أقاموا في مملكة العشق الإلهى قصورًا.. شيدوا جدرانها من لبنات الشوق والوجد.. زرعوا أفنيتها ببساتين حب رويت ثمارها من ينايبع غرام قلوبهم.. صموا آذانهم عن القيل والقال ولم يعبأوا بكثرة الانتقادات الموجهة إليهم واتهامهم بأنهم يعتبرون زيارة ضريح القطب الصوفى الكبير «أبو الحسن الشاذلي» في وادى «حميثرة» بصحراء عيذاب التابعة لمحافظة البحر الأحمر، «حجة صغرى»؛ فجاوبهم دومًا: «يا لائمى في الهوى العذرى معذرة.. منى إليك ولو أنصفت لم تلم». «ساكن حميثرة» هو الاسم الذي يحلو للمريدين إطلاقه على الشيخ «أبو الحسن الشاذلي»، الذي أرخ له الرحالة الشهير ابن بطوطة، بقوله: «أخبرنى الشيخ ياقوت العرش عن شيخه أبى العباس المرسي أن أبا الحسن الشاذلى كان يحج في كل سنة، ويجعل طريقه على صعيد مصر، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج، ويزور القبر الشريف، ويعود على الدرب الكبير إلى بلده فلما كان في بعض السنين، وهى آخر سنة خرج فيها، قال لخادمه: استصحب فأسًا وقفة وحنوطًا، وما يجهز به الميت فقال له الخادم: ولم ذا يا سيدي؟ فقال له: في حميثرة سوف ترى.. وحميثرة في صعيد مصر في صحراء عيذاب، وبها عين ماء زعاق وهى كثيرة الضباع فلما بلغا حميثرة اغتسل الشيخ أبو الحسن، وصلى ركعتين، وقبضه الله عز وجل في آخر سجدة من صلاته، ودفن هناك، وقد زرت قبره مكتوبا عليه اسمه ونسبه متصلًا بالحسن بن على رضى الله عنه». «مدد.. يا ساكن حميثرة» هي الجملة الأشهر التي يزلزل بها مئات الآلاف من أبناء الطرق الصوفية في مصر والدول العربية والإسلامية، سكون الصحراء بمجرد وصولهم إلى ضريح الشيخ «أبو الحسن الشاذلي» في الأول من ذى الحجة، ويبقون هناك حتى التاسع من ذات الشهر في كل عام، للاحتفال بما يسمونه «الزيارة العامة» لضريح القطب الصوفى الشهير إحياءً لذكرى وفاته. 700 ألف مريد هم عدد الذين توافدوا على زيارة ضريح الشيخ الشاذلى هذا العام - حسب تأكيدات مشايخ الطرق الصوفية - الذين أضافوا أنهم يحرصون على إقامة هذا الاحتفال كل عام لزرع المناقب الحسنة التي اشتهر بها «ساكن حميثرة» داخل نفوس الأطفال والشباب، نافين عن أنفسهم القيام بمناسك الحج فوق «جبل حميثرة» أو المجيء بالبدع والخرافات كما يشاع حولهم. مشايخ الطرق الصوفية أكدوا ل«فيتو» أن حرصهم على زيارة «حميثرة» ينبع من حبهم للشيخ «أبو الحسن الشاذلي»، الذي وصفوه بقولهم: «كان عالمًا تربى على يديه الكثير من أعلام الأمة الإسلامية مثل سلطان العلماء العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد وأبو العباس المرسي وغيرهم، ومجاهدًا آثر وهو في ال63 من عمره المشاركة في الجهاد ضد الصليبين في معركة المنصورة الشهيرة التي أسر فيها ملك فرنسا لويس التاسع عشر.