«السلفية الجهادية»،مصطلح عرفت به بعض جماعات الإسلام السياسي ،التي تتبنى الجهاد منهجاً للتغيير،وكان ذلك فى ثمانينيات القرن الماضى،وبرز كتيار فكري مميز في عهد الرئيس الراحل أنور السادات،ويقول مؤسسو السلفية الجهادية إنهم يتبعون منهج السلف الصالح من المسلمين وأن الجهاد أحد أركانه، وأن الجهاد الذي يجب وجوباً عينياً على المسلمين يتم تطبيقه ضد العدو المحتل وضد النظام الحاكم المبدل للشريعة الإسلامية ويحكم بالقوانين الوضعية أو النظام المبالغ في الظلم والقهر. يعتبر تيار «السلفية الجهادية» نفسه تياراً مطبقاً للمنطق الإسلامي الصحيح المستمد من القرآن والسنة والإجماع متمثلاً في العقيدة وفقه الجهاد وفقه السياسة الشرعية في الحكم على والتعامل مع المحتل والمبدل للشريعة فهو يرى أن التغيير بالقوة هو أنسب وأصح الوسائل للتحرر وتحكيم الشريعة وتصحيح البنية الأساسية الدينية والاجتماعية والسياسية. وتعتبر «السلفية الجهادية» هي ثاني أبرز تيارات الحركة السلفية المعاصرة مع السلفية العلمية ومصادرهم واحدة وإنما يختلفون مع تيار السلفية العلمية والإخوان المسلمين في تبنيهم لخط ومنهج التحرك الثوري أو المسلح من أجل التغيير وليس التربية والتعليم أو البرلمان من أجل الإصلاح لرأيهم بأن هذه الأنظمة متجذرة ومدعومة من الخارج وفشل معها الإصلاح والتيارات الأخرى تعتبر هذا استعجالا للتغيير وتعريض للنفس للتهلكة وبعضها يعتبر هذا خروجا على الحاكم الذي تجب طاعته. مصطلح «السلفية الجهادية» مصطلح معروف في الأدبيات الجهادية نفسها منذ سنوات طوال وتحديداً منذ ثمانينيات القرن العشرين عند الرموز الأساسيين الذين يحملون لواء هذا الخط الفكري ويمثلونه على أعلى مستوى تنظيري ، مثل: أبو محمد المقدسي، عبد القادر عبد العزيز، أبو قتادة الفلسطيني، أبو مصعب السوري، أيمن الظواهري - وإن كانت صياغاته النظرية الأولى قد تمت في مصر في الستينيات على يد سيد قطب بعد انقلابه الفكري المعروف في العهد الناصري - ابتداء من سنة 1957 - في ظل مسارات الصراع بين الإخوان وعبد الناصر من جهة وتحت تأثير كتابات أبي الأعلى المودودي - خاصة كتابة المصطلحات الأربعة في القرآن - التي اطلع عليها في السجن من جهة ثانية، ثم تبلورت هذه الصياغات في السبعينيات مع صالح سرية في رسالة الإيمان عام 1973 ومحمد عبد السلام فرج في الفريضة الغائبة أواخر عام 1980 ثم كتابات شيوخ التنظيميين الجهاديين الأساسيين في مصر خلال تلك الفترة: الجماعة الإسلامية - بالتحديد ميثاق العمل الإسلامي الصادر سنة 1984 والذي شارك في كتابته :عاصم عبد الماجد وعصام الدين دربالة وناجح إبراهيم - وجماعة الجهاد - كتابات أمير الجماعة ومنظرها الأساسي من عام 1987 إلى عام 1993 الدكتور فضل . بينما يتخذ آخرون موقفا سلبيا صارما من مصطلح «السلفية الجهادية» مثل: أبي عزيز عبد الإله الحسني الجزائري في رسالة «الردم لمصطلح السلفية الجهادية لما فيه من الهدم». كان التيار السلفي المعتنق لأفكار هذه المدرسة شكل الجناح الثالثة من أجنحة الصحوة الإسلامية السبعيناتية التي جمعته مع تيارين آخرين ،الأول: إخواني ذو طابع أزهري، والثاني: شيعي اثني عشري، وبرغم قوة التيار المستمدة من سعة انتشاره وكونه وليد مدرسة عقدية وفقهية نظر لها عبر التاريخ الإسلامي إلا أنه فشل في تحقيق ما نجح فيه التيار الشيعي وهو التحول إلى ثورة شعبية تتمخض عن إقامة نظام يمثل مبادئ التيار ومشروعه. على عكس الإخوان . كانت نشأة السلفية الجهادية بمثابة خروج عن الخط السلفي التقليدي الذي التزمه أصحابه السعوديون منذ أن قضى عبد العزيز آل سعود على تمردات حركة إخوان من أطاع الله، ولعل ما يؤكد ذلك تصريحات وزير الداخلية السعودي في العام 2002 من أن جميع مشكلات السعودية هي من إفرازات الإخوان المسلمين،وجاء تأثر السلفيين بغيرهم، من مفكري الجماعات الصحوية حيث بدأ في مصر وليس في الخليج كما يدعى الكثيرون فقد أدى تأثر بعض السلفيين المصريين في سبعينيات القرن الماضي بآراء وكتابات سيد قطب وأبى الأعلى المودودي إلى نشوء فكر سلفي جديد انعكس تنظيمياً في جماعات عدة أهمها جماعة الجهاد التي بدأ منظرها أيمن الظواهري التزامه الديني في مسجد تابع لجماعة أنصار السنة المحمدية بمنطقة المعادي بالقاهرة. وبانتقال هذا الفكر إلى ساحة الجهاد الأفغاني اكتملت معالمه بدخول عبد الله عزام على الخط كمنظر لفكرة الجهاد كأهم فرض من فروض العين وهي التي كان محمد عبد السلام فرج أشار إلى أهميتها في كتابه الشهير «الفريضة الغائبة». و بانتهاء التجربة الأفغانية كانت تلك الجماعات قد اكتسبت خبرة قتالية عالية وخرجت قيادات على مستوى عال وجدت في بؤر التوتر في العالم الإسلامي كالبوسنة والشيشان وغيرهما متنفساً جهادياً تنشط من خلاله وتكتسب مزيداً من الأنصار. بعد ذلك، جاءت أزمة وحرب الخليج الثانية «1990 - 1991 « التي تمثل نقطة الانطلاق الحقيقية لهذا الخط الفكري حيث برز في البداية كتعبير عن الهزة العنيفة التي تعرض لها الحقل الديني في المملكة العربية السعودية الذي تهيمن عليه المؤسسة الوهابية المتحالفة تاريخيًا مع الأسرة الحاكمة - آل سعود - نتيجة القرار الذي اتخذه الملك فهد بن عبد العزيز في أغسطس عام 1990 م باستقدام قوات أجنبية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي والدفاع عن المملكة في حال أقدم العراق على اجتياحها. كانت هذه اللحظة هي محدد البروز الأول للسلفية الجهادية في التسعينيات كخط فكري يقوم على مواقف ومقولات محددة مرتبطة بسياقات صراع النفوذ في وعلى منطقة الخليج ثم بعد ذلك توسعت مشاريعه وانتشرت أفكاره ومقولاته في كل أنحاء العالم بسبب ارتباطه العضوي بتجربة تنظيم القاعدة ،و كان بن لادن أحد الفاعلين في الانشقاق المذكور ، الذي يعتبر ممثله الشرعي حيث استند إلى منظومته االصدامية لتنظيم مسارات المواجهة التي بدأها منذ منتصف التسعينيات سواء مع نظم الحكم القائمة في البلدان العربية والإسلامية «العدو القريب «، أو مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها من الدول الغربية «العدو البعيد «، وكانت لحظة الذروة تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية وما تلاها من تفاعلات دولية ما يزال كثير منها ممتداً في الزمان والمكان. كان تنظيم الإخوان السري الذي تكون أيام الملكية والذي نسبت إليه أعمال عنف كاغتيال وتفجير، هي الخلفية المشجعة لتطبيق ما نظّر إليه سيد قطب في كتاباته حول الحاكمية والجهاد، فكان بعد التنظيم السري تنظيم 1965 م الذي تم كشف أمره سريعاً وأعدم على إثره سيد قطب ومن معه، ثم تنظيمات ما بعد 1971 م إثر الإفراج عن المعتقلين السياسيين بداية حكم أنور السادات. ساعد على استمرار بلورة الفكر السلفي الجهادي ثلاثة أمور: الأول: نكسة 1967 ، وما اعتبره كثير من الإسلاميين خيانات حدثت أثناء وبعد حرب 1967 ، الثاني: استمرار الحكم بالقوانين الوضعية والتحالف مع المعسكر الغربي بقيادة أمريكا وبريطانيا الداعم الأساسي لإسرائيل، الثالث: معاهدة السلام والاعتراف بإسرائيل نهاية السبعينيات وعودة القمع والتعذيب. وكانت أولى عمليات ما سُمي بعد ذلك بتيار السلفية الجهادية هي عملية الفنية العسكرية سنة 1974 م ثم 1977 م حيث قتل الدكتور الذهبي وزير الأوقاف السابق وأبرزها سنة 1981 حيث قُتل الرئيس أنور السادات. وفي حين وقفت الأنظمة العربية ضد الزحف إلى فلسطين لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي بعد النكسة، فتحوا الباب للجهاد إلى أفغانستان وألبانيا ودول جنوب شرق أوروبا ضد الاحتلال الروسي السوفيتي بإشارة وتأييد من الولاياتالمتحدة معتبرة المقاتلين العرب والأفغان أنهم «مقاتلون من أجل الحرية». وكان من ضمن العرب المسافرين المقاتلين الشيخ عبد الله عزام و أسامة بن لادن،و بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان اعتبرت أمريكا والأممالمتحدةأفغانستان مفرخا للإرهاب وأن المتدربين على السلاح إرهابيون وطالبت الأممالمتحدة بتسليم الإرهابيين وتقصد بهم العرب المجاهدين . اغتيل عبد الله عزام وعند عودة المقاتلين من تلك البلاد إلى بلادهم تم تصنيفهم أنهم إرهابيون ووقعوا تحت الاعتقال والتعذيب الشديد، وبدأ الفكر والتنظير للسلفية الجهادية إقليمياً يعود بقوة أكثر تركيزاً في مواجهة الأنظمة العربية التي وضحت تبعيتها للمعسكر الغربي بقيادة أمريكا خاصة بعد أن لم تعترف أي دولة عربية بإمارة أفغانستان الإسلامية سوى السعودية والإمارات وباكستان، وسريعاً ما سحبت الاعتراف مع الضغط الأمريكي. بعد ذلك أرسلت الولاياتالمتحدة قوات عسكرية إلى السعودية والخليج لحماية البترول ووضع قدم عسكرية لحماية حلفائها في المنطقة، وهو ما أدى بأسامة بن لادن ومن معه إلى توسيع عمل تنظيم القاعدة نهاية سنة 1988- التي كان عملها الجهاد من أجل التحرير من السوفييت - ليشمل الجهاد من أجل إقامة الشريعة مع حركة طالبان في مواجهة العلمانيين والقوميين وبعض الإسلاميين ممن ينتمون إلى الفكر الإخواني مثل: برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف،وكان هذا التحول هو محور اتحاد جماعة الجهاد الإسلامي مع جماعة تنظيم القاعدة الإسلامي العربي وكوّنا تنظيم قاعدة الجهاد الدولي. بعد حرب الخليج الأولى عام 1990، تم توسيع الدائرة أكثر حتى شملت استهداف مصالح الدول الطاغية الكبرى كأمريكا وبريطانيا في داخل أراضيهما وفي بلاد عملائهما في المنطقة. و تُعتبر بداية عمليات التنظيم سنة 1992 م بتفجيرين باليمن استهدفا جنودا أمريكيين كانوا في طريقهم إلى الصومال حين سيطرت المحاكم الإسلامية على الصومال قبل هذا بسنة، ثم تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 ، ويُعتبر أبرز عمل قامت به القاعدة في تلك الفترة،هو انتصارها مع حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان ضد القوميين والعلمانيين الأفغان والعرب نهاية عام 1995 وحتى نهاية عام 2001 . تم تفجير سفارات الولاياتالمتحدة في كل من دار السلام، تنزانيا ونيروبي وكينيا في وقت واحد 7 أغسطس عام 1998 بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لقدوم القوات الأمريكية للمملكة العربية السعودية، وفي أكتوبر عام 2000 قام أعضاء من تنظيم القاعدة في اليمن بقصف بالصواريخ على المدمرة البحرية «يو أس أس كول». وكان أخطرها عام 2001 بهجمات 11 سبتمبر التي تعد نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة والعالم. يعتبر أبو محمد المقدسي صاحب كتاب «ملة إبراهيم «، المنظر الأول للسلفية الجهادية على مستوى العالم، وصنف من حيث الأهمية ودرجة التأثير في المركز الأول، قبل بن لادن نفسه ،الذي حل في مركز متأخر، والثاني هو أبو قتادة الفلسطيني، وهو من أشهر المنظرين لأطروحات وخطابات السلفية الجهادية وأكثرهم أهمية أيضاً وذلك من خلال كتابه «الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج «،و الذي نشر في عام 1999 ، أما الثالث فهو أبو مصعب السوري الذي استأثرت تنظيراته الجهادية المبتكرة باهتمام جميع مراكز الأبحاث والدراسات المعنية بالظاهرة في العالم كله بالنظر إلى ما تنطوي عليه أفكاره ومساهماته من تفرد، ويتجلى ذلك واضحاً في كتابه « دعوة المقاومة الإسلامية العالمية». وما من خلية جهادية اعتقلت في السنوات الأخيرة في أي بلد من البلدان العربية إلا وجاءت سيرة هؤلاء الثلاثة في التحقيقات كمرجعيات لها ذكرهم مثلاً يوسف فكري مؤسس أولى الخلايا الجهادية في المغرب - في مدينة اليوسفية سنة 1998 - التي تم الكشف عنها في عام 2002 . يذكر ان عناصر تابعة للسلفية الجهادية تنتشر في سيناء وتواجه اتهامات بارتكاب العمليات الارهابية التي حدثت في «أرض الفيروز» خلال السنوات الأخيرة.