في العاشر من شهر المحرم كل عام، تحل ذكرى استشهاد الحسين بن على بن أبي طالب – رضي الله عنهما - في موقعة كربلاء بالعراق، على يد جيش يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، تلك الذكري التي توافق يوم عاشوراء، ويحييها ملايين الشيعة في إيران والعديد من الدول العربية والإسلامية. ويعتبر استشهاد الحسين ملحمة ثورية بكل ما تعنيه الكلمة، إذ يعد أول من ثار ضد التوريث في التاريخ الإسلامي ، حيث رفض حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يعطى البيعة ليزيد، بعدما استخلفه والده معاوية بن أبى سفيان قبل وفاته، وأخذ البيعة له في حياته، لكن الحسين أصر على موقفه وظل ثابتا، رافضا الاستسلام حتى لقي ربه في معركة غير متكافئة على الإطلاق . ووفقا للمراجع التاريخية، فقد حاول يزيد بطريقة أو بأخرى إضفاء الشرعية على تنصيبه خليفة للمسلمين ، فأرسل رسالة إلى والى المدينةالمنورة يطلب فيها أخذ البيعة من الحسين ، الذي رفض أن يبايع يزيد، وغادر المدينة سرًا إلى مكة واعتصم بها، منتظرًا ما تسفر عنه الأحداث. وحينما وصلت أنباء رفض الحسين مبايعة يزيد واعتصامه في مكة إلى الكوفة التي كانت أحد معاقل الفتنة ، برزت تيارات في الكوفة تؤمن أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الخلافة الحسين بن علي. واتفقوا على أن يكتبوا له يحثونه على القدوم إليهم، ليسلموا له الأمر، ويبايعوه بالخلافة. وبعد تلقيه العديد من الرسائل من أهل الكوفة قرر الحسين أن يستطلع الأمر فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليكشف له حقيقة الأمر. وقد شعر مسلم بعدما وصل إلى الكوفة بجو من التأييد لفكرة خلافة الحسين ومعارضة شديدة لخلافة يزيد بن معاوية . وحسب بعض المصادر الشيعية فإن 18 ألف شخص بايعوا الحسين، ليكون الخليفة، وأرسل مسلم رسالة إلى الحسين يعجل فيها قدومه ، لكن أصحاب وأقارب وأتباع الحسين نصحوه بعدم الذهاب إلى الكوفة، ومنهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعمرة بنت عبد الرحمن ، لكنه أصر على الذهاب وخرج من مكة فى عدد من أتباعه وآل بيته قاصدا الكوفة . وتروى المراجع التاريخية أن الجيش الأموي اعترضهم في صحراء كانت تسمى الطف، واتجه نحو الحسين جيش قوامه 30 ألف مقاتل يقوده عمر بن سعد بن أبي وقاص ، ووصل هذا الجيش بالقرب من خيام الحسين، وأتباعه في يوم الخميس التاسع من شهر المحرم ، وفي اليوم التالي عبأ عمر بن سعد رجاله وفرسانه فوضع على ميمنة الجيش عمر بن الحجاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عروة بن قيس وكانت قوات الحسين تتألف من 32 فارسا و 40 راجلا، وأعطى رايته أخاه العباس بن علي، وقبل أن تبدأ المعركة منع جيش ابن زياد الماء عن الحسين وأهل بيته وصحبه، فلبثوا أياماً يعانون العطش في جو صحراوي شديد الحرارة. وبالطبع ، لم تكن المعركة متكافئة ، ورغم هذا رفض الحسين التسليم، فبدأ رماة الجيش الأموي يمطرونه وأصحابه بوابل من السهام ، ثم اشتد القتال، ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء ميدان كربلاء، واستمر القتال ساعة من النهار ، وأسفر عن خمسين قتيلا من أصحاب الحسين واستمرت رحى الحرب تدور في الميدان، وأصحاب الحسين يتساقطون ويستشهدون الواحد تلو الآخر، واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين، وأحاط جيش يزيد بهم من جهات متعددة ، وأحرق الخيام فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون جيش عمر بن سعد ويتساقطون الواحد تلو الآخر: ولده علي الأكبر، أخوته، عبد الله، عثمان، جعفر، محمد، أبناء أخيه الحسن أبو بكر القاسم، الحسن المثنى، ابن أخته زينب، عون بن عبد الله بن جعفر الطيار، آل عقيل: عبد الله بن مسلم، عبد الرحمن بن عقيل، جعفر بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل، عبد الله بن عقيل. وبدأت اللحظات الأخيرة من المعركة عندما ركب الحسين بن علي جواده يتقدمه أخوه العباس بن علي بن أبي طالب حامل اللواء، ولكن العباس سقط شهيداً، ولم يبق في الميدان سوى الحسين الذي أصيب بسهم ذى ثلاث شعب، فاستقر السهم في قلبه، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسد الحسين وحسب إحدى الرويات التاريخية فإن شمر بن ذي جوشن قام بفصل رأس الحسين عن جسده باثنتي عشرة ضربة بالسيف من القفا وكان ذلك في يوم الجمعة من عاشوراء في المحرم سنة 61 من الهجرة، وكان عمر الحسين 56 سنة. ولم ينج من القتل إلا علي بن الحسين ، بسبب اشتداد مرضه وعدم قدرته على القتال، فحفظ نسل أبيه من بعده. وكانت نتيجة المعركة ومقتل الحسين على هذا النحو مأساة مروعة أدمت قلوب المسلمين وغير المسلمين، وهزت مشاعرهم في كل أنحاء العالم، وحركت عواطفهم نحو آل البيت، بل إن «ثورة الحسين» كانت سببًا في اندلاع ثورات عديدة ضد الأمويين. ويحيي الشيعة في إيران والعراق والعديد من البلدان العربية والإسلامية ذكرى استشهاد الحسين كل عام ، حيث يعذبون أنفسهم بالسيوف والسكاكين والجنازير والسلاسل ويلطمون الخدود والصدور في مواكب وطقوس جنائزية تسمى «التطبير» ، وذلك تعبيراً عن التقصير في نصرة الحسين. ولا يزال مصير رأس الحسين غير معلوم حتى الآن ، فيقال إنه دفن في كربلاء بعد أيام من قطعه ، ويقال إنه دفن في دمشق أوعسقلان ، وهناك من يؤكد أنه دفن في البقيع بالمدينةالمنورة ، فيما تتحدث روايات عن دفنه بالقاهرة في المشهد الحسيني، الذي بني فيه مسجد ومقام الإمام الحسين , حيث يحتفل الصوفيون والبسطاء من المصريين بسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفى الصفحات التالية ، تقدم «فيتو» ملحقا احتفاليا واستقصائيا حول الإمام الحسين .. نحقق في مصير رأسه الشريف ، وشرعية خروجه على حاكم مسلم بايعه الناس رغبا ورهبا ، ومدى تشابه ثورته مع ثورات الربيع العربي التي انطلقت ترفض الظلم وتوريث الحكم .. ونرصد أجمل ما كتب عنه شعرا ونثرا وأول من رسم صورة له وغيرها .