الموسيقى القبطية ذات تراث إنسانى حضارى، تعبر عن الأحاسيس الدينية بصورة هادئة مركزة وموحية بأنغام سمائية، تنقل بعض مشاعر الإنسان فى حديثه إلى خالقه وتثير فرحة الأقباط خصوصاً في الأعياد. وعن الموسيقى القبطية.. تاريخها وايقاعها وتنوع انغامها، ومدى الاهتمام العالمى والمحلى بها، قال الراحل الدكتور عادل كامل، استاذ النظريات والهارمونى وتاريخ الموسيقى عندما دخل مرقس الرسول مصر للتبشير بالمسيحية، دخل حاملاً الرسالة من خلال النصوص لا الألحان، فكان من الطبيعى ان يصلى الشعب الذى آمن بالعقيدة المسيحية وبالنص الجديد بألحان اجداده التى ورثها، ولعل اقوى دليل على ذلك انه توجد بعض الالحان مثل اللحن الادريبى نسبة الى بلدة ادريب (اتريب بالدلتا)، واللحن السنجارى نسبة الى بلدة سنجار. فالألحان القبطية هى الرصيد الفنى للكنيسة القبطية الارثوذكسية، وهذه هى الألحان المسيحية الوحيدة التى جاءتنا عن طريق التواتر (النقل الشفهى) لا التأليف، فهى الالحان الوحيدة التى يعود تاريخها الى سبعة آلاف سنة، وطبقاً للطقس القبطى ممنوع منعاً باتاً استخدام آلات موسيقية مثل الكمان والبيانو والقانون والعود. وكما يؤكد «كامل» فإن هناك عددا من الرواد الذين اهتموا بالحفاظ وتدوين الموسيقى القبطية، وأصبحوا من العلامات القومية المصرية، مثل الدكتور الراحل راغب مفتاح، الذى حافظ بجهده الشخصى، وعلى نفقاته الخاصة على تراث الموسيقى القبطية بجمعه، والحفاظ عليه على مدى 75 عاماً، باع خلالها 150 فداناً، واملاكاً عقارية أخرى، وكان اول من تحدث عن الموسيقى القبطية فى جامعة اكسفورد فى العشرينيات، وقد حضر فى هذه المحاضرة عدد كبير من العلامات كان من بينهم العلامة اينشتين. وقد اوكلت إلى «مفتاح» رئاسة لجنة الموسيقى العربية التى انعقدت فى مصر عام 1932 ، بعد ذلك استقدم الخبيرة المجرية «مارجريت توط» التى قامت بتدوين ألحان القداس الباسيلى، واصدرت الجامعة الامريكية اول كتاب علمى عالمى عن هذه الالحان مدعماً بالنوتة الموسيقية، تحتفظ مكتبة الكونجرس بتسجيلات لجميع الالحان القبطية، حتى يستفيد منها الدارسون والباحثون فى العالم. عادل كامل يؤكد تأثر بعض الموسيقيين العالميين بالموسيقى القبطية، مشيرا إلى أن أول من كتب اعمالاً موسيقية مبنية على الالحان القبطية المؤلف الموسيقى الامريكى المجرى الاصل «فرانسوا دالبير»، وأيضاً المؤلف الانجليزى «نيولاند سميث». «كامل» يوضح ان هناك علاقة موسيقية من خلال المقامات «Tenality» تربط بين الموسيقى القبطية والموسيقى الاسلامية فى مجال الانشاد الدينى، مثل مقامات السيكا والبياتى والنهاوند، وهذا ما يؤكد مصرية وقومية الموسيقى الدينية فى مصر، بحسب قوله. وانتقد الموسيقى الراحل عدم وجود اى موقع للموسيقى القبطية فى التليفزيون المصرى، فى الوقت الذى توجد لها مواقع كثيرة فى تليفزيونات امريكا وبولندا وفرنسا والمجر والمانيا والتشيك. وعن انتشار «الكورالات القبطية»، قال كامل: إنها ظاهرة ثقافية جيدة، مشيرا إلى أن اهم الفرق التى ظهرت مؤخراً كورال «دافيد» لمؤسسها الفنان جورج كيرلس، وكورال «المسرح القبطى» لمؤسسها الدكتور اسامة عشم، وهما الفرقتان اللتان تخطتا حاجز المحلية، إذ شاركت فرقة «دافيد» فى الترتيل بكل من السويد وفرنسا والمانيا. وقامت فرقة كورال «المسرح القبطى» بتمثيل الكنيسة المصرية، لأول مرة فى المهرجانات الدولية بالبرازيل وبلجيكا وايطاليا وفرنسا والمانيا، وقد شاركت معها فرقة الإنشاد الدينى الإسلامى فى احتفالات الألفية فى بولندا.