سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«فيزيتا الفضفضة».. مصر بها 13 مليون مريض نفسي و20 ألف عيادة خاصة.. ثمن الجلسات يتراوح بين 100 و600 جنيه.. الدواء «ليس في متناول الجميع».. ومريض يؤكد: «الدكتور كان بيسيبني أتكلم بس»
الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمانة العامة للأمراض النفسية بوزارة الصحة تشير إلى أن 13 مليون مصري مصابون بأمراض نفسية يذهبون إلى عيادات الأطباء النفسيين، هذا العدد الكبير -15% من المصريين تقريبًا– أدى إلى خلق نوع من «البيزنس» بين أطباء علم النفس، وأصبح انتشار تلك العيادات أمرًا شائعًا ومعها ارتفعت «فيزيتا» الأطباء أو بما بات يعرف ب«فيزيتا الفضفضة». حسب بعض الأرقام غير الرسمية فإنه على أرض المحروسة ما يقرب من 20 ألف عيادة نفسية خاصة أكثر من 50% منها في محافظات«القاهرة – الجيزة – الإسكندرية»، إضافة إلى المصحات النفسية ومستشفيات الأمراض العقلية، والتي تعد أشهرها مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية. اسم الطبيب وقدرته على العلاج أكثر الأمور الرئيسية التي تلعب دورًا في تحديد «فيزيتا»، ويأتي على رأس القائمة عيادة الدكتور أحمد عكاشة الذي يصل ثمن الحجز لديه 600 جنيه ويجب الحجز قبلها بثلاثة أشهر، فيما يتراوح الأمر بعد ذلك بين 150 و200 جنيه في العيادات الخاصة. منذ أكثر من عام تعرض «س.ع» إلى حالة اكتئاب عقب وفاة صديقه أمام عينيه في حادث على الطريق الدائري، ما دفعه إلى العزلة عن العالم، وأمام ضغط أهله قرر الذهاب إلى أحد الأطباء بمنطقة عين شمس ليتلقى العلاج في جلسة أسبوعية على مدى شهرين متتاليين. بحسب «س.ع» فإن الجلسة الواحدة تتكلف مائة جنيه –علمًا بأنه طبيب غير مشهور- وكانت الجلسة عبارة عن أسئلة يوجهها لي ويحصل على بعض الإجابات، "بعدها يتركني في الحديث للتنفيس ليس أكثر"، هكذا وصف الأمر. 800 جنيه أنفقها الرجل الذي أكد أنه لم يقتنع كثيرًا أن سبب شفائه هي تلك الجلسات فوفق رأيه أن الوقت كاف لأن يتخطى الإنسان أزمات كثيرة. ومن «فيزيتا» الكشف إلى غلاء أسعار الأدوية تكمن مأساة «م.ن» الذي تعرض إلى حالة من الاكتئاب هو الآخر نتيجة وفاة والده، ليخضع لجلسات علاج داخل إحدى العيادات النفسية لمدة ثلاثة أشهر، تمكن بعدها من العودة إلى حياته الطبيعية مرة أخرى. ويضيف «م.ن» أن الأدوية التي اشتراها تعدت الألف جنيه، بالإضافة إلى الجلسات التي تكلفت الواحدة منها 150 جنيهًا، لكنه في النهاية اقتنع أن للطب النفسي فوائده وأن ما يحدث ليست مجرد «فضفضة»، بل الأمر أعمق من ذلك بكثير. رفاهية العلاج النفسي أمر لا يتحمله كثيرون في بلد 40% من مواطنيه تحت خط الفقر، ربما كانت تلك مأساة «م.ك» الذي أصيب منذ عامين بمرض «البارافرينيا» وهو عبارة عن مجموعة من الأعراض كالإحساس بالانشراح والنشوة، وهذه الأحاسيس تسبب حالة من الهلوسة والأوهام التخيلية. حالة «م.ك» دفعته إلى الذهاب لإحدى العيادات الخاصة ليجد أن تكلفة الجلسة الواحدة تتعدى 200 جنيه، لافتًا إلى أن الثمن يتحدد وفقًا للمرض وأرخص العيادات تعالج الاكتئاب أما «البارافرينيا» فهو أكثر قليلًا. عدم مقدرته على الدفع دفعه إلى الذهاب لمستشفى العباسية، وهناك بدأ العلاج بأسعار قليلة حتى تم علاجه من خلال جلسات علاجية جماعية وفردية، تعتمد جميعها على الحديث. أسباب إقبال المصريين على العيادات النفسية أمر أوضحه الدكتور هاشم بحري، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، لافتًا إلى أن المواطنين في الماضي كانوا يخافون نظرة المجتمع ووصمة العار إذا ذهبوا إلى مصحة نفسية، وهو أمر تحررنا منه خلال السنوات الماضية ما جعل هناك إقبالًا على تلك العيادات. رغم هذا التحرر -بحسب بحري- فإن العيادات الخاصة لا تزال المفضلة لدى المصريين، خاصة أنها أكثر خصوصية، وهو ما يدفعهم للدفع رغم وجود مستشفيات مجانية، حسبما قال. «مافيش حاجة ببلاش» هكذا أوضح «بحري» أن عيادات الطب النفسي مثلها مثل عيادات الطب والجراحة، لكل منها ثمن للكشف، مشيرًا إلى أن معدلات زيادة المرضى النفسيين هي الأعلى بين الأمراض وذلك لأن الكثيرين مصابون بالإحباط. من جانبه نفى جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن تكون جلسات العلاج النفسي مجرد «فضفضة»، لافتًا إلى أن هناك فرقا بين الحديث مع الأصدقاء ومع طبيب نفسي ، فالأخير يعمل بشكل منهجي ويقوم بالاستماع لفحص الجوانب الدقيقة لمشكلة المريض. وينقسم العلاج وفق «فرويز» إلى شقين: أولهما تشخيص المرض النفسي، والثاني تحليل الشخصية من خلال جلسات مطولة، ونادرا ما يلتزم بهذه المدرسة لضعفها وعدم مواكبتها للتطورات العلمية الجارية والأساليب المستحدثة. لا أحد يجبر المرضى على الذهاب للعيادات الخارجية، أمر آخر أكده «فرويز»، وأكمل بعده قائلا: إن علاج الشخص من الأمراض النفسية يمكنه من مواصلة الحياة، وهناك حالات تحتاج إلى علاج من خلال أجهزة ثمنها مرتفع مثل الجلسات الكهربائية لبعض الحالات الحرجة.