خصومه استخدموا فقه الحنفية للتفريق بينه وبين زوجته ركز على تطبيق قواعد التفكير النقدى في «الدراسات الإسلامية» «الاجتهاد وتجديد الخطاب الدينى».. كانت الجريمة التي ارتكبها المفكر الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيدمن وجهة نظر مؤيدية عندما فتح بابا فكريا جديدا لتحرير النص القرآنى من كافة السلطات، وصنمية التفسير التي شوهته وقيدته من التعاطى مع تطورات العصر، فاتهم أبوزيد بالكفر والإلحاد.. ليكون فقه أبو حنيفة هو سلاح خصومه للانتقام منه، حيث قاموا باستغلال مبدأ "الحسبة" في الفقه الحنفى الذي تحكم به محاكم الأحوال الشخصية، لتصدر محكمة استئناف القاهرة في عام 1999 حكمًا بتطليق زوجته الدكتورة في الأدب الفرنسى ‘'ابتهال يونس'' منه، واعتباره مرتدًا عن الإسلام، باعتبار أن أبحاثه وفقا للحكم''كفرًا صريحًا فيكون مرتدًا''،.. لينتهى به المطاف مغادرا هو وزوجته إلى هولندا – المنفى الاختيارى- ليقيما هناك حيث عمل نصر حامد أبو زيد أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن. لم يخضع ابن مدينة طنطا إلى قهر اليتم، وضيق حال أسرته للإنفاق على تعليمه، بل اتخذ منهما ما لا يتعلمه الإنسان في حياته العادية، فمن«فنى لاسلكي» بالهيئة المصرية العامة للاتصالات، لمدة تخطت «11» عاما إلى معيد بقسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة القاهرة 1972، ليترقى في مراتب الأستاذية حتى مرتبة الشرف الأولى في قسم الدراسات الإسلامية، لينتشر من خلالها صيت مؤلفات أبو زيد بسرعة وسط أبناء الوسط الثقافي. وضعته مؤلفاته في أول صدام مع لجنة الأبحاث من الأساتذة للحصول على درجة الأستاذية، ليتهمه الدكتور عبدالصبور شاهين في تقريره بالكفر، لتمتد فترة الجدل بينهما لتخرج إلى الإعلام والصحافة من قلب أروقة البحث الأدبي، لتلاحقه الاتهامات بالإلحاد، وتنقلب حياة أبوزيد رأسا على عقبا. وعلى الرغم من خوف أبوزيد من قسم الدراسات الإسلامية إلا أن قسم اللغة العربية لم يضع أمامه خيارا آخر، بل دفع أبو زيد نحوه دفعا، فحرص أبو زيد ألا تضم كتبه مجموعة من النظريات الجامدة التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وركّز دومًا على تطبيق قواعد التفكير النقدى والبحث العلمى في مجال الدراسات الإسلامية التي أدمنها لقرون عدة، فألف"الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية"، وأيضًا "نقد الخطاب الديني"، ثم "البحث عن أقنعة الإرهاب"، وانتهى بكتابى "إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني"، و"التفكير في زمن التكفير". وتنطوى منهجيه أبوزيد،على الكيفية التي نفهم بها أو نقرأ بها النص الدينى الإسلامى (القرآن)، وأن الإشكالية هي إشكالية التفسير الإنساني، قائلا: «ومن المعروف أن محمدًا تلقى القرآن شفويًا حتى يُكتَبْ، لكننا لم نناقش هذه المسألة، وقد تركناها للأسف الشديد للمستشرقين كى يتكلموا فيها، ولم يُسمَح لنا أن نتكلم فيها بحجة أنها تشّوش عقائد العامة، وهذا معناه أن عقائدهم من الهشاشة بحيث أنها تتشّوه بهذه السرعة، بينما لو أخذنا الدراسات النقدية لتاريخ الكتاب المقدس لاكتشفنا أنها تغطى الإنجيل منذ لحظة نزوله لغاية كتابته وهذه المعلومات متاحة للجميع، في حين نحن المسلمين نعانى من وجود هذه الفجوة الكبيرة. أي أننا ضد أن نفهم تاريخ نصنا فهمًا علميًا ونفسره تفسيرًا علميًا، وهذا الركود الذي نعانى منه يهدد الإيمان نفسه، والفرق بين الإيمان على أساس تقليدي، والإيمان على أساس الوعى هو فارق كبير، لأن الإيمان الواعى أكثر رسوخًا من الإيمان التقليدي، فضلًا عن أن الوعى العلمى يهدد المؤسسات المبنية على أساس التقليد.. لقد توقف المنهج النقدى التاريخى للنصوص الدينية منذ زمن بعيد. وأنا أتساءل هل هناك دراسات تاريخية نقدية لنصوص السُنة بعد البخاري؟ والجواب، كلا، لأننا اعتبرنا صحيح البخارى هو نهاية المراد من رب العباد... والقرآن يحتاج في كل عصر وأوان إلى قراءة جديدة». وبعد مرور 21 عاما، على رؤى وأطروحات الدكتور نصر حامد أبوزيد، الذي رحل في 5 يوليو 2010، بعد عودته من هولندا، بات من الضرورى إحداث «ثورة دينية» بهدف نشر المفاهيم الدينية الصحيحة والوجه السمح للدين الإسلامى لمواجهة تيارات القتل والعنف والتخريب، وتحرير الخطاب الدينى من سطوة الفكر المتطرف والمتشدد الذي يهدد الاستقرار والأمن المجتمعى العربى.