حفل تاريخ الصحافة المصرية بعدد كبير من المطبوعات الساخرة، وفيها عرضت الرسوم الكاريكاتيرية الضاحكة التى تنتقد بشدة أوضاعاً اجتماعية، وسياسية يمر بها المجتمع المصري، إلا أنه خلال الفترات الأخيرة، اختفت هذه الصحف، والمجلات واقتصرت على بعض الكتابات ورسومات الكاريكاتير فى الصحف العامة. ويعد القرن التاسع عشر هو فترة الذروة لازدهار الصحافة الساخرة فى مصر، والتى كان على رأسها جريدة "مسليات ومضحكات" التى أسسها يعقوب صنوع عام 1877، فأخذت الطابع الفكاهى المصور، وهى صحيفة أسبوعية أدبية علمية بها محاورات ظريفة، ونوادر لطيفة، وفوائد مفيدة، ومقالات فريدة، وقصائد عجيبة وأدوار غريبة. واستخدم صنوع الكتابة الساخرة والرسومات الكاريكاتيرية لعرض القضايا الوطنية تارة، وللتنديد بالاحتلال البريطانى تارة أخري، لكن معظم كتاباته ورسوماته الكاريكاتيرية تسخر من الخديو إسماعيل، وحياة الإسراف التى يعيشها هو وأبناؤه. وتوالى بعد ذلك ظهور مجموعة من الصحف والمجلات الساخرة، مثل:«التنكيت والتبكيت» التى أسسها عبدالله النديم وصدرت عام 1881 ، وجريدة "الأستاذ" 1892، و"حمارة منيتي" التى صدرت عام 1900 ومؤسسها محمد توفيق، والتى هاجم فيها كبار الشخصيات بأسلوب ضاحك. وفى أوائل القرن العشرين صدر عدد كبير من المجلات الساخرة على رأسها "البعكوكة"، و"الاثنين" و"الدنيا"، و"ألف نكتة ونكتة" و"كلمة ونص"، و"الكشكول" التى اهتمت بالفكاهة السياسية حتى أنها هاجمت سعد زغلول، وكانت تنتقد سياسة حزب الوفد بالصور الكاريكاتيرية. يوضح الدكتور محرز غالي– أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة– أن الصحافة الساخرة هى نوع من أنواع الصحافة النقدية، تمارس الكشف عن أثار الفوضى والانفلات داخل المجتمع سواء السياسى أو الأخلاقى. ويضيف: عندما ظهرت الصحافة الساخرة كان الخديو إسماعيل يسمح بدرجة كبيرة من الحرية مقارنة بالحكام السابقين، لأنه أراد أن يقدم مصر كنموذج أو كقطعة من أوروبا، وأنه حاكم مستنير، فاستغل الصحفيين فى ذاك الوقت هذا المناخ، واستخدموا هذا النمط فى الإسقاط الكرتوني، والفنون والمواد الصحفية لهذا الغرض، فظهرت مجلات وصحف ساخرة مثل: "أبونظارة"، و«التنكيت والتبكيت» وغيرها، ثم ظهرت مجلة "البعكوكة" فى العشرينيات من القرن الماضي، وكلها ارتبطت بمناخ سياسى يتجه نحو مزيج من الحرية، وهناك نخبة وطنية قدمت وشجعت على ذلك، والتى كونت ما عرف بالبرجوازية من سكان المدن وشيوخ الأزهر المستترين والعائدين من أوروبا. وأشار محرز إلى أن الاحتلال البريطاني، وسيطرته العسكرية التامة، دفع المصريين للسخط على أوضاع الحكم السائدة، فاستخدموا السخرية فى فضح أعمال الاحتلال والتنفيس عن غضبهم، واستمرت هذه الصحافة الساخرة حتى قامت ثورة يوليو، واعتقد القادة أن حرية الصحافة ستعرقل حرية التنمية ومشاريعها، فصدر قرار تأميم الصحافة المصرية– المملوكة لأفراد أو لعائلات، وحتى المؤسسات الكبيرة إلى ملكية الدولة، وبالتالى سيطرت الدولة عليها حتى أنها تدخلت فى رسم السياسات لتلك الصحف ثم حدث "عسكرة الصحافة" بوجود رقباء عسكريين داخل الصحف. ويرى محرز أن الصحافة بصفة عامة بدأت تواجه الكثير من المشكلات، وبدأ الحس الفكاهى الذى يحتاج إلى حرية يتم تقييده، وتراجعت الصحف الساخرة لدرجة الانقراض. لكن بدأت إشراقة بسيطة مع الصحف الخاصة التى نفذت تجارب محدودة فى تقديم السخرية بين زوايا الصحافة التقليدية ، وممارسة الفكر التدوينى والفضفضة والسخرية من الأوضاع خلال الفساد السياسي. أما الدكتور محمود خليل– أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة– فيؤكد أن الصحافة الساخرة نضبت بفعل الكثير من المتغيرات، فالكتابة الساخرة تحتاج إلى درجة من التمكن، ومهارة التعبير عن الفكرة بطريقة هزلية، تهدف إلى النقد، وكان المرحوم- جلال عامر- متميزا فى ذلك، بينما افتقدت "نص كلمة" لأحمد رجب روح السخرية التى كانت تتميز بها، لأنها نضبت من ناحية الابتكار. ومع عدم وجود رسام كاريكاتير مبدع– أصبح عملة نادرة – يستطيع ضخ فكرة ساخرة فى رسم بليغ. مضيفاً: كان هناك ثنائيات فى الكاريكاتير والكتابة، حيث تلاقى فكر أحمد رجب مع ريشة مصطفى حسين مثل فكرة "فلاح الهنادوة". ويرى خليل أن الكتابة الساخرة فى مصر لم تختف من الإنتاج الإعلامي، بل تراجعت فى الصحافة فقط، لكن مواقع التواصل الاجتماعى والمدونات حافلة بتلك الكتابة الساخرة، فالكتابة "الفيس بوكية" الساخرة جسدت الأحداث والمتغيرات التى حدثت فى الحياة المصرية بصورة حافلة، فالصحف لا تتيح لمثل هؤلاء الشباب نشر إبداعاتهم، والنتيجة الفعلية أن الصحافة المصرية لا تتطور لأنها «صحافة عواجيز».