"عليك صلاة الله وسلامه.. شفاعة يا جد الحسنين.. ده محملك رجعت أيامه.. هنية واتهنت به العين" هكذا صدحت الفنانة أسمهان بأغنيتها عن المحمل الذي كان يخرج من مصر تزفه الخيول الملكية في موكب رسمي وشعبي مهيب، تجتاز ربوع البلاد، حتى أن الملك فاروق كان يفضل أن يكون في مقدمة تشريفة المحمل، التي تحمل كسوة الكعبة الشريفة إلى مكةالمكرمة. يوم طلعة المحمل كان يمثل العيد الحقيقي لمصر والمصريين، الذين يتذكرونه حتى الآن، كان لهذا اليوم مكانة عظيمة عند المصريين، حتى إن الحكومة المصرية كانت تمنح العاملين بها عطلة رسمية، حيث تخرج حشود الناس لتوديع المحمل من ميدان القلعة حتى خارج حدود القاهرة في موكب عسكري مهيب.. ليسافر المحمل مع أفواج الحجاج قاصدين مكة. طلعة المحمل من مصر إلى الحجاز 1918 يذكر التاريخ أن ولاة مصر تولوا أمر كسوة الكعبة وخروجها من مصر عندما ضعفت الدولة العباسية، ينفرد بها ولاة مصر حتى العام 1961. ويعد الظاهر بيبرس أول حاكم مصري يرسل كسوة الكعبة، بعد انقطاع 12 عامًا، خلال حروب التتار ومقتل الخليفة العباسي وقد ظل يتناوب إرسال كسوة الكعبة مع الملك المظفر ملك اليمن. كانت مصر تحتكر كسوة الكعبة المشرفة لعقود، فأنشأت لها أماكن لصناعة الكسوة قبل أن تنشئ لها دارا أطلق عليها "دار الكسوة"، وكانت الدار قائمة بحي "الخرنفش" وتقع عند التقاء شارع "بين الصورين" وميدان باب الشعرية في القاهرة القديمة. صناعة كسوة الكعبة 1937 وعلى مدى عقود طويلة نظم المصريون احتفالات خاصة بالكسوة التي كانت تخرج من البلاد، في حفل كبير يستبق مواكب الحجيج، فيما تعود الكسوة القديمة بعد انتهاء موسم الحج في موكب مهيب، حيث كانت الكسوة القديمة تُقطع إلى قطع صغيرة، وتوزع على المساجد كنوع من البركة. كان المحمل يخرج من مصر في اليوم 27 من شهر شوال، حيث يبدأ سفر المحمل بعد تجهيزه واختيار موظفيه ويقام لذلك احتفالا يحضره الباشا الوالى والقضاة وكبار رجال الدولة، وتدق الطبول والموسيقى ويكون وصول المحمل إلى المعسكر الذي يجتمع فيه الحجاج المصريون مع أقرانهم من بلدان شمال أفريقيا وتركيا خارج القاهرة، إيذانًا ببدء الرحلة المقدسة. كان المحمل يسافر إلى السويس ثم إلى قلعة النخل وسط سيناء ثم العقبة وبعد ذلك يتجه جنوبًا ويسير بمحاذاة البحر حتى "ينبع" ثم إلى مكة ووصف المؤرخ القلتشندى في كتابه "صبح الأعشى" المحمل فذكر أن المحمل يحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة وعليه غشاء من حرير أطلس أصفر وبأعلاه قبة من فضة مطلية. الكسوة تسافر في موكب من القاهرةلمكة 1946 وقد نشرت وزارة الداخلية، في عهد الخديو عباس حلمى الثانى، إعلان عام 1909 في جريدة الوقائع المصرية عن المحمل قائلة: "إن الحكومة الخديوية للخديو عباس حلمى الثانى حاكم مصر في ذلك الوقت ترغب في تيسير السبل لأداء هذه الفريضة الدينية ولهذا تسمح لمن يقصدون السفر للحج مع قافلة المحمل" وعن المحمل ذكر الإعلان "وهى القافلة التي تحمل كسوة الكعبة المشرفة كما جرت العادة وقئنذك وذلك حتى يكونوا تحت رعاية وحماية أمير الحج والحرس العسكري، ويتكفل أطباء المحمل وصيادلته بمعالجتهم وإسعافهم دون تأخير ويتم السفر في طريق أفضل من حيث المشقة وتعد المسافة وتوافر أسباب الراحة والأمان وتقليل النفقات وعلى من يريد اغتنام هذه المزايا أن يقدم طلبا قبل ميعاد سفر المحمل بخمسة أسابيع على الأقل أي قبل ميعاد الحج بنحو شهر" أما مصاريف السفر إلى مكة للحج مع المحمل فكانت "مصاريف السفر في الدرجة الأولى (25 جنيها مصريا) للشخص الواحد وتدخل ضمن هذه القيمة أجرة الجمل والباخرة والوابور "القطار" وكذلك رسوم المحاجر الصحية ونفقات "المؤنة" الطعام ولا تدخل في هذه القيمة نفقات الأكل في البواخر" "أما السفر بالدرجة الثانية قيمته (23 جنيهًا) مصريًا والثالثة (20 جنيهًا) وإن اتفق اثنان من الحجاج على السفر بجمل واحد فتكون القيمة (14 جنيها). يذكر المؤرخون أنه بعد الحج يعود المحمل حاملًا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالكسوة الجديدة وتقطع إلى قطع وتوزع على النبلاء والأمراء وما زالت هذه القطع موجودة في متحف كسوة الكعبة وبعضها في قبور العائلة الملكية في مصر حيث زينوا بها أضرحتهم كنوع من التبرك. فيديو سينمائي نادر لرحلة الحج المصرية 1937.