من الإعلانات الطريفة في بعض الجرائد الأوروبية أن أصحاب المرامد "محارق الجثث" يقولون إن الحرق أرخص من الدفن.. وهذا صحيح في أوروبا لأن الدفن يحتاج إلى نفقات كبيرة لا يحتاج إليها الإحراق، وهذا بالطبع غير ما يشغله حيِّز الدفن من قبور كان أولى بمكانها أن يزرع ويستغل.. وأنا شخصيًا أميل إلى الحرق، وأوثر أن يحرق جثمانى بعد وفاتى لجمال الفكرة. فالنار تحيل جسمى في دقائق إلى بخار ورماد، بدلًا من ترك الجثمان يتعفن، ثم ينتفخ البطن بالغازات، ثم ينفجر، ويبقى على هذا التعفن بضع سنوات إلى أن يذهب اللحم والدم، ولا يبقى غير الهيكل العظمى. وإنى لأبوح هنا بسر قد يشمئز منه القارئ حين يعرف السبب.. وهو أنه قد مضى علىَّ نحو أربعين سنة لم أذق فيها الفسيخ، ومرجع هذا أنى كنت أشيِّع قريبا لى إلى قبره، وكان بالقبر ميت لم يمض على دفنه عشرون يومًا، فما أن فُتِح القبر، حتى خرجت منه رائحة الفسيخ، وسمعت من أحد اللحادين أن الميت السابق "لم ينضج"، وغمرتنا الرائحة كأنها نفذت إلى مسام أجسامنا، وبقيت ملوثًا بها شهورًا.. ومنذ هذه اللحظة إلى الآن، لا أطيق هذه الرائحة، بل لا أستطيع أن أذكر كلمة "الفسيخ" إلا مع الاشمئزاز والقشعريرة، وهذه الحال البشعة هي مصيرنا جميعًا بعد الدفن. وقد يقال إننا نجد في الجبانات عظة وعبرة بالتجوال بين القبور، ولست أنكر أنى أجد ذلك حين أجول بين القبور، ولكن هذه العظة وهذه العبرة يمكن أن نجدهما أيضًا في المرمدة.. أجل إنى أوثر المرمدة على الجبانة، لأن الفناء بالنار أجمل من الفناء بالتعفن. ما سبق هو كلام المفكر المصرى الاشتراكى الوجودى سلامة موسى (1887م 1958م) منذ أكثر من ستين عامًا على وجه التقريب، وأنشره للمرة الثانية بمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لوفاته هذا الأسبوع وبالتحديد في 4 أغسطس، والمولود بقرية بهنباى مركز الزقازيق شرقية.. بالمناسبة قرية بهنباى هي القرية التي ينتسب إليها الشاعر المجهول صاحب البيت الشهير يا بلدنا ياعجيبة فيكى حاجة محيرانى نزرع القمح ف سنين تطرح الكوسة ف ثواني.. وهو البيت الذي نسب لأكثر من شاعر على سبيل الاستعباط! عزاء واستفتاء ● لا حول ولا قوة إلا بالله.. انتقل إلى رحمة الله تعالى المرحوم بإذن الله حمودة "اللَّحْلُوح" الشهير ب"الجنيه"، وهو آخر ورقة في شجرة عائلة القرش المفقود من زماااان.. وكان اللحلوح قد تعرض لحادث تصادم مروع مع الخواجة دولار وخضع للعلاج منذ أكثر من عام، ولكن كما قال المصريون المنحوس منحوس ولو عَلَّقوا على باب البنك المركزى فانوس.. الفقيد سليل المغفور له الأسطى نُص فرَنْك، وشقيق الأستاذ مَعْدَن، والمهندس ربع جنيه، والحاجة نِكْلَة، وأبلة بريزة الخياطة.. وابن عم الأسطى مليم المكوجى.. العنوان مقابر الفَكَّة ميدان البنك المركزي.. ولا عزاء للخبراء الاستراتيجيين. حبيبى القارئ أنت مدعو للإدلاء بصوتك في استفتاء إكرام المرحوم.. نحرق اللحلوح واللا ندفنه؟