يبدو أننا سنظل نشعر أن الأمس أفضل من اليوم، وأن الغد سيكون أصعب من اليوم.. وهذه مسألة ضد التطور الطبيعي للتقدم والأساليب الحديثة في الإدارة والسياسة والاقتصاد وشئون الحكم، والحياة بشكل عام باعتبار أن اليوم هو تراكم لتجارب الأمس، ولابد أن يكون هو الأفضل في كل شيء. لكن تجاهل كل ما مضي من عبر ودروس والإصرار على التصرف بدون خلفية تاريخية، حتما يؤدي إلى أوضاع عشوائية وضبابية على عكس سنة الكون، وإمكانيات العقل البشري الذي خلقه الله ليتدبر ويتعلم ويستفيد من كل ما سبقه وما يجري من حوله ليصدر الأصوب من القرارات التي تحقق الرضا للنفوس والراحة للأبدان والحياة الكريمة للناس في مختلف شئون حياتهم. وجاءت حكمة الشورى في الإسلام لهذا الغرض، وتطورت منها فكرة الديمقراطية التي توفر المناخ المناسب للجميع للإدلاء بآرائهم حتى نصل للرأي الصائب لكل حدث، فيتجنب المجتمع الأخطاء الكارثية، ورغم أن هذا الأمر بديهي لكن يبدو أن الديمقراطية لابد أن تكون عقيدة راسخة لدى الإنسان حتى يؤمن بها ويطبقها وما دون ذلك تظل مجرد شعارات وتصريحات. وتوقفت كثيرا أمام كلام الرئيس الراحل أنور السادات في حديث تليفزيوني له مع الإعلامية همت مصطفى في نهاية 1980، أي قبل اغتياله بوقت وجيز، حيث قال:»عشت حياتي مؤمنا بأن الديكتاتورية هي الأنسب لبعض الدول ومنها مصر، لكني الآن مقتنع تماما بأن مساوئ الديمقراطية طوال دهر كامل لا تساوي شيئا أمام أخطاء الديكتاتورية في يوم واحد».. كلام خطير من رجل في خبرة وحنكة السادات الذي تميز بدهائه السياسي سواء اتفقنا أو اختلفنا على تجربة حكمه.. لكن المهم في المسألة أن السادات نفسه وبعد هذا الكلام لم يطبق الديمقراطية، عندما أقدم على اعتقالات سبتمبر 81، وقد يكون السبب في ذلك عدم رسوخ عقيدة الديمقراطية في وجدانه وتكوينه النفسي والفكري، رغم أنه أطلق التعددية الحزبية وفتح المجال للنقاش العام، لكن سيظل تطبيق الديمقراطية بشكل حقيقي مرهونا بمدي إيمان الشخص بها إيمانا حقيقيا بعيدا عن استخدامها فقط في الشعارات!!