يتذكر المصريون في مثل هذه الأيام من كل عام وهم يتابعون تدفق الحجيج إلى الأماكن المقدسة ذكريات عقود مضت كانت مصر تحتكر فيها كسوة الكعبة المشرفة وتبذل في سبيل الحفاظ على هذا الشرف الكبير كل غال ونفيس. والثابت أن كسوة الكعبة المشرفة ظلت على مدى عقود طويلة من الزمان شرفاً كبيراً يسعى الملوك والسلاطين والأمراء إليه حتى لو كان الثمن النزال بالسيف. وتشير معظم الروايات التاريخية إلى الخليفة المهدي العباسي باعتباره أول من كسا الكعبة المشرفة بالحرير الأسود، “فلما ضعفت الدولة العباسية تناوب ولاة مصر واليمن كسوة الكعبة لفترة من الزمن، قبل أن ينفرد بها ولاة مصر حتى العام 1381 هجرية”. ويعد الظاهر بيبرس أول حاكم مصري يرسل كسوة الكعبة، بعد انقطاع اثنتي عشرة سنة بسبب فتنة التتار ومقتل الخليفة العباسي وقد ظل يتناوب ذلك مع الملك المظفر ملك اليمن. وظلت مصر تحتكر كسوة الكعبة المشرفة لعقود، فأنشأت لها أماكن لصناعة الكسوة قبل أن تنشئ لها دارا أطلق عليها “دار الكسوة” وهي الدار التي لا تزال أطلالها قائمة حتى اليوم بحي “الخرنفش” في القاهرة القديمة. وعلى مدى عقود طويلة نظم المصريون احتفالات خاصة بالكسوة التي كانت تخرج من البلاد، في حفل كبير يستبق مواكب الحجيج، فيما تعود الكسوة القديمة بعد انتهاء موسم الحج في موكب مهيب، حيث كانت الكسوة القديمة تُقطع إلى قطع صغيرة، وتوزع على المساجد كنوع من البركة. كان دوران المحمل يتم يومي الاثنين والخميس، ويصاحبه العديد من المظاهر الاحتفالية مثل تزيين الحوانيت، واللعب بالرماح فوق الخيول، وفي شوال كان الحجاج يصاحبون المحمل تمهيداً للسفر. واقتصر دوران المحمل في عصر العثمانيين على خروجه في النصف الثاني من شوال وكان الوالي أو نائبه يحضر خروج المحمل وكذا كبار المماليك والعلماء والأعيان وكان الجمل الذي يحمل المحمل يمر في شوارع القاهرة وتسير وراءه الجمال التي تحمل الماء وأمتعة الحجاج ثم تخرج طوائف الجند وأمير الحج ثم رجال الطرق الصوفية يحملون البيارق والطبول والزمور. وكان الناس يقفون على جانبي الطريق أو يسيرون خلف المحمل يتبركون به قبل أن يتجه إلى بركة الخليج،وهناك يخرج كبار الأمراء والسناجق والعلماء والأهالي لتوديع أمير الحج والحجاج. وفي عصر الخديو إسماعيل أولت مصر اهتماما كبيرا بصناعة الكسوة فصارت تصنع من حرير أسود مشجر وتوشى بالذهب وتزين بالآيات القرآنية وقد استمرت تلك المواكب حتى بداية الخمسينات قبل أن تحتكر المملكة العربية السعودية هذا الشرف لنفسها.