خبراء: مبادرات التمويل المدعوم تخفض تكلفة الإنتاج 8%.. وتمهد لقفزة تصديرية    زيادة تصل إلى 17 جنيها، تعريفة الركوب الجديدة لخطوط النقل الداخلية والخارجية ب 6 أكتوبر    رئيس البنك الدولى: إعادة إعمار غزة أولوية وننسق مع شركاء المنطقة    إشادة ترامب تعكس تطور المنظومة الأمنية فى حماية الوطن والمواطن| شهادة الرئيس الأمريكى تؤكدها الحقائق على الأرض    جيش الاحتلال يعلن تسليم "حماس" جثة رهينة للصليب الأحمر    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب لزيلينسكى: لا أريد التصعيد مع روسيا.. الجنائية الدولية ترفض طلب إسرائيل بتجميد مذكرة اعتقال نتنياهو.. بلومبرج: خطط تركية لنشر مدرعات وصواريخ شمال سوريا    قناة عبرية: ضباط أمريكيون سيقيمون مركز قيادة في غلاف غزة لقيادة قوات دولية    "الجنائية الدولية" ترفض طلب إسرائيل بإلغاء مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الاتحاد الأوروبى يطالب بنزع سلاح حماس دعما لخطة ترامب    رياضة ½ الليل| مصر تتأهل للأولاد.. يد الأهلي تكتسح.. الغيابات تضرب الزمالك.. وزعزع أفضل لاعب    رسميًا| لاعبو الدوري الإسباني يحتجون على إقامة مباراة في أمريكا    قائمة بيراميدز في مواجهة نهضة بركان بالسوبر الأفريقي    تعرف على طاقم حكام مباريات الأحد فى الدورى الممتاز    رغم التعادل أمام ستراسبورج، باريس سان جيرمان يحافظ على صدارة ترتيب الدوري الفرنسي    20 لاعبا فى قائمة الإسماعيلى لمواجهة حرس الحدود بالدورى    إمام عاشور يذبح عجلاً قبل العودة لتدريبات الأهلى.. ويعلق :"هذا من فضل ربى"    قرار هام بشأن المتهم بقتل طفلته وتعذيب شقيقها بأطفيح    اليوم.. محاكمة 7 متهمين في قضية «داعش التجمع»    المحكمة الدستورية تشارك في أعمال الندوة الإقليمية بالمملكة الأردنية الهاشمية    صرف رئيس حزب شعب مصر من نيابة الجيزة بعد التصالح    إصابة فتاة اختل توازنها وسقطت من الطابق الثالث أثناء نشر الغسيل في العمرانية    مدحت صالح يتألق في ختام ثاني أيام مهرجان الموسيقى العربية    الوزراء: حريصون على افتتاح المتحف المصري الكبير في صورة مشرفة تليق بمكانة مصر    مدحت صالح يتألق بأغنية أنت عمرى لأم كلثوم ويرفع شعار كامل العدد    مدحت صالح يشعل ثاني ليالي مهرجان الموسيقى العربية بأمسية طربية ساحرة    مارسيل خليفة: لا أدرى إلى أين سيقودنى ولعى بلعبة الموسيقى والكلمات.. لدى إيمان كامل بالذوق العام والموسيقى فعل تلقائى لا يقبل الخداع والتدليس.. محمود درويش حى يتحدى الموت وصوته يوحى لى متحدثا من العالم الآخر    أنغام تتألق بفستان أسود مطرز فى حفل قطر.. صور    أخبار 24 ساعة.. وزارة التضامن تطلق المرحلة الرابعة من تدريبات برنامج مودة    مدير الخدمات الطبية بالمؤسسة العلاجية فى زيارة مفاجئة لدار الولادة بالإسكندرية    انطلاق مهرجان تعامد الشمس بأسوان بمشاركة 8 فرق شعبية وحضور فودة وكمال    مانشيني يقترب من العودة إلى البريميرليج ضمن قائمة المرشحين لتدريب مانشستر يونايتد    أمريكا تعتقل ناجين بعد غارة على سفينة يشتبه في نقلها مخدرات بالبحر الكاريبي    اللواء بحرى أركان حرب أيمن عادل الدالى: هدفنا إعداد مقاتلين قادرين على حماية الوطن بثقة وكفاءة    في ذكرى ميلاده.. سُليمان عيد صانع البهجة والإبداع    عاجل- وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثي ولكن إسرائيل رفضت رفضا قاطعا    الإثنين، آخر مهلة لسداد اشتراكات المحامين حاملي كارنيه 2022    توفير وظائف للشباب وذوي الهمم .. حصاد «العمل» في إسبوع    مصطفى بكري عن سد النهضة: مصر لن تسمح بأي تهديد لمصالحها الوطنية    «الوطنية للانتخابات»: قاعدة بيانات محدثة للناخبين لتيسير عملية التصويت    الأرصاد الجوية: توقعات سقوط أمطار على بعض المناطق خلال الساعات القادمة    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    شروط قرض الموتوسيكلات من بنك مصر 2025    «الطفولة والأمومة» ينعي ضحايا حادث أسيوط ويؤكد متابعة الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية    الملاذات التقليدية تنتصر.. الذهب يلمع والعملات الرقمية تتراجع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كُتب في الميزان..◄1- «تربية الشباب - الأهداف والوسائل»
نشر في فيتو يوم 24 - 08 - 2016

القراءة هي أوّل ما أمرنا به الله عزّ وجلّ؛ فقد كانت أول كلمة من القرآن الكريم هي "اقرأ" في أول آية نزلت على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وذلك لأهمية القراءة في حياتنا، وبالأخص قراءة كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، فمن أفضل الأمور التي يمكن أن يشغل بها أيّ منّا بها وقت فراغه هي القراءة، فالكتاب هو خير جليس للإنسان في حياته، فكل كتاب نقرأه يأخذنا معه إلى عالم آخر لنشعر بأنّنا جزء من ذلك العالم، وقد وُصف الكتاب في البيت الشعري:
«أعز مكانٍ في الدنا سرجُ سابحٍ ** وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ»
والكتب كثيرة ومختلفة من حولنا، وموضوعاتها شاملة لجميع مجالات حياتنا تقريباً، سواءً أكانت دينية، أو ثقافية، أو أدبية، أوعلمية، أو اجتماعية، ومهما كان موضوع الكتاب وما يحمل بين صفحاته من معانٍ كثيرة وقيمة لا يمكننا الحصول عليها والاستمتاع بقراءتها إلا من الكتاب.
ورغم انشغال الناس في الآونة الأخيرة بالتطورات التكنولوجية التي شهدناها إلا أنّ الكتاب ما زال ذا أهمية كبيرة للإنسان، فمهما كان المصدر الذي نحصل على المعلومات منه فإنّه لا يضاهي الكتاب، فقراءة صفحات الكتاب تجعلنا نشعر بمعاني المفردات التي نقرؤها..
وفي هذه السلسلة المسماة «كتب في الميزان» سنتاول أحد الكتب القيمة بالحديث عن أهميته التي يقدمها للبشرية.. وفوائده في حياتنا.. فالكتب هي الوسيلة الرئيسة التي تجعلنا نتعلم ونتعرف على كل ما حولنا من الثقافات والمعارف والعلوم المختلفة.. وشعارنا في ذلك « فيها كتب قيمة».
وتهدف هذه السلسلة فضلا عما سبق، إلى التأكيد على أن الكتب تعد مصدراً مهماً لتنمية اللغة لدى من يقرؤها، وتنمّي شخصية الفرد. وتكسب القارئ مهارة التعلم الذاتي، والتي أصبحت ميادين التعلم في أيامنا هذه تعتمد عليها، فلمواكبة التطورات في مجال البحث العلمي لابدّ من قراءة الكتب.. وتجعل الكتب الفرد أكثر ثقافة بحيث يكون لديه القدرة دائماً على نقاش الآخرين في جميع المجالات، كما تكون لديه القدرة على الحديث في المجالس بشكل أفضل، الأمر الذي يجعل من شخصية الفرد أقوى.
إن قراءة الكتب تكسب الفرد العديد من الخبرات والمهارات المتنوعة، كما تثري لغته بالكثير من المفردات والعبارات. وأن الوقت من الأمور التي نحاسب عليه يوم القيامة، فإنّ الله تعالى يسأل الإنسان عن عمره في ما أفناه، وعن شبابه في ما أبلاه، والكتب هي ما يشغل وقت فراغ الإنسان لتجعل منه أكثر فائدة. وتعمل الكتب على توسيع آفاقنا ومداركنا وقدراتنا وعقولنا، وتجعلنا نعرف الحديث من القديم...

وبناء على ذلك سيتم اختيار أحد الكتب، وعرض محتوى فصوله، في حلقات متتالية، مع الالتزام بذكر صاحب الكتاب والمصادر والمراجع التي استعان بها، واستقى منها مادته العلمية.. كي تعم الفائدة بين طلاب العلم، وعشاق القراءة والثقافة والاطلاع.

الكتاب: «تربية الشباب - الأهداف والوسائل»
تأليف: الشيخ د. محمد الدويش

«مقدمة المؤلف»:
كان من إيجابيات الصحوة الإسلامية اليوم أن قامت بجهد تربوي، وقدَّمت برامج لإعداد الناشئة ورعايتهم. وهو جهد متميز، وتجربة فريدة تُسجَّل لجيل الصحوة، ونتائجه التي نراها في الواقع ناطقةٌ بذلك. وهو جهد يفوق الإمكانات والطاقات العاملة فيه. ومع تميز هذا الجهد إلا أنه لا يزال يعاني من قصور ومشكلات، أفرزتها عوامل عدة، منها:
1- إنه يعتمد على فضلة أوقات المربين والمتربين؛ إذ هو يتم فيما فضل مَنْ أوقات العمل والدراسة، والنوم والراحة، والارتباطات الاجتماعية والعائلية.
2- إن الهوة الواسعة بين المتطلبات والإمكانات، وبين أعداد من يفتقرون إلى التربية وأعداد المربين، أدت إلى الاعتماد على عناصر تملك خبرة وتأهيلاً أقل مما ينبغي لمثل هذه المواقع.
3- عدم وجود برامج أُعدت بطريقة علمية لإعداد المربين وتأهيلهم، يضاف لذلك ضعف اعتناء كثير من المربين بالرفع من مستوى تأهيلهم؛ مما زاد من الممارسات المعتمدة على المحاولة والخطأ، وتعميم التجارب الشخصية المحدودة.
4- الفقر الشديد في الدراسات والكتابات التربوية التي تجمع بين الخبرة العلمية والتخصص، وتبتعد عن اللغة العلمية المتخصصة التي قد تصعب على كثير من المربين.
5- أن التجربة التربوية لجيل الصحوة تجربة فريدة، وفيها جوانب من الخصوصية أفرزت إشكالات وتساؤلات لم تكن مطروحة في الأدبيات التربوية المتخصصة، ومن ثم يصعب على المربين أن يجدوا في المكتبة التربوية ما يجيب بعمق على بعض تساؤلاتهم.
6- إن محاضن الصحوة التربوية تسير ضد التيار؛ فكثير من مجتمعات المسلمين ونظم التعليم، وأجواء المدارس، والأسر، كل ذلك في أحيان كثيرة يفسد ما يبنيه المربون.

7-إن كثيراً من المشكلات ومظاهر القصور التربوي في مجتمعات المسلمين انعكست على الأفراد، كالسطحية في التفكير، والتخلف الحضاري، وضيق الأفق، وضعف الثقة بالنفس ....إلخ، مما أضاف على المربين عبئاً هائلاً، ويزيد الأمر تعقيداً أن المربين أنفسهم من أبناء هذه المجتمعات، فورثوا هذه الأمراض كغيرهم وصارت جزءاً من تفكيرهم(1)...

ومن أبرز مظاهر هذا القصور - الذي كان نتاج تلك العوامل وغيرها-: الضعف التربوي الذي يبدو لدى فئات كثيرة، وضعف الفاعلية والإنتاجية، وغياب المبادرة، وبروز حالات التساقط والتراجع ....إلخ.

ومع ذلك يبقى الجهد التربوي لجيل الصحوة جهداً يستحق الإشادة، ومظاهر القصور والضعف ينبغي أن تدفعنا إلى التصحيح والإصلاح، لا إلى النقد اللاذع والاستهانة بجهود العاملين، فلأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة. ومن ثم تجيء هذه المحاولة من الكاتب لوضع بعض الإشارات والإضاءات للمربين، علَّها تسهم في وضع لبنة في هذا البناء الشامخ بإذن الله تعالى، وقد سعيت أن يكون هذا الكتاب كافياً لما يحتاجه المربي حديث الخبرة من أهداف تربوية ووسائل تعين على تحقيقها، وتحدثت فيه بإيجاز عن الأهداف التربوية وصياغتها، ثم عن أهم خصائص المرحلة وسماتها، وبعد ذلك تناولت الأهداف التربوية مقسماً لها على مجالات رئيسة، فأذكر في كل مجال هدفاً عاماً، ثم أتبعه بوسائل عامة، ثم أختم بذكر أهداف فرعية، وأشير في ثنايا كل هدف إلى بعض الوسائل المعينة على تحقيقه، وقد تتكرر بعض الوسائل لارتباطها بأكثر من هدف، كالقدوة على سبيل المثال.

وتضمن هذا الكتاب عدة فصول، سيتم عرضها ونشرها في حلقات متتابعة، على النحو التالي:

الفصل الأول: «الأهداف التربوية»
إن العمل المنتج هو العمل الذي ينطلق من أهداف واضحة محددة، يعيها العاملون، ويوظفون الإمكانات والوسائل المتاحة لهم لتحقيقها. والهدف في اللغة -كما قال ابن فارس-: "الهاء والدال والفاء أصيل يدل على نصب وارتفاع، والهدف: كل شيء عظيم مرتفع، ولذلك سمي الرجل الشَّخيص الجافي: هدفاً...والهدف: الغرض...وأهدف لك الشيء: انتصب"(1) ويمكن أن نحدد مفهوم الهدف التربوي -بعيداً عن الجدل المنطقي حول أزمة التعريف- بأنه: التغير المرغوب الذي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقه لدى الفرد أو لدى المجتمع. وثمة أمور لابد من مراعاتها ونحن نتحدث عن الأهداف: الأول: التوازن بين إهمال الأهداف والإغراق فيها؛ فالعمل دون هدف واضح محدد مدعاة للتخبط والاضطراب، ولذا قيل: إذا خرجت من منزلك من دون هدف فكل الطرق توصلك إلى المكان الذي تريد، وأولئك الذين يعملون دون أهداف واضحة تتنوع اجتهاداتهم، وتختلف طرقهم وأساليبهم بين يوم وآخر.

ومع ذلك فالاعتناء بالأهداف ينبغي أن لا يؤدي إلى التحول إلى آلة، بحيث يتطلع الإنسان إلى أن يكون هناك هدف واضح ومحدد لكل عمل صغير وكبير يقوم به، وتكون كل كلمة أو توجيه قد صدرت عن تخطيط واعتبار. فالإنسان بشر يعتريه ما يعتريه، ولو استطاع الالتزام الصارم بالتخطيط في الصغيرة والكبيرة مدة محددة، فإنه لن يستطيع ذلك على المدى الأوسع. ثم إنه تخطر للمربي خواطر، وتجدُّ له قضايا، والإغراق في التحديد الدقيق المسبق والمفصل للأهداف يحول دون الاستفادة مما يجد من ذلك. فالاعتدال والوسطية سنة الله في خلقه وشرعه.

الثاني: المناداة والمطالبة بتحديد الأهداف والانطلاق في العمل منها جزء من التفاعل مع تطور الحياة المعاصرة وتعقدها، وقد كان من نتاج هذا التطور نشأة علوم وتفرع تخصصات، كعلم الإدارة والتربية والاجتماع وعلم النفس، وسائر فروع العلوم الإنسانية التي لم تكن معروفة من قبل، كما كان من نتاج ذلك التفرع الدقيق في التخصصات. ومن ذلك تغير برامج طلب العلم ووسائله، الذي كان في إطار المساجد والحلق، فنشأت الجامعات بأنظمتها وبرامجها. وكما أن الأخذ بأسباب القوة المادية مطلوب اليوم، فالأخذ بهذه الأسباب التي هي من الأسباب المعنوية أمر له أهميته. الثالث: السعي للتأصيل الشرعي، والاستدلال بالنصوص الشرعية، والاهتداء بعمل النبي صلى الله عليه وسلم أمر له أهميته، بل هو مطلب لابد منه لضمان السير على المنهج الشرعي في الدعوة والتغيير، لكن مما ينبغي أن يلحظ في هذا الإطار:

أ - أن من الأهداف ما يدخل تحت أصول شرعية عامة، كتقديم الأولويات، ورعاية المصالح ودرء المفاسد، وسد الذرائع ....إلخ. وليس بالضرورة أن يكون لكل هدف دليل أو نص خاص.
ب - من الأهداف ما أملته ظروف العصر، وأفرزه القصور التربوي السائد في مجتمعات المسلمين، وهذا لا يفتقر إلى استدلال؛ إذ هو جزء من صفات الإنسان السوي المنتج، لكن الواقع المعاصر أسهم في فقدانه. ومن الأمثلة على ذلك: تنمية المبادرة الذاتية، وكثير من الأهداف في الجانب العقلي.
ج - أن كثيراً من الوسائل تدخل في إطار الأصل العام للوسائل وهو الإباحة؛ فكل وسيلة تؤدي إلى غاية دعوية مشروعة - ما لم تكن محرمة في ذاتها- فهي مباحة، وتعاطيها سائغ، وليس شرطاً أن يكون قد ورد فيها نص يدل على مشروعيتها، والمطالب بالدليل هو من يَمنع لا من يبيح(2) د - كثيراً ما نستدل على بعض الوسائل الواردة في ثنايا هذا البحث بما ورد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم من باب تدعيم الحديث في ذلك والتأكيد عليه، لكنه لا يعني افتقار جواز إتيان تلك الوسيلة إلى النص عليها كما سبق بيانه، وإن كانت الوسائل النبوية - ما لم تكن أملتها ظروف العصر وطبيعته - أولى وأجدى من غيرها. وظيفة الأهداف التربوية: يعد تحديد الأهداف التربوية نقطة الارتكاز والمنطلق الأساس في العمل التربوي، وتكمن أهمية الأهداف ووظيفتها فيما يلي:

- 1- أنها تشكل الأساس والمنطلق في العملية التربوية كلها؛ إذ هي تعني حشد الطاقات والإمكانات للوصول لهذه الأهداف.
2- أنها تسهم في اختيار المربين وتتحكم في ذلك؛ فالمربي الناجح هو الذي يستطيع تحقيق هذه الأهداف وتحويلها إلى واقع ملموس.
3- أنها تسهم في تحديد البرامج والوسائل التربوية، فهي إنما تقام لتحقيق هذه الأهداف. 4- أنها تسهم وتتحكم في تحديد مضمون ومحتوى ما يقدم من معارف ومعلومات.
5- أنها تسهم في الاستثمار الأمثل لأوقات العاملين وجهودهم؛ فعدم وضوح الأهداف يؤدي إلى ضياع أوقات وجهود كثيرة.
6- أنها تمثل الأساس والمنطلق في تقويم العمل التربوي، فالتقويم إنما يتم بناء على مستوى ما تحقق من الأهداف(3) شروط صياغة الأهداف: حتى تؤدي الأهداف وظيفتها المرادة لابد من أن تتحقق فيها شروط عدة، ما بين شروط تحقق لها الانضباط بضوابط الشرع، وشروط في صياغتها ولغتها، ومن ذلك:
1-أن تكون مشتقة من الثوابت والأصول الشرعية، متفقة مع منهج أهل السنة والجماعة، بمفهومه الواسع الشامل.
2- أن تراعى في أولوياتها المقاصد الشرعية؛ فتعطي كل جانب ما يستحقه دون إفراط ولا تفريط، فلا تقدم السلوك مثلاً على الاعتقاد.
3- الواقعية بحيث تكون ممكنة التطبيق، فلا تكون مثالية موغلة في الخيال. 4- لشمول بحيث تشمل الجوانب التربوية للفرد والمجتمع كلها، ولا تكون قاصرة على مجال دون غيره. 5- أن تصاغ بطريقة علمية سليمة. 6- الوضوح والدقة، بحيث لا يختلف اثنان في تفسيرها. 7- أن تكون محددة غير عائمة، وألا يشتمل الهدف على أكثر من عنصر(4) مستويات الأهداف: تقسم الأهداف التربوية إلى ثلاثة مستويات: (أعلى ومتوسط ومحدد)، ويقسمها بعض من كتب في التربية الإسلامية إلى مستويات أربع، وتبقى مستويات الأهداف مجالاً للأخذ والعطاء،لأن فيها قدرًا من النسبية ومن التقسيمات الشائعة، مايلي:

1 - الغاية العليا: وهي تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، ويجب أن تكون هذه الغاية هي التي تحكم سائر الأهداف، بل أن تكون جميع الأهداف موصلة إليها ومحققة لها، وهي غاية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:}وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ{ (الذاريات:56) وعن ربيعة بن عباد قال: والله إني لأذكره يطوف على المنازل بمنى وأنا مع أبي غلام شاب ووراءه رجل حسن الوجه أحول ذو غديرتين، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قال: "أنا رسول الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً" ويقول الذي خلفه: إن هذا يدعوكم إلى أن تفارقوا دين آبائكم، وأن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلال. قال: فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب(5) . بل الدعوة لتوحيد الله وعبادته هي غاية دعوة سائر الأنبياء } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ (الأنبياء:25).

2 - المستوى العام للأهداف: وهي التي تمثل الأهداف العامة لتربية الفرد والمجتمع المسلم وتكون مشتقة من الغاية وموصلة إليها. "والأهداف في هذا المستوى تفتقر إلى التحديد والواقعية، فهي عبارات عامة جداً يستريح لها القارئ فهماً وتنظيراً، ولكنه يجد صعوبة في ترجمتها لخبرات تربوية، كما أن المتربي لن يجد خطوات محددة يسير عليها، أو معالم بارزة ينتهي عندها"(6) لكنها ضرورية ولابد منها، وما يليها من الأهداف يشتق منها، ويوصل إليها، ومن أمثلة هذه الأهداف: - تحقيق البناء الإيماني في نفوس الطلاب. - رفع مستوى الصحة النفسية والاستقرار النفسي لدى الطلاب.

3 - المستوى المتوسط للأهداف: وهي الأهداف التي تختص بمرحلة دراسية أو عمرية أو مدة زمنية معينة، وهي تشتق من الأهداف العامة وتوصل إليها، وأغلب حديثنا في هذا الكتاب هو حول هذا المستوى. ومن أمثلة هذا المستوى: - تكوين الاعتزاز بالإسلام ومبادئه. - تنقية الدين من البدع والخرافات. - تعريف الطالب بقدراته وإمكاناته.
4 - المستوى المحدد للأهداف: وهي التي تكون خاصة بوحدة دراسية معينة، أو برنامج تربوي معين، وتشتق من المستوى المتوسط، وتكون أكثر تحديداً ودقة، ويجب أن تكون قابلة للقياس. ومن أمثلة هذا المستوى: - أن يستطيع الطالب تطبيق خطوات التفكير العلمي. - أن يفرق الطالب بين الركن والواجب في الصلاة. مثال يوضح مستويات الأهداف وتدرجها: ويوضح المثال الآتي تدرج الأهداف وفق المستويا ت المختلفة: فالإعداد الدعوي هدف عام اشتققنا منه أربعة أهداف متوسطة تؤدي إليه، وتحققه، ثم قمنا باختيار أحد الأهداف المتوسطة، واشتققنا منه أربعة أهداف محددة تؤدي إليه، كما يتضح من الشكل الآتي: وما سنذكره في هذا الكتاب حول الأهداف حديث عام، لا يغني المربي عن أن يضع خطة تفصيلية وأهدافاً محددة تتناسب مع طبيعة العمل الذي يقوم به، كما يتضح من الملحق.

المصادر والمراجع:
(1) (مقاييس اللغة 6/40.). (2) (انظر: لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمن (15/49)، قواعد الوسائل (317)، مجلة المشكاة (ع1) حكم التمثيل في الدعوة إلى الله). (3) (انظر: أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين (13-14)). (4) (انظر: أهداف التربية الإسلامية وغاياتها. مقداد يالجن (34-35) أهداف التربية الإسلامية. علي خليل أبو العينين (15-16). التخطيط والمتابعة بين النظرية والممارسة. طلال الغرياني (112-122).). (5) (رواه أحمد (15597).). (6) (علم النفس الدعوي (21).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.