لا شك أن خطبة الجمعة تلعب دورا ما -صغر أم كبر- في اقتراب الناس أو بعدهم عن المفاهيم الصحيحة للإسلام.. هناك خطباء على مستوى متميز من الفهم الوسطى للإسلام.. وهؤلاء يجيدون اختيار موضوعاتهم التي يتحدثون فيها بعناية، وهناك خطباء على العكس من ذلك تماما.. وبين هؤلاء وأولئك، أصناف وألوان شتى.. ولعلنا نتابع هذا الخلاف الدائر بين وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر حول خطبة الجمعة، وهل من الضرورى أن تكون مكتوبة أم لا؟ لقد حاول كل طرف إبراز الإيجابيات التي تعزز وجهة نظره، وفى الوقت ذاته إظهار سلبيات وجهة النظر المقابلة.. لكن المشكلة تتضمن في الحقيقة مجموعة من العوامل، إذ ما يناسب هذا المجتمع قد لا يناسب ذاك، وما يلائم هذه الشريحة العمرية قد لا يلائم تلك، وهكذا.. بالطبع ليس هناك شك في أن مجتمع الكفور والنجوع والقرى، يختلف عن مجتمع المدن، من حيث المشكلات والاهتمامات والأولويات، علاوة على الثقافة العامة لكل منها.. وفى كل مجتمع من هذه المجتمعات، تختلف العقول والمدارك والأفهام اختلافا بينا، وبالتالي مدى استيعابها هذا الموضوع أو ذاك.. ربما تحتاج الأجيال القديمة إلى نوعية معينة من الخطاب الدينى، يختلف بشكل ما أو آخر عن الأجيال الجديدة.. فهل وضعت وزارة الأوقاف ذلك في حسبانها؟ أزعم أنه لا توجد لدينا خريطة مفصلة تبين المعلومات الأساسية عن هذه المجتمعات، كى نحدد طريقة وأسلوب مخاطبة هذا المجتمع أو ذاك، وبأيها نبدأ وفى أي اتجاه نسير.. وهل تكتفى وزارة الأوقاف وحدها بوضع تصور لهذه الطريقة أو الأسلوب، أم تشرك معها آخرين من أهل الاختصاص في الفكر والاجتماع والاقتصاد؟ وما هي العناصر الأساسية التي سوف تتضمنها الخطبة المكتوبة؟ ثم، وهذا هو المهم، هل لدى وزارة الأوقاف برامج تأهيلية وتثقيفية للخطباء والوعاظ؟ وهل لديها خطط تقويم ومتابعة على مستوى الجمهورية؟ نفس الأسئلة أو قريبا منها يمكن أن توجه إلى مؤسسة الأزهر.. وأقول أليس من الأفضل والأنسب أن تتعاون كل الجهود، جهود وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر، فيجلس الطرفان معا، ليبحثا أفضل السبل لضبط إيقاع الخطاب الدينى بشكل عام، وليس فقط خطبة الجمعة، عموما، حسنا فعل الرئيس السيسي، فقد التقى شيخ الأزهر، حيث خرج الأخير ليلتقى قيادات مؤسسة الأزهر، ووزير الأوقاف، والمفتى.. وأرجو أن يتمخض هذا اللقاء عن مجموعة من الإجراءات العملية التي ترقى بالخطاب الدينى إلى المستوى اللائق، والله المستعان وعليه التكلان.