ربما هو الآن، المصطلح الأكثر تداولًا فى وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والأكثر انتشارًا فى أطروحات وأوراق المراكز البحثية، خصوصًا تلك المهتمة بالحركات الإسلامية المسلحة.. بينما باتت أعتى الأجهزة الاستخباراتية العالمية، لا تتردد فى إنشاء وحدات كاملة باسمه.. عن السلفية الجهادية أتحدث، التى تصدر تيارها فى أوقات كثيرة المشهد فى مصر بعد ثورة 25 يناير. بينما كانت الذروة حين ظهر محمد الظواهرى، شقيق زعيم القاعدة الحالى، أيمن الظواهرى، وسط أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل، أمام وزار الدفاع بكوبرى القبة قبل عام مضى، بينما كان علم القاعدة الأسود يرفرفر خلف كتفيه. كما استحوذت السلفية الجهادية على الأنظار الإعلامية والأمنية بمصر، خلال العامين الماضيين بشدة، مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية فى سيناء، التى تضاعفت مع الموجة الثانية للثورة المصرية، فى 30 يونيو، وما تلاها من عزل الرئيس الإخوانى، محمد مرسى، لتتحول بوابة مصر الشرقية مرتعًا آمنًا لجماعات محسوبة عليها أو قريبة منها، كالقاعدة وغيرها من التنظيمات التكفيرية المسلحة. وبقدر الغموض الذى يحيط بعدد السلفية الجهادية فى مصر على وجه الخصوص، وبهوية زعيمها، الذى يتداول سرًا وفى نطق ضيقة، أنه محمد الظواهرى، ففى المقابل، فإن بيانات تلك الجماعة تحرص كل الحرص على الفصل بينهما، وبين نظيرتها الإسلامية المسلحة «سابقًا»، خصوصًا جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية. ناهيك عن موقف السلفية الجهادية العدائى (بعكس غالبية المنتمين إلى الجماعتين سالفتى الذكر) من جماعة الإخوان المسلمين، ومن يسير على شاكلتها من تيارات سلفية غير جهادية (سلفية علمية) وغيرها، اعتركت السياسة والعمل العام، لا الدعوى، حتى إنها لا تتردد فى تكفيرها، بل والتحريض على إهدار دماء رموزها باعتبارهم خطرًا على الدين، لا يقل عن خطر العلمانيين والملاحدة. الغريب، ومع كل هذا الزخم المحيط بالسلفية الجهادية، فإن الغالبية تجهلها، لا تعرف أصل تسميتها، ولا أدبياتها، ولا الفارق بينها وبين أى تنظيمات أو تشكيلات أخرى، ترفع لافتة «حى على الجهاد». كما يعجز كثيرون عن تحديد عدو السلفية الجهادية، أو هدفها الأسمى، ومن هم منظروها، وما أدبياتها على وجه الدقة؟! الكاتب والباحث والأكاديمى التونسى المعروف، الدكتور أكرم حجازى، قرر أن يغرد خارج سرب الجهل بالسلفية الجهادية، بأطروحته البحثية المهمة والمجمعة فى كتاب ثرى، صدر حديثًا عن «مدارات للأبحاث والنشر» تحت عنوان كلاسيكى «دراسات فى السلفية الجهادية». وفى العموم، فإن مصطلح السلفية الجهادية برز منذ نهاية الثمانينيات، مع صعود بعض جماعات الإسلام السياسى، التى تتبنى الجهاد منهجًا للتغيير، ويعتبره وجوبيًّا على كل مسلم، سواء ضد العدو المحتل، أو وضد النظم الحاكمة المبدلة للشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية أو تلك التى تبالغ فى القمع والبغى. وبالتالى وبعكس التيارات السلفية التى تحرم الخروج على الحاكم، أو إلقاء الناس بأنفسهم فى التهلكة، فإن السلفية الجهادية، تنتهج التحرك الثورى المسلح من أجل التغيير، بينما اعتزلت انتهاج مسارات التعليم والتربية والسياسة والديمقراطية الحديثة، باعتبار أن السلطات الحاكمة، كافرة، وعميلة للخارج، ولن ينفع معها إصلاح. بينما يبقى من أبرز رموز السلفية الجهادية أسماء من شاكلة بن لادن وأبو مصعب السورى، أبو قتادة الفلسطينى، وأيمن الظواهرى وأبو حمزة المهاجر، وغالبية أعضاء تنظيم القاعدة، والتنظيمات المرتبطة به، فى العراق، والمغرب العربى، والشيشان. وبشأن علاقة السلفية الجهادية بغيرها من الحركات الإسلامية، يقول حجازى، إن الأخيرة ارتضت أن تنتظم تحت مظلة النظام العالمى، فبدلت، على غرار الإخوان المسلمبن، حلم إقامة الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم عبر الجهاد الشرعى، بتبنى المشروع الاقتصادى الرأسمالى، لتمرير مصالحها ومشروعاتها. السلفية الجهادية ترفض كذلك، كل المفاهيم الفكرية والثقافية والسياسية قاطبة، وتسعى لإحلال المفاهيم الشرعية محلها. هى ترفض تنزيل الأحكام على الوقع، وتتعامل معها مجردة دونما قياس على الزمن أو الظرف الآنى. كما أنها توسع مفهومها عن الطاغوت، ليشمل إلى جانب غير الموحدين والمشركين والمبتدعين، الأنظمة الوضعية، التى تعمل لصالح النظام العالمى من وجهة نظرها، الأمر الذى أكسب السلفيين الجهاديين انتشارا وشيوعا بين جمهور العالم الإسلامى. خصوصًا أنهم تيار لا يعتبرون الأرض والحدود مقدسًا، بل هى كلها لله، وبالتالى فللمسلم على المسلم (ولو كان أعجميا) حق النصرة والمؤازرة والجهاد والشهادة من أجله، وكذا التضحية بالنفس والمال أينما كان موقعه، وعليه كان الشيخ الأردنى، عبد الله عزام أحد أمراء الجهاد فى أفغانستان، وكان من يعرف بالشيخ خطاب، نظيره فى الشيشان. وترفض السلفية الجهادية مفهوم «الإسلام الوطنى» الخاص بكل دولة وشعب، حسب الحدود والجغرافيا، وترفض أيضا تحول الجهاد لفعل «مقاومة»، بمعنى آخر هى لا تعترف بشرعية الدولة، ولا حدودها، ولا قدسية ترابها، كما أنها لا تمنح من يقتل فى سبيل نصرة وطنه، لقب شهيد، فلا شهيد إلا من انتصر للدين والحاكمية على طواغيت الوضعية والعلمانية. إن بحر السلفية الجهادية واسع، لكنه معتم، مخيف، خطر على الجميع. وطالما أن ذلك التيار بات فى قلب المشهد المصرى الساخن، فيجب فهمه جيدا ومحاولة احتوائه ثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، أو على أقل تقدير إبطال قنبلته الموقوتة، التى إذا ما انفجرت، ستحرق الأخضر واليابس، ولن ينفع ساعتها الندم.