ما أشبه الليلة بالبارحة، ففى مثل هذه الأيام، قبل 36 عاما، وتحديدا فى 17 و18 يناير 1977، انتفض المصريون ضد الرئيس الراحل أنور السادات بسبب زيادة سعر رغيف الخبز 5 مليمات «تعريفة» ما عرف تاريخيا ب"انتفاضة الخبز"وهى الأحداث التى لا تزال تخيم على مصر بعد الثورة، حيث لا تزال الأمور تمضى من سيئ إلى أسوأ. وردد المنتفضون يومئذ شعارات غاضبة وتعكس ما يكنونه فى صدورهم تجاه العصبة الحاكمة التى لا تشعر بحالهم الصعبة على غرار: "يا حاكمنا فى عابدين فين الحق وفين الدين"، "سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه"، "هم بيلبسوا آخر موضة واحنا بنسكن عشرة فى أوضة"، "هما ياكلوا حمام وفراخ والشعب من الفول أهو داخ".. وبينما كان الشعب المصرى الذى عانى كثيرا من تدهور أوضاعه الاقتصادية بعد حرب أكتوبر 73 ينتظر قرارات حكومية تخفف عنه هذه المعاناة وتحقق له وعد الرئيس بتحقيق الرخاء الاقتصادى الذى ردده فى الكثير من خطاباته وإمكانية ان يحلم كل شاب بتملك فيللا صغيرة وسيارة كما كان يردد، وبعد أكثر من 3 سنوات من زيارة الرئيس نيكسون والآمال العريضة التى بناها البسطاء على هذه الزيارة، إذا بنائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسونى فى بيان له أمام مجلس الشعب يوم 17/1/1977 يعلن فيه مجموعة من القرارات الاقتصادية الصادمة ومنها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية وذلك برفع أسعار الخبز 50% أي 5 مليمات «تعريفه» والسكر25% والشاى 35% وكذلك الأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع التى لا يستطيع الفقراء العيش بدونها، لذا كانت الصدمة شديدة. وفى اليوم التالى حملت الصحف الاخبار الجديدة التى ألهبت غضب الفقراء لتبدأ نذر العاصفة تتجمع ثم ما تلبث أن تفجرت. بدأت هذه الحركة العفوية بدون تنسيق أو تخطيط مسبق فى عدد من التجمعات العمالية الكبيرة فى منطقة حلوان بالقاهرة فى شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية وفى مصانع الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة وعمال شركة الترسانة البحرية فى منطقة المكس بالإسكندرية حيث بدأ العمال فى تجمعات صاخبة تعلن رفضها للقرارات الاقتصادية وتخرج الى الشوارع فى مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر وبسقوط الحكومة والنظام واختلطت تظاهرات الطلاب التى خرجت من كل الجامعات المصرية بحشود العمال والموظفين والحرفيين وجميع فئات الشعب. استمرت مظاهرات الشوارع المصحوبة بالعنف الموجه ضد المصالح الحكومية وأقسام الشرطة واستراحات الرئاسة بطول مصر من أسوان حتى مرسى مطروح ولم تسلم من الهجوم استراحة الرئيس بأسوان وتقرر إلغاء اجتماعه بكيسنجر فى نفس اليوم، ووصل الهجوم إلى بيت المحافظ بالمنصورة وتم نهب أثاثه وحرقه، ونزل الى الشارع عناصر اليسار بجميع أطيافه رافعين شعارات الحركة الطلابية، واستمرت هذه المظاهرات حتى وقت متأخر من الليل مع عنف شديد من قوات الأمن وتم القبض على مئات المتظاهرين وعشرات النشطاء اليساريين. استمرت المظاهرات على مدار يومين، ما اضطر الرئيس الراحل أنور السادات إلى التراجع عن تلك القرارات، وأمر بنزول قوات الجيش إلى الشارع بعد عجز قوات الشرطة عن مواجهة المظاهرات وتم فرض حظر التجوال، ووصف الرئيس الراحل الانتفاضة ب»انتفاضة الحرامية»وهو ما يرفضه النائب اليسارى السابق أبو العز الحريرى، الذى عاصرها، مؤكدا أنها لم تكن كما وصفها السادات، بل كانت انتفاضة شعبية بحق. مع انتشار الخبر بين الناس، عمّت المظاهرات المناطق من الإسكندرية حتى أسوان، مروراً بالعاصمة التي شهدت حركات شعبية تطوّرت إلى مواجهة أقسام الشرطة وفيللات «الأثرياء الجدد» والملاهي الليلية، مرددين شعارات ضد التناقض الطبقي. ورغم طبيعة هذه الانتفاضة العفوية وغير المنظمة، سرعان ما اندمج الناس ب»الطليعة التقليدية» في الحركة الطلابية اليسارية والحركة العمالية التي انطلقت من ثلاث بؤر أساسية: مصنع حرير حلوان، ترسانة البحرية في الإسكندرية وكلية الهندسة في عين شمس، لتمتد بسرعة إلى باقي المناطق جراء العدوى الثورية. إلا أن انتفاضة الخبز تم قمعها بالكامل في غضون يومين، ووصفها الرئيس السادات كما أسلفنا ب»انتفاضة الحرامية»خاصة عندما صكت أذنيه هتافات من نوعية:»يا بطل العبور فين الفطور؟» و»جيهان لابسة آخر موضة واحنا نايمين عشرة في أوضة». ومن آثار تلك المرحلة أشعار أحمد فؤاد نجم التى كتبها فى سجنه في شهر يناير 77 «... واسأليلي بالعتاب، كل قارئ في كتاب، حدّ فيهم، كان يصدق، بعد جهل وبعد موت، أن حس الشعب يسبق، أي فكر وأي صوت ...» في إشارة عن أخطاء اليسار الاستراتيجية والتكتيكية في تلك الفترة. فرغم حجم الحركة الماركسية والقومية الناشطة بشكل كبير في الجامعات حينها، لم تجد «انتفاضة يناير» أطراً تنظيمية كافية لتحمل مطالبها والتدرج في شعاراتها إلى قلب النظام. وتفيد المراجع وشهادات القيادات النقابية والطلابية في تلك الفترة أنها أصيبت بالدهشة ولم تستوعب ما يحصل ولم تكن مهيأة لحجم هذه الاحتجاجات، واستراتيجياً لم يكن لديها أجندة اقتصادية وسياسية واضحة وتكتيكياً لم تعتمد سوى التظاهر وتجاهلت الإضرابات، رغم أن البؤر العمالية كان لها وزن كبير ما سهّل على جهاز الأمن سرعة قمعها ومنعها من بلورة مطالب وقيادات تُمكنها من قيادة الثورة. القطب اليسارى عبدالغفار شكر» وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكى» يرى أن الأوضاع ازدادت سوءا عن يناير 1977 فتكاليف المعيشة فى ازدياد مستمر ولم يكن وقتها أكثر من نصف الشعب تحت خط الفقر، وكانت الأوضاع أفضل، لأن الدولة وقتها كانت تقوم بدورها الاجتماعى لتؤمن تعليما وعلاجا مجانيا للفقراء، وهو ما لايحدث الآن، بل بالعكس فإن الأمور ازدادت سوءا، مع ازدياد الفقر وتفشى الأمية، وانتشار البطالة