الباعثين لها، حيث كان بعضهم داعية إلى التجديد وبعضهم مدرسا فى المدارس التى أنشئت فى عهد محمد على، وآخرون حرروا أوائل الصحف وفريق سافر فى بعثات إلى أوربا ثم عادوا فكانوا بناة النهضة وطلائع الإصلاح. ومن هؤلاء رفاعة رافع الطهطاوى، ومحمد على البقلى، وعلى مبارك، وذلك قبل أن تعرف الجامعة طريقها إلى مصر، وقبل إنشاء المدارس العالية، حتى إذا أنشئت مدرسة دار العلوم كان طلابها وأساتذتها من الأزهريين، ولما أنشئت الجامعة المصرية كان عدد كبير من روادها والرعيل الأول منهم من طلاب الأزهر، ولعل خير دليل على ذلك الدكتور طه حسين الذى كان طالبا أزهريا ذاع صيته فى الآفاق كأستاذ جامعى حتى وصل إلى عمادة الأدب العربى. وفى بداية عصر التنوير عندما كثرت الصحف كان كثير من الأزهريين من المحررين والمصححين فيها، وكان منهم مصححو الكتب القديمة، والمشرفون على نشرها. وكان القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له بمثابة بعث جديد للأزهر، حيث نص فى بعض مواده على أن: الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليه ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وآثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس فى الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمى والفكرى للأمة العربية وإظهار أثر العرب فى تطور الإنسانية وتقدمها، وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامى والوطن العربى بالمختصين وأصحاب الرأى فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافية الدينية والعربية ولغة القرآن, وتخريج علماء عاملين متفقهين فى الدين، يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة، والربط بين العقيدة والسلوك. ونص القانون ايضا على ان الهيئة تقوم بتأهيل عالم الدين للمشاركة فى كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة، وعالم الدنيا للمشاركة فى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات الإسلامية والعربية والأجنبية، ومقره القاهرة، ويتبع رئاسة الجمهورية". ودور الأزهر فى نشر الثقافة والتراث الإسلامى على مستوى العالم واضح وضوح الشمس وقد استرعى انتباه عدد كبير من قادة الدول الإسلامية الذين فطنوا لما للأزهر من أهمية كبرى، وعبر عن ذلك رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان خلال لقائه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وذلك باشادته بالدور العالمى للأزهر الشريف فى نشر الوسطية والاعتدال فى العالم الإسلامى طوال أكثر من ألف عام، وبتأكيده أن الأزهر منارة العلوم الإسلامية والمرجعية الأولى والكبرى للمسلمين السنة فى جميع أنحاء العالم. وما لا يمكن إنكاره هو أن الأزهر الشريف يلعب دوراً هاماً فى نشر فكر الاعتدال والوسطية ويبذل مساعيه لتحقيق الأمن والسلام والتسامح الدينى والاهتمام بالحوار بين الأديان، وقد وسع الأزهر نشاطاته فى هذا الجانب من حلال تأسيس ما سماه "الرابطة العالمية لخريجى الأزهر" فى القاهرة وإنشاء شبكة لفروع هذه الرابطة على المستوى العالمى من أجل مواصلة الجهود الرامية إلى نشر فكر الاعتدال والوسطية وتحقيق الوحدة بين صفوف أفراد الأمة الإسلامية، وتمتد تلك الشبكة فى دول باكستان، إندونسيا، فلسطين، الكويت، بريطانيا، الهند، الولاياتالمتحدةالأمريكية، ماليزيا، الصومال، السودان. ولقد تأسست الرابطة كمنظمة غير حكومية مشهرة بجمهورية مصر العربية ووفقاً للقانون المصرى تحت رقم (7145) لسنة 2007م الموافق 1428ه على يد مجموعة من كبار العلماء الأفاضل، وفى مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهرالشريف السابق والأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق والأستاذ الدكتور أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر حينذاك ومجموعة أخرى من العلماء. وكان الغرض من تلك الرابطة إنشاء كيان يعمل على تعضيد التواصل بين الأزهر وأبنائه فى كل ربوع العالم وإحياء الدور العالمى للأزهر ومنهجيته الوسطية، والحفاظ على هوية الأمة وتراثها والدفاع عن قيم الإسلام والوقوف فى وجه حملات التشكيك والتشويه المغرضة التى يتعرض لها.