«فيك وفى إرادتك تتجلى قوة المرأة مانحة الحياة والحب والنبل».. كانت هذه كلمات كتبها المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، فى إهداء كتابه «دوائر الخوف»، لزوجته الدكتورة ابتهال يونس، أستاذ الأدب الفرنسى. «البوابة» التقت الدكتورة ابتهال، حيث تحدثت عن وضع المرأة العربية، وعلاقتها بالنظام والمجتمع، كما تطرقت لبعض ذكرياتها مع زوجها. ■ كيف تقيمين وضع المرأة داخل الوطن العربى؟ - مكانة المرأة تراجعت بشكل كبير فى الوطن العربي، فقد أصبحت شيئًا هامشيًا، والسلوكيات التى تمارس تجاهها تنبع من النظر إليها على أنها أقل من الرجل أو «عورة»، وكل الأنظمة السياسية التى تولت الحكم فى مصر لم تختلف فى تعاملها مع قضية المرأة، فجميعها تضطهد النساء اجتماعيًا، ودينيًا، وسياسيًا. ■ وبعد إسقاط حكم «الإخوان».. هل زال الخطر الذى يهدد المرأة المصرية؟ - الخطورة مازالت مستمرة لأننا أسقطنا «الإخوان» واستبدلناهم بالسلفيين، فلا فارق كبير فى حقيقة الأمر، ولابد من القضاء على الديكتاتوريات بجميع أشكالها سواء نظامية أو دينية، حتى نضمن للمرأة حقوقها. ■ هل تعتقدين بوجود «علاقة خفية» بين التيار السلفى والنظام الحالي؟ - بكل تأكيد.. النظام الحالي «يربى السلفيين فى أحضانه»، ولا أعرف السر فى ذلك، فالسلفيون أصبحوا منتشرين فى كل مكان، ومسيطرين على كل مؤسسات الدولة، سياسيًا من خلال حزب النور، وفى الشوارع من خلال إحكام قبضتهم على المساجد والزوايا، باختصار الإسلام السياسى لم يعد فى الحكم لكنه لا يزال مسيطرًا على المجتمع. ■ كيف يمكن أن تحافظ المرأة على مكانتها فى المجتمع؟ - يجب أن تسعى لتحرير المجتمع من أفكاره الرجعية والمتطرفة لكى تسترد حقوقها، ولكن من الأصل لا توجد رغبة حقيقية فى التخلص من سيطرة الأفكار المتطرفة التى لا تؤمن بحرية المرأة. ■ لماذا لا توجد رغبة فى التخلص من هذه الأفكار؟ - لأن كل المؤسسات فى مصر تحتاج إلى تغيير ومزيد من التفتح، فهناك بعض أساتذة الجامعات - إن لم يكن جميعهم - مخهم فارغ، والطبقة المتوسطة كلها «أنصاف متعلمين» معهم شهادات جامعية لكن «مخهم منغلق»، ويصدقون أى شخص يتحدث. ■ أنتِ أستاذة جامعية.. ما رأيك فى الدراسة داخل جامعة الأزهر؟ - سيئة للغاية، فطلاب الأزهر لا يدرسون الكتب الحقيقية، فلا يتعلمون فى كتب الإمام الشافعى ولا مالك ولا غيرهما، لكنهم يدرسون كتب شرح الشرح، فلابد من تعديل مناهج الأزهر على نحو يتوافق مع القرن الواحد والعشرين. التعليم الأزهرى أصبح كارثة حقيقية خاصة فى أيام شيخ الأزهر الإخوانى «جاد الحق»، الذى فتح باب الجامعة للفكر الوهابى المتطرف، فالأزهر لم يكن الجامعة الإسلامية الوحيدة الموجودة فى العالم، لكن مكانته المنفردة كانت منبعثة من مكانة مصر، فعندما تراجعت مكانة مصر دوليًا تراجعت معه مكانة الأزهر، ثم إن هناك كارثة حقيقية تعد السبب الرئيسى فى تراجع مكانة الأزهر، وهى «تعيين شيخ الازهر»، فهل هناك سعى لأن يكون الأزهر أكبر منارة سنية؟ أم أن السعى الحقيقى أن يكون الأزهر تابعًا للحكومة المصرية؟، ولذلك من الضرورى استقلال الأزهر من خلال انتخاب شيخه من داخله. ■ ألا ترين الأزهر ممثلًا للنموذج الإسلامى الوسطي؟ - هذا هراء.. ما أراه هو تحويل الأزهر إلى «الكنيسة البابوية» بأن يكون صاحب الكلمة فى الإسلام، وذلك على الرغم من أن الإسلام يتعارض مع «فكرة الكهنوت»، فكان يقول «نصر» دائمًا: «شيخ الأزهر زيه زيى لسنا إلا باحثين»، فكانت من أكثر الأشياء التى كان يبدى استياءه منها، عندما أصدر قانون إصلاح الأزهر فى الستينيات، وتم إطلاق مصطلح «الإمام الأكبر» فكان يقول «أبو زيد»: «أكبر على مين يعنى هو مجتهد وأنا مجتهد». ■ ننتقل للحديث عن الدكتور نصر.. ماذا عن نصر حامد أبو زيد الزوج؟ - «نصر» الزوج والمفكر لا يمكن الفصل بينهما، لأن «نصر» كان من المفكرين والباحثين الذين تتطابق أفعالهم مع أقوالهم، خاصة فيما يخص قضايا المرأة، لدرجة أنه كان يرى أن المرأة أفضل من الرجل وأكثر قدرة على تحمل المتاعب. ■ حدثينى عن مشاعركما عقب صدور حكم التفريق بينكما؟ - ياه.. إحنا كده هنرجع 20 سنة للخلف، بس أهم حاجة ممكن أقولها إننا لم نشعر بالانكسار ولو للحظة، لأن أنا وهو كنا نؤمن أن الوقوع فى فخ «الضحية» لن يكون له نتيجة سوى عدم القدرة على المضى قدمًا، كما أننا لم نعتبرها قضية ضدنا شخصيًا، لكن اعتبرناها قضية مجتمعية ضد حرية الفكر بشكل عام، وزوجى قال وقتها: «الحكم ده مش ضد نصر، لا ده ضد حرية الرأى وإحنا بالصدفة جات فينا»، أما عنى فلم أهتم بالحكم للحظة، وكان يثير سخريتى كأستاذة جامعية يريدون تزويجها وتطليقها على مزاجهم، حتى أنى قلت: «لما أبقى أحب أطلق جوزى هطلقه بنفسى خاصة أن العصمة فى يدي». ■ كيف كان يتقبل الاتهامات له بالكفر والإلحاد؟ - فى بداية الأمر كان يغضب كثيرًا، لكن بعد مرور الوقت واعتياده على صراخ المتطرفين الذين لا يفقهون شيئا، أصبح لا يهتم ويقول: «لن أدخل فى سجال مع من لا يُعمل عقله، ولن أرد على كل من يكتب مقالًا ضدي، لأنهم كده هيوصلوا للى عاوزينه من وقوف البحث العلمى الدينى». ■ متى بدأ يشعر «أبو زيد» بالخطر الحقيقى من تفشى التشدد الديني؟ - منذ بدء الحقبة التى كانت تهرب فيها الأسر المصرية للعمل فى الخليج وخاصة السعودية والعودة بأبنائهم بعد التشبع بالفكر الوهابى السعودي، وكان «نصر» يطلق على هذا العصر «عصر شيوخ الديليفرى»، فهذه الظروف جعلت الناس لا تلجأ للبحث والتفكير، بل كانت تستسهل الاعتماد على غيرهم من الشيوخ، وهنا كانت مهمة «نصر» فكان يقول دائمًا: «أنا مش مهمتى توفير حلول لكم أنا مهمتى أخليكوا تفكروا»، حتى أنى أذكر ذات مرة داخل كلية الآداب قسم اللغة العربية، التى تعد بيت الأديب والمفكر العظيم «طه حسين»، جاء طالب وقال لنصر: «عارف يا دكتور إن طه حسين كان ماسك قلم أحمر وبيصلح القرآن»، فرد عليه «أبو زيد» ساخرًا: «طه حسين الكفيف الذى لا يعرف الأحمر من الأخضر صحح القرآن؟»، فالطالب بمنتهى الغباء أصر على كلامه مبررًا أن الشيخ فى الجامع هو الذى قال ذلك، وكانت إجابة «أبو زيد»: «أنت لسه بتسأل؟ ما تشغل مخك؟».. لكن هم لا يريدون التفكير وهذا أكثر ما كان يزيد من هموم «نصر» أن «مفيش حد عاوز يفكر»، وفى الوقت نفسه طلاب علم ومتفوقون يقدسون مشايخ لا يفكون الخط. ■ لماذا بكى نصر حامد أبو زيد وقال لك «ضيعوا البلد» ؟ - بسبب انتشار الفساد، خاصة بعد سفر «السادات» إلى إسرائيل، والدخول فى عصر الانفتاح الاقتصادى فقال لي: «يا ابتهال الفساد بقى حاجة مكلكعة فى البلد وصعب نفكها». ■ هل كان يتوقع وصول التطرف الدينى إلى ظهور «داعش»؟ - كان يتوقع أن يصل المشهد إلى أكثر من ذلك، فتنبأ بأن إهمال التعليم الذى لا يعتمد على صناعة العلم على قدر اهتمامه بالحفظ «صم»، وتركه على حاله، لن تكون له نتيجة غير تفشى التطرف الديني، وذلك لأن التعليم لم يشجع على التفكير وإعمال العقل، وهذا المناخ يساعد على انتشار تلك الجماعات الصماء، والدليل على ذلك أننا نلاحظ أنه منذ أيام «السادات» والجماعات الإسلامية معاقلها كليات العلوم البحتة التى تعتمد على المعادلات الثابتة مثل «الطب» و«الهندسة»، لكن كليات العلوم الإنسانية تشجع على إعمال العقل والبحث والتفكير، وتلك المصطلحات بالنسبة لهم كفر ورجس من عمل الشيطان. ■ كيف كان يرى «أبوزيد» هؤلاء الشيوخ؟ - لم يكن «نصر» وحده، لكن جميع المفكرين والأدباء كانت لهم صورة معينة عن «شيوخ الديليفرى»، حتى عندما نقرأ لتوفيق الحكيم أو طه حسين أو نجيب محفوظ، نجد أن صورة الشيخ تكون بكرش، وكذاب، ولا يتحكم فى شهواته تجاه النساء، مما يعنى أنها صورة منفرة، حتى اقتحمت مصر الحقبة الوهابية التى جعلت هؤلاء الشيوخ فى منزلة «إلهكم الأعلى». ■ ننتقل إلى ملف آخر.. ما السبب فى اختلاف البعض فى تفسير مفاهيم القرآن الكريم؟ - لأن الناس حافظون للقرآن «صم»، ولكنهم لم يقرأوه بعقولهم، لدرجة أنه أحيانًا أكون فى بعض الأحاديث ومع باحثين كبار وأقول لهم على بعض المفاهيم القرآنية، فيسألون من أين جئت بهذا؟، فأقول لهم الآية الفلانية من سورة كذا، ويفاجأون بها، فمن بين تلك الآيات الله عندما تحدث عن الأصنام قال «الأوثان» لسيدنا إبراهيم، ولكن فى آية أخرى قال إن الجن سخرهم لسليمان لكى يصنعوا له «تماثيل»، فلو كانت التماثيل حرام، فهل ربنا سيسخر له الجن ليعملوا له شيئا حراما، شيء آخر الجميع يتحدث عن نص القرآن على حد المرأة الناشز، والجميع أيضًا يغفل أن فى الآية 159 من سورة النساء، ربنا تحدث عن الرجال الناشز، فهم يضعون المصحف والقرآن أيقونة لكى تزين «الصالون» فقط، فقراءة القرآن تحتاج إلى إعمال العقل، حتى فى معرفة ترتيب الآيات. ■ ما رأيك فى محاولات البعض فى الوقت الحالى تجديد الخطاب الديني؟ - على رأى «نصر»: «من الواضح أن المؤسسات الرسمية فهمت أن تجديد الخطاب الدينى يعنى تجديد خطبة الجمعة»، فهم لا يعرفون أن التجديد فى خطاب الدين يحتاج إلى تنقية كتب التراث من المغلوطات التى تحتوى عليها، إضافة إلى ضرورة تفسير المفاهيم الدينية من جانب علماء مختصين، ومن ناحية أخرى، فمعظم من يعمل على هذه المسألة فى الوقت الحالى مستفزون وسطحيون، ويعتمدون فقط على توضيح الكوارث والأخطاء الموجودة فى التراث الإسلامى دون تصحيحه، وهذا ليس وقته خاصة أن الناس تخاف من مسألة «التجديد»، فمن الممكن تصحيح «التراث» دون الإساءة إليه، فكلنا يعرف أنه مليء ب«الزبالة» لكن دعونا نركز على الخط العقلانى فى الإسلام، وفى النهاية أحترم حريتهم وآراءهم، وأقف معهم ضد اضطهاد الأزهر لهم». ■ هل مسألة تجديد الخطاب الدينى بالأمر السهل؟ - بالطبع لا، أمامنا ليس أقل من 20 عامًا حتى نفهم فقط معنى كلمة «تجديد الخطاب الديني»، وأنا أقول لو كانت هناك رغبة حقيقية للتجديد، وأنا أشك فى ذلك، «يورونى شطارتهم ويدرسوا كتب ناصر أبو زيد وفرج فودة فى المدارس». ■ ما رأيك فى محاولة الرئيس السيسى فى هذا الشأن؟ - أنا أرى أن «السيسى» بتدخله فى هذه المسألة يخلط الدين بالسياسة، فكنت فى حيرة من أمرى، عندما سمعت أول حديث له، وهو يعيد ذكر أكثر من 5 مرات «أنا مسلم»، فهذا لا يليق برئيس كل المصريين، ولا يليق أن يخرج من رئيس مصر الذى يدعو للوحدة الوطنية، فأنا أذكر ذات مرة «جاك شيراك» رئيس فرنسا، وهو معروف عنه أنه كاثوليكى متدين، عندما جاء بابا الفاتيكان إلى فرنسا، لم ينحنِ لتقبيل خاتم بطرس الرسول، وهذا عُرف ثابت لدى الكاثوليك، لكن هو تعامل كرئيس جمهورية لكل الفرنسيين ورفض أن يفعل ذلك، هذه الحرية الدينية الحقيقية، فمعتقداته ودينه يمارسه فى بيته، وليس فى الرئاسة والخطب العامة، لابد أن يعى «السيسى» أن الدولة المصرية عليها الوقوف على الحياد فيما يخص الدين.