سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المحللة السياسية راغدة درغام تكتب: قطر لغز يحاول الجميع البحث عن حلول له.. صبغة الإسلاميين على الحكم وعزمهم على احتكار السلطة جعل من الانتخابات سلعة رخيصة لإلقاء القبض على الديمقراطية
عناوين وصف القمة العربية ال24 التى عقدت فى الدوحة هذا الأسبوع تعكس الانقسام العميق حول ما يحدث فى سوريا وحول دور قطر فى رسم نهج التغيير فى المنطقة العربية. فالدوحة تسلمت رئاسة القمة لسنة قد تكون من أهم السنوات فى المرحلة الانتقالية، وقطر مازالت اللغز الذى يحاول حله أو استفهامه ربما كل عربى وغير عربى، باستثناءات قليلة. أمام قطر سنة امتحان عسير قد لا يقيها من مطباته أسلوبها الجريء الذى يتعمّد الاستفزاز والألغاز. إنما ما بين اللغز والإرث مسافة وعلاقة مصيرية ليس فقط لدولة قطر وقيادتها غير التقليدية وإنما أيضًا لمنطقة تمر فى مرحلة هشة ومصيرية على السواء. لذلك، من الحكمة أن تتخذ القيادة القطرية قرارات تخلو من نكهة البدعة وأن تحاول التفاهم مع الشعوب العربية على أسس الوضوح. فاللغز ليس سياسة بمستوى جدية الحدث الضخم الذى يهز المنطقة منذ أن أتى التغيير إليها باسم «الربيع العربي». والغموض – بناّءً كان أو مدمرًا – ليس سياسة يتقبلها الناس وهم على أرجوحة التساؤلات والقلق، فإذا كان هدف النهج الجديد هو حقًا احترام حقوق الناس، كما تقول القيادة القطرية، أن أولى محطاته يجب أن تكون فى بذل الجهد الصادق لتبديد الشكوك فى الغايات القطرية والعمل الحقيقى للتعرف إلى أسباب انعدام الثقة بالأجندة القطرية، لمعالجتها. هذا إذا كانت الدوحة راغبة حقًا فى توظيف رئاستها لفتح صفحة جديدة تطوى تكتيك الغموض للقفز على أوتار المعادلات الإقليمية والدولية لغايات تخدمها. وقد لا ترغب. فإذا ارتأت الدوحة أن لا داعى لشرح ما فى ذهنها طالما تفعل ما تشاء، لن تتخلى عن أسلوبها المعهود. وسيكون ذلك قرارًا محزنًا. قمة الدوحة أثارت عناوين متضاربة فوُصفت بأنها قمة "تشريع الفوضى السورية... والعربية" و"سلب مقعد دمشق". ووصفت أيضًا بأنها قمة «احتضان الثورة السورية وعلمها» و"تشريع تسليح المعارضة السورية" وقمة "مقعد دمشق". أحد العناوين وصفها بأنها جزء من «استبدال القومية العربية بالإسلام السياسي»، فيما اعتبرها عنوان آخر قمة «إقرار حق الدول فى تسليح المعارضة». لا خطأ فى أن يكون هدف القمة العربية إعادة إعمار سورية بعد كل هذا الخراب المريع. ويستحسن كثيرًا أن يتم تنفيذ إنشاء صندوق للقدس ببليون دولار. ليس عيبًا أن يُستخدم النفوذ المالى ضد تسلط الحزب الواحد وإطلاق الحكم الراشد. ومن البديهى أن تحتاج قوى المعارضة إلى دعم مالى إذا كان القرار السياسى تسليحها. بل إن الحاجة حقًا ماسة لضخ المال فى مداواة جرح ووجع اللاجئين والمشردين السوريين وهم ربع سكان سورية. ما تملكه أيضًا هو إرث الانقسام العميق فى أوساط الدول العربية وما يترتب على ذلك الانقسام من خصوم وأعداء. فالدول التى عارضت أو تحفظت على إعطاء مقعد سورية إلى المعارضة فى قمة الدوحة دول غاضبة رضخت. فالعراق مخنوق فى تمزقه الداخلى، والجزائر ملهية فى أولوياتها الداخلية – وهاتان أقوى الدول المتحفظة وزنًا ونفوذًا، تقليديًا. جامعة الدول العربية أيضًا تقع فى بطن الانقسام إذ باتت فى رأى كثير من أعضائها الغاضبين موضع استفراد دول مجلس التعاون. فى وسع أمين عام الجامعة نبيل العربى أن يُشهر فى وجه منتقديه أن التطور النوعى فى مواقف الجامعة فى السنتين الماضيتين هو الذى أخرجها من قمقم إملاء الأنظمة وجعلها تتسم بالجرأة والإقدام لا سيما من أجل رفض التفرج فقط عندما تسفك أنظمة الدول دماء الناس فى ليبيا أو فى سورية على السواء. دور الجامعة سيكون تحت المجهر مكبَّرًا بأضعاف أثناء السنة المقبلة بسبب رئاسة قطر للقمة، ولذلك يجب أن تتحلى بالشفافية والحكمة والإصرار على رفض الانقياد وراء أسلوب اللغز والغموض. فإذا دعمت الجامعة للتوجه إلى الأممالمتحدة لدعم حصول «الائتلاف الوطنى» السورى على مقعد دمشق فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الجامعة أن تكف عن التذمر مما تفعله أو لا تفعله الأسرة الدولية أو مجلس الأمن، وأن تستبدل اللوم باستراتيجية الإقدام. مشهد الوفد السورى فى مقعد سورية فى قمة الدوحة برئاسة معاذ الخطيب، وأمامه علم الثورة السورية، بجانبه ووراءه «موزاييك» من الشعب السورى بتنوع طوائفه وأثنياته، وإلى يساره امرأة، كان مشهدًا نوعيًا معنويًا وسياسيًا وكان أيضًا فريدًا فى مسيرة الثورات العربية التى انطلقت مع ولادة هذا العقد. فمعظم صور القيادات التى ولّدتها تلك الثورات تكاد تخلو من التنوع وبالتأكيد من النساء. بل إن صبغة الإسلاميين على الحكم وعزمهم على احتكار السلطة والاستفراد بصنع القرار جعل من الانتخابات سلعة رخيصة لإلقاء القبض على الديمقراطية من أجل تحريفها وتشويهها لتخدم غاياتهم الأصلية – امتلاك السلطة وفرض الحكم باسم الدين. قطر متهمة بأنها هى التى تقوم برعاية صعود الإسلامويين إلى السلطة وبالذات «الإخوان المسلمين»، ولذلك هناك انعدام ثقة بقطر فى صفوف الحداثيين والمدنيين والعلمانيين فى تونس ومصر وليبيا وسورية وأينما كان. رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم حاول أثناء مؤتمره الصحافى بعد قمة الدوحة أن يطمئن بأن بلاده تدعم الجيش المصرى وليس تسلط «الإخوان» فى خطوة لافتة لكن السياسة القطرية برمتها تحتاج إلى الشرح، وإلا فإنها ستبقى موضع تشكيك وثقة ضائعة مهما لعبت من أدوار مهمة فى إطاحة أنظمة الاستبداد. ففى كل موضوع، هناك لغز قطرى. فى الموضوع الفلسطينى، مثلًا، تستخدم قطر نفوذها ومالها تارة لترقية «حماس» وتوجيه صفعة إلى السلطة الفلسطينية، وتارة لتدفع إلى مصالحة فلسطينية – فلسطينية فى مصر، وكذلك باتخاذ قمة الدوحة قرار إرسال وفد إلى واشنطن للدفع بالعملية التفاوضية مع إسرائيل وإحياء «المبادرة العربية» فى العاصمة الأميركية. فى موضوع إيران أيضًا هناك تضارب وبعض الالتباس الذى يتطلب الإيضاح. فللدوحة علاقة عميقة مع طهران منذ سنوات قبل المسألة السورية. قنوات الاتصال بين قطر والجمهورية الإسلامية الإيرانية تبقى مفتوحة والدوحة ترى أن النظام الأمنى فى منطقة الخليج يتطلب تواجد طهران ضمنه. وهناك توافق سعودى – قطرى كامل فى الموضوع السورى يصب بالتأكيد فى المحطة الإيرانية فى نهاية المطاف نظرًا للعلاقة الإيرانية العضوية مع النظام السورى ومع «حزب الله». فأولوية السعودية وقطر الآن هى تغيير النظام فى دمشق. وليس صدفة أن قمة «المقعد» فى الدوحة التى صفعت النظام فى دمشق رافقها الكشف فى الرياض عن قيام السلطات السعودية بالقبض على خلية تجسس تتورط فيها إيران. وسواء رفضت هذا القرار أو استسلمت أمامه، فإيران أمام قرار خليجى، سعودى – قطرى بالذات، بأن لا تراجع عن الإصرار على تغيير النظام السورى. قد تود الدوحة تطويق المغامرة الإيرانية فى سورية عبر الحوار، شأنها شأن واشنطن، لكنها لن تحيد عن عزمها على عدم التعايش مع ما تريده طهران وهو بقاء نظام بشار الأسد فى السلطة. ماذا ستفعل طهران؟ هوذا السؤال الأكبر. فبينما تخضع إيران لعقوبات اقتصادية لن تتمكن روسيا من التعويض عنها فى نهاية المطاف، تطفو الجرأة الخليجية مرتبطة بالقدرة على ضخ المال. وهذا يعطى قوة غير مسبوقة للخليج ستنعكس تمامًا حيث معركته مع إيران، فى الخاصرة السورية. فالهدف واضح عند دول الخليج الآن، وهو تغيير خريطة المنطقة من خلال تغيير خريطة النظام فى سورية. ما هى الاستراتيجية الخليجية نحو سورية فى شقها اللبنانى والأردنى والعراقى؟ الرد على هذا السؤال فيه طيّات عديدة، منها ما هو جدى ومنها ما يفتقد حقًا الجدية الضرورية. قد ترغب دول الخليج أن تقرّب الأردن منها بصورة جذرية لكنها مازالت تتبنى الأسلوب المعهود القائم على تقطير المعونات بدلًا من الالتزام باستراتيجية تضع الشركاء فى مرتبة واحدة. دول الخليج تود أن تفك لبنان عن الهيمنة السورية – الإيرانية، لكنها تبدو هائمة بين التوعد والوعود. ليس لدى هذه الدول وضوح – أو تنفيذ – لتعهدات معالجة أزمة اللاجئين السوريين فى لبنان والذين هم فى أشد الحاجة إلى المعونة. هناك وعود عائمة، والوعود لا تشكل سياسة جدية إن بقيت بلا تنفيذ. المعركة على سورية بين دول فى مجلس التعاون الخليجى وبين إيران يجب ألاّ تكون عشوائية. فالحديث المطلوب ليس بين الولاياتالمتحدةوإيران بقدر ما هو بين دول الخليج وإيران. هناك قنوات اتصال بين الدوحةوطهران يجب أن يتم تفعيلها من أجل إقامة حديث ما، هدفه تحييد لبنان حقًا عن السقوط فى الهاوية السورية. لعل هذا الحديث يؤدى إلى كلام المصارحة بأن إيران الآن تملك القرار السياسى فى بغداد، بإقرار وقبول أميركى به، إذا وافقت طهران على فك قبضتها عن سورية. فواشنطن ليست غائبة كليًا عما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط مهما بدت تتأرجح على القرارات. الرئيس باراك أوباما رعى المصالحة التركية – الإسرائيلية بتزامن مع نقلة نوعية فى المصالحة التركية – الكردية. وزير خارجيته جون كيرى قفز بزيارة مهمة إلى بغداد لإبلاغ رئيس الحكومة نورى المالكى بأن مباركة بقائه فى السلطة مرتبطة بإقفاله حدود العراق مع سورية بدلًا من تسهيل الخروقات الإيرانية لأجواء العراق لإيصال إمدادات عسكرية إلى النظام فى دمشق. إنه التموضع مجددًا، إقليميًا ودوليًا، من أجل رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط الجديد. كفة الميزان أتت لتسليط الأضواء على التحرك الأميركى والخليجى والتركى، لكن زعماء «البركس» بدورهم اجتمعوا وسط استقطاب يبدو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لم يكن جدًا ناجحًا فيه، أقله الآن، وحتى إشعار آخر.