صراع وتبادل اتهامات هذه هى الصورة بين التيارات الإسلامية والليبرالية والعلمانية، مستخدمين فى ذلك المليونيات فتيار يستخدمها للضغط لإقرار الشريعة، وآخر يستخدمها للضغط أيضاً لمنع تطبيقها، مؤكدين أن مصر دولة مدنية. «فيتو» حاورت الشيخ نبيل نعيم - زعيم تنظيم الجهاد- حول مفهوم الشريعة وإقامة الحدود ومدى ملاءمة الظروف الحالية لذلك والمزيد من التفاصيل فى هذا الحوار.. كيف ترى مفهوم الشريعة الإسلامية؟ - الشريعة الإسلامية أكبر وأشمل من الحدود التى يجب تطبيقها فى القتل والسرقة والزنى والقذف وشرب الخمر والحرابة والردة، فهى تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين السلطة والأفراد، وبين الحاكم والسلطات الأخري.. ومن أهم ما كتب عن الشريعة فى الفقه الإسلامى كتاب «السفر الكبير» لأبو الحسن الشيباني، وكتاب «المسالك فى تدبير المالك» الذى يوضح علاقة الحاكم بالآخرين. وهى خاصة بالحكومات الإسلامية وتتحدث عن ميزان التفويض والتنفيذ وما إلى ذلك، وتحدد أهم صفات رجل الدولة والوزراء، وكذلك كتاب «الخراج» لأبى يوسف تلميذ أبو حنيفة، وهو أول كتاب أشار إلى مصادر الاقتصاد الإسلامي. من هنا نجد أن الشريعة الإسلامية هى علاقات دولية واجتماعية وإدارية أى ما يسمى «تدبير شئون الملك» مثل أى دولة مدنية فى تنظيم الوزارات سواء اقتصاديا أو تجاريا أو خارجياً والشريعة الإسلامية أيضاً مجموعة قوانين عامة وشاملة لجميع مناحى الحياة. وهل يتلاءم تطبيق الشريعة الإسلامية مع ظروف هذه المرحلة؟ - من وجهة نظرى أن الظروف الحالية غير ملائمة لتطبيق الشريعة، خاصة أن المطالبة بتطبيقها من جانب بعض الأحزاب الإسلامية التى تسعى إلى تكتل سياسى لخوض الانتخابات المقبلة كى تستطيع مزاحمة جماعة الإخوان المسلمين التى تستأثر بكل شيء وقامت بإقصاء الآخرين، وهذا يذكرنا بالتعديلات الدستورية التى أطلقوا عليها مسمى «غزوة الصناديق» واستطاعوا حشد الناس لتمرير إعلان دستورى معيب، ثم اضطروا لوضع دستور جديد، فهذه الجماعات إذا تبادلت الكرسى مع مرسى فلن تقدم حجة لتعطيل تطبيق الشريعة كما تفعل الحكومة الآن وهذا كله نوع من الحشد والاستقطاب لمشاعر الناس لتكوين حشد انتخابى لا أكثر ولا أقل، وبالتالى لا ينظرون إلى ظروف المواطن المصرى وإنما إلى مصالحهم الخاصة. أضف إلى ذلك أن هذه الأحزاب متناقضة مع نفسها، فهى وافقت على التأسيس على أساس دولة مدنية، والشريعة لا تطبق إلا فى ظل حكومة إسلامية ودولة إسلامية الهوية وليست دولة مدنية، وهذا نوع من «الترقيع» ولو توافرت جميع المقومات لن تيم تطبيق الشريعة إلا فى ظل حكومة ودولة إسلامية. كيف ترى المطالبة بتطبيق الحدود؟ - فكرة تطبيق الحدود حتى داخل الدولة الإسلامية لها متطلبات، منها قضاء شرعى مؤهل للقيام بدوره، وهذا غير متوافر الآن، وكل ما نجده هم مجموعة من الأخوة مضطربين فكريا «وفقهيا» وليس لهم دراية بشىء فمنذ عامين أو ثلاثة أصدروا كتابا «القول السديد بأن دخول مجلس الشعب مناف للتوحيد» كما قالوا بتحريم العمل السياسى والحزبى، وكفروا الديمقراطيين، والآن يفعلون ما كانوا يرفضونه، وهذا يدل على أن المنادين بتطبيق الحدود الآن مضطربون فكرياً وفقهياً، ولا يجعلنا نطمئن إلى أطروحاتهم خاصة أنهم كانوا يحرمون الصلح مع إسرائيل، والآن اعترفوا بكامب ديفيد، ويرحبون بها، مما ينزع عنهم الثقة. هل هناك شروط لإقامة الحدود الإسلامية؟ - إقامة الحدود فى الإسلام لها شروط لابد أن تتحقق، وموانع لابد أن تختفى، فالسارق لا تقطع يده إلا إذا كان لديه حد الكفاية والذى يعينه على متطلبات الحياة، فإذا لم تكن متوفرة لديه، فالقاضى الشرعى يقدر حالته ويعفو عنه أو يقيم عليه الحد، وكذلك الزانى لا يقام عليه الحد إلا بشهود أربعة أو بإقرار منه، أو ببينة مثل حمل الفتاة التى لم يسبق لها الزواج، وكل هذا يبحثه قاضى شرعى متخصص، لأن الرسول «صلى الله عليه وسلم» قال «إدرأوا الحدود بالشبهات» أى لو كانت هناك أى شبهة فعلى القاض أن يوقف الحكم، وهذا لا يتوفر إلا لفقيه متمكن وليس هاوياً. أضف إلى ذلك أن تطبيق الحدود لابد أن يلزمه تحقيق العدالة الاجتماعية خاصة أن ما يزيد على 07٪ من الشعب المصرى لا يكفون احتياجاتهم، بل إن المرتد لا يقام عليه الحد إلا بعد إزالة الشبهات التى جعلته يرتد، والصبر عليه حتى يعود إلى الإسلام. هل تعتقد أن المجتمع المصرى مهيأ لتطبيق الحدود؟ - الحدود ليس لها دخل بالمجتمع، ولكن بالعوامل التى تحدد إمكانية تحقيقها، مثل توفير حد الكفاية للناس، ولا شبهة فى السرقة لدرجة أن الشريعة تقول: لا تقطع يد سارق الأقارب حتى لا تتفكك الروابط الأسرية والاجتماعية ولا تقطع إلا من سرق من حرز «أى باب مغلق» وبالتالى فأنا أطالب بإقامة دولة إسلامية ونظام إسلامى أولاً، ثم نفكر فى إقامة الشريعة كاملة،. كيف ترى من ينتقد تطبيق الشريعة؟ - من ينتقد تطبيق الشريعة الإسلامية لديه نوع من التخوف المبرر، وسببه الأداء السيىء للتيار الإسلامي، ونصب حالة من العداء بينهم وبين غيرهم من التيارات الأخري، وإعلان أحكام التكفير والردة لمن يخالفهم الرأي، مما يجعل هذه التيارات تتخوف من سيطرة التيار الإسلامى وتعتبر أن المناداة بتطبيق الشريعة هى محاولة من التيار الإسلامى للانتقام من الليبراليين والعلمانيين، بحجة أنهم «مرتدون» عن الدين ولن يطبقوا من الشريعة إلا هذا الأمر، فهذه السلوكيات تجعل الآخرين متخوفين من تطبيق الشريعة، الأمر الثانى هو جهل هؤلاء برحمة الشريعة الإسلامية وأنها ليست ما يطرحه التيار الإسلامي، بل هى أرحم وأشمل مما يطرحونه.