* القرآن ليس كتاب تاريخ والقصص القرآني الهدف منه العبرة والموعظة * نحن لا نتحرر من الله أو من القرآن بل نتحرر منذ الفتنة الكبرى * زوجي كان يدعو إلى إعمال العقل وتحريره من سلطة بعض المشايخ * الدولة لم تستشعر خطر الإسلام السياسي حتى الآن * التيار الديني والنظم الديكتاتورية لا يستغنيان عن بعضهما إلا عند توزيع الغنائم * مشكلة الأزهر هي مشكلة مصر كلها وإذا استمر هذا الحال سيتدهور * الشباب «مِتداس عليه» ولا أحد ينظر إليه * علينا الاختيار أن يكون الأزهر تابعا للحكومة أم منارة للعالم الإسلامي السني * «نصر» كان مؤمنًا بالله.. والمسترزقون من الإسلام أعلنوا الحرب عليه * نبوءة نصر تحققت وكان حلم حياته أن تأتي جماعة الإخوان للحكم مرة واحدة * جمود الخطاب الديني ليس وليد الفترة الراهنة * استقلال الأزهر.. الخطوة الأولى في تجديد الخطاب الديني قالت الدكتورة ابتهال يونس، أستاذ الأدب الفرنسي في كلية الآداب جامعة القاهرة، زوجة المفكر الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد، إن زوجها لم يدعُ إلى التحرر من الله والقرآن، ولكنه كان يخشى إقحام الدين كسلطة في السياسة خوفًا من احتراقه، على حد قوله. وعندما تطرق الحديث إلى الدعوات التي تنادي إلى استقلالية مشيخة الأزهر الشريف عن الدولة، قالت زوجة أبو زيد، أن استقلال الأزهر عن الدولة سيجعله منبرًا سُنِّيًّا للعالم العربي بأكمله، وأنه لا قداسة لغير الله عز وجل، ولا معنى لقانون «ازدراء الأديان».. وحول رؤيتها لهذا الأمر.. وأمور أخرى كان الحوار التالي على هامش المؤتمر: مؤخرًا.. اختتمت مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية مؤتمرها الثاني «القرآن من النص إلى الخطاب».. فما الهدف من إنشاء المؤسسة؟ مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية أنشئت في 2011، وهي مؤسسة غير ربحية، هدفها خدمة شباب الباحثين، إلى جانب إتاحة الفرصة لهم للتعرض لكل كتب الدراسات الإسلامية حتى يتمكنوا من إتمام أبحاثهم وتشجيعهم على تقديم أطروحاتهم في مجال البحث العلمي الإسلامي، لأنهم هم قائدو المستقبل. بالتزامن مع رحيل جماعة الإخوان عن الحكم تعالت في الأفق أصوات تشير إلى أن تجديد الخطاب الديني أمر ضروري لردع الأفكار المتطرفة، من وجهة نظرك هل نحتاج إلى تجديد الخطاب الديني التراثي أم تجديد الخطاب القرآني؟ الدعوة لتجديد الخطاب الدينى لم تكن وليدة المرحلة الحالية، فقد بدأت المطالبة بها منذ أيام حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، لكن للأسف ما فهم من كلمة تجديد الخطاب الدينى أنها «خطبة الجمعة»، وبناءً على هذا الفهم خرجوا بمقترح الخطبة الموحدة، والمفترض أن ما نسميه "التجديد" هو الخطاب الذي يدور حول القرآن الكريم، فالقرآن أُنزل على العرب في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، والفقهاء والمفسرون فهموه وفق معطيات البيئة والعصر الذي كانوا يعيشون فيه. ونحن نقول إن القرآن صالح لكل زمان ومكان، وليس الفهم الأول له، والإنسان عبر القرون كلما تزداد معرفته ومعلوماته يفهم أشياء في القرآن أتحدى أن يقول أحد إن الصحابة كانوا يفهمونها، ومثال على ذلك آية 27 في سورة الحج: {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» و«من كل فج عميق» الصحابة فهموها من جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، وربما ظن البعض من اليمن والشام وإثيوبيا ومصر، فهل كانوا يعرفون أن أكبر دولة مسلمين في العالم اسمها إندونيسيا سيكون بها 200 مليون مسلم. واليوم عندما نذهب للحج نفهم هذه الآية بشكل أوسع؛ لأنه بالفعل نجد الحجاج من كل «خرم إبرة» في الكرة الأرضية، فالصحابة لم تكن لديهم معلومات جغرافية مثل التي نمتلكها الآن، وهنا الآية ثابتة ولكن تطور معناها عندما تطورت معرفتنا، وهنا لا يصح أن نسير تفسيرات للقرآن من قرون مضت، ولذلك علينا إعادة القراءة وفقًا لاكتشافاتنا العلمية ومعلوماتنا، حتى يكون القرآن صالحًا لكل زمان ومكان وهذه نقطة مهمة في تجديد الخطاب الدينى. وإذا أخذنا الأمر حرفيًا، فعلينا أن نعيد العبودية والرق على اعتبار أنهما موجودتان في القرآن، أيضًا هناك مشكلة أخرى تواجه رافضى التجديد، وهى أن القرآن ليس كتاب تاريخ فالقصص القرآنى الهدف منه العبرة والموعظة، كما أنه ليس علومًا أو كيمياء فلا نحمل القرآن ما لا طاقة به، أيضًا نجد الكثيرين يقولون إن الديمقراطية موجودة في القرآن وهذا غير صحيح، فالقرآن فتح سككًا للتطور، وإذا عدنا إلى مسألة الرق وما نواجهه من العاملين في مجال حقوق الإنسان بأن القرآن لم يلغ العبودية، فهذا حقيقى لم يقدر على إلغائها في القرن ال7 الميلادى، ولكن عندما نقرأه بدقة نجد آيات عتق وتحرير الرقبة وهذا يعنى سعيه إلى إلغاء العبودية، فجوهر الدين ليس الأحكام ولكن المبادئ التي تصلح للإنسانية كلها والركائز الخمس للإسلام. الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد نادي منذ أكثر من 20 عامًا بضروة تجديد الفكر الديني.. فهل كان يرى مستقبل الخطاب وجموده؟ جمود الخطاب الديني ليس وليد الفترة الراهنة، والدكتور نصر رأى ضرورة في تجديده لاستمرارنا كمسلمين، حتى التيار العقلاني، وكان يقول أيضًا إن ابن رشد رائع ولكن في زمنه، ولا أستطيع تطبيق أفكاره في القرن ال21، ولكن علينا تطوير فكره، والمشكلة أنه في لحظات ضعف الأمم والدول، الإنسان يكون خائفًا ويرجع إلى التراث الذي فيه الغث والثمين، وعلينا دراسته بدقة ونستخلص منه ما يفيدنا ونكمل عليه، ولكن لا نطبق كلام فقهاء القرن السابع. إذا كان نصر حامد أبو زيد عاصر عهد الإخوان في الحكم فكيف كان موقفه منهم وتجاه أفكارهم المتطرفة؟ نبوءة نصر تحققت، فقد كان حلم حياته أن تأتى جماعة الإخوان في الحكم مرة واحدة، فكان دائمًا يقول: «عشان الشعب يذوق ثمن الفاكهة المحرمة ويجرب»، وتضايق بشدة عندما تدخل الجيش في الجزائر وألغى الانتخابات بعدما كسبتها جبهة الإنقاذ الإسلامى، وقال لهم: «سيبهم يحكموا»، وفى مصر بعدما وصل الإخوان للحكم كنت أعلم أنهم لن يكملوا العام وفقًا لمعطيات "نصر" الأولى، فالشعب المصرى دائمًا يكون متعاطفًا مع أي تيار سياسي ضد الحكومة، وكان يرى الإخوان مضطهدين وأنهم "بتوع ربنا"، وعندما ذاق الشعب شعارات «الإسلام هو الحل» وكيف يتعامل المتحدثون باسم الله انقلب عليهم فورًا، وبالمقارنة من أتى بهتلر للحكم هو الشعب الألماني نفسه، وعندما جرب حكمه ودفع الثمن، لم يتكرر هتلر آخر. وكيف كان الدكتور نصر حامد أبو زيد يرى الإخوان؟ "نصر" كان إخوانيًا منذ صغره، ولكنه كان مفكرًا حرًا، لا يقبل فرض وصاية عليه، فانفصل عن الجماعة لأنه لم يقبل فرض الأمر والطاعة وخلط الدين بالسياسة عندهم، وكان دائمًا يقول «عندما يتحول الدين إلى وقود حتى تسير عربة السياسة، يحترق الدين» ولذلك فهو كان أكثر المنادين باستقلال الأزهر، وأن يكون شيخ الأزهر منتخبًا وليس معينًا، حتى نضمن أن تكون فتاوى الأزهر مستقلة وليست فتاوى للسلطان. في الوقت الحالي كيف ترين تعاطي مؤسسة الأزهر مع ملف التجديد؟ لدينا داخل الأزهر شباب واع ويمتلك أفكارًا حقيقية نحو تجديد الخطاب الديني، لكنهم للأسف لم يأخذوا فرصتهم في التعبير عن آرائهم، بسبب الكبار المسيطرين على الأزهر، وأذكر عندما كنا في هولندا فوجئت أن جامعة "لايدن" أعطت أعلى درجة في الماجستير لثلاثة وهم مصريون قادمون من جامعة الأزهر دارسين فقهًا وشريعة باللغة الإنجليزية. ومشكلة الأزهر هي مشكلة مصر كلها، فالشباب "مِتداس عليه" ولا أحد ينظر إليه، وفى رأيى إذا استمر هذا الحال سيتدهور الأزهر، وعلينا أن نختار هل نريد أن يكون الأزهر مؤسسة تابعة للحكومة المصرية أم منارة للعالم الإسلامى السني؟ وفى تاريخ الأزهر تولاه مرتين شيخان ليسا مصريين، وبالتالى استقلاله سيساعد في تجديد الخطاب الدينى مع تمكين الشباب لضخ دماء جديدة. بصفتك أستاذة حضارة فرنسية هل كنت تشاركين أبو زيد أفكاره وكتبه؟ وكيف كانت العلاقة الفكرية بينكما؟ بالفعل كنت أشاركه في أفكاره وكتبه، فكان قبل أن ينشر أي موضوع جديد يقرأه لي أولًا، ويستمع جيدًا لملاحظاتي باعتباري غير متخصصة، فإذا فهمت فالناس ستفهم، والعكس كان يحدث أيضًا، حيث إنه كان يقرأ شغلي قبل نشره، فكان التعاون الفكري بيننا مستمرًا ومتكاملًا خصوصًا عندما ذهبنا إلى أوروبا؛ لأنه لم يكن يعرفها، في حين كنت قد تربيت فيها، وكان هناك مشروع أن نصدر كتابًا سويًا، لكن الأجل لم يمهلنا ذلك، فكانت العلاقة بيننا علاقة زمالة والأفكار المشتركة ووحدة المصير، وكنت قد تزوجت نصر لأننى كنت مؤمنة بأفكاره. وهل المحنة التي مرت بكما في تسعينيات القرن الماضى وقضية التكفير الشهيرة لأبو زيد هي الدافع وراء تعمقك في الدراسات الإسلامية؟ لست أستاذ حضارة فرنسية فقط لكننى متخصصة في الحضارة المقارنة، والدين جزء من الحضارة، ولى شغل كثير في المقارنات في الغرب في الدراسات الإسلامية ولكن كنت أكتبه باللغة الفرنسية، وجاء نصر وقال لى: «إنتوا دلوقتي عاملين فيها خواجات، ومين هيقرالكو في مصر، وواجبكم أن تترجموا لنا ما لا نعرفه ولا نستطع فهمه بتلك اللغات وأن الأمانة اللى في رقبتكم أن توصلوا لنا ما لا نستطيع الوصول إليه باللغة الأصلية»، وكنت قد وعدته بالكتابة باللغة العربية، وفى نفس الوقت الدراسات الإسلامية كانت جزءًا من عملي. إذا كنا قد طبقنا نظرية أبو زيد في تحرر «سلطة النص»، هل كنا نستطيع تغيير مفهوم "الإسلاموفوبيا" عند الغرب؟ الموضوع له شق آخر، فلا بد أن نضع أنفسنا مكان رجل الشارع في أوروبا، الذي لا يرى في الإعلام إلا التفجيرات ولا يرى في الصحف صورًا لمصر إلا العربية الكارو التي يجرها الحمار، فالتحرر من السلطة فهم خطأ، فنحن لا نتحرر من الله أو القرآن، بل نتحرر منذ الواقعة الشهيرة «حادثة الفتنة الكبرى ورفع المصاحب على أسنة الرماح» في موقعة سياسية، حيث استخدم القرآن كسلطة لخدمة السياسة، ولا تشغلنى نظرة الغرب الآن، لكن ما يهمنى أن ننهض نحن بالدين والدولة، وإذا كنا نريد إنقاذ مصر خلال الخمسين سنة المقبلة الآن علينا البدء في وضع بذرة الإصلاح حتى يجد الشباب التربة الخصبة، وكان نصر يضع الأبحاث غير منشغل برؤية نتائجها سريعًا ليرى مصر التي يحلم بها، ولكن كان يضعها للأجيال القادمة سواء على المستوى الدينى أو السياسي. وما أبرز القضايا التي جلبت لنصر أبو زيد الأزمات؟ لا نستطع تحديدها في قضية واحدة أو عدة قضايا، لأنها كانت كلها «تلاكيك» ولكن كانت خطورة "نصر" أنه كان يسحب السجادة من تحت أقدام المسترزقين من الدين، فكانوا يعلمون جيدًا أنه رجل مؤمن، ولو كان "نصر" رجلًا كافرًا وملحدًا كانوا تركوه في حاله، لكنه كان يدعو إلى إعمال العقل وتحريره من سلطة كلام بعض المشايخ الذين يستغلون سذاجة وجهل البسطاء، بالإضافة إلى دعوته للتحرر والديمقراطية. هل استشعار الدولة مؤخرًا بخطر تغول الإسلام السياسي ودعوتها للتجديد يمكن القول إنه يرد اعتبار الدكتور نصر؟ الدولة لم تستشعر هذا الخطر حتى الآن، فما حدث هو استبدال الإخوان بالسلفيين، وبشكل عام التيار الدينى والنظم الديكتاتورية لا يستغنون عن بعضهم البعض مطلقًا إلا عند توزيع الغنائم. الحوار منقول بتصرف من النسخة الورقية ل "فيتو"