سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أيمن عبد التواب يكتب: هؤلاء يقودون مخطط الفتنة الطائفية في مصر.. أحداث «الزاوية الحمراء» علامة فارقة.. التقاعس عن مواجهة «المتطرفين» وراء تفاقم الأزمة.. والحل في تطبيق القانون وخطاب ديني يحترم الآخر
هل هناك مخططات لإشعال نار الفتنة الطائفية في مصر؟ ومَنْ الذي يقودها ويرعاها؟ ولصالح مَنْ؟ لم يكن المصريون- على مدى تاريخهم- عُنصريين، ولا عِرْقيين، ولا طائفيين.. بل كانوا حضاريين، سُمَحَاء، احتوائيين، بل لا يجدون غضاضة في أن يحكمهم شخص آخر، أو ربما يستدعونه ليحكمهم، كما حدث مع الألباني «محمد على». «وحدة» المصريين أدهشت اللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني على مصر، فسجل ذلك في تقرير رفعه إلى بلاده.. وتجلت هذه الوحدة «الرائعة» في ثورة 1919، عندما خطب الشيخ في الكنيسة، والقسيس في الأزهر؛ ليردد الجميع: «عاش الهلال مع الصليب». وقتئذٍ كان هذا الهتاف متغلغلًا في قلوبنا، وتترجمه أفعالنا.. وقتها كنا محصنين ضد أمراض «الطائفية».. ولم نكن نحسبها «مسلم ومسيحي».. هكذا تربينا.. وهكذا تعلمنا في بيوتنا، وفي مدارسنا قبل أن تتحول إلى أشياء أخرى لا علاقة لها ب«التربية» ولا ب«التعليم».. فما الذي حدث؟ وما الذي غيَّر تركيبة الشخصية المصرية؟ لابد من التسليم بوجود مخططات إمبريالية للسيطرة على مقدرات شعوب العالم الثالث، من خلال إذكاء نار «الصراع الطائفي».. وما كانت مؤامرات الأعداء تحقق أهدافها دون أن تجد مَنْ يتبناها ويروج لها من العملاء، وأصحاب المصلحة في الداخل، مثلما فعل القصر، وبعض علماء الأزهر، وحزب الأحرار الدستوريين، وجماعة الإخوان المسلمين في تأجيج الفتنة عندما بايعوا الملك فاروق «خليفة للمسلمين». واستمرت «البيضة الطائفية» تنمو وتكبر، إلى أن ظهرت ثورة «النفط العربي».. فقد ذهب مصريون كثيرون للعمل في الدول الخليجية، وعادوا منها محملين بأفكار شاذة، وعادات وتقاليد قبلية، ومذهب «وهابي» متشدد. انتشينا ونحن نسمع خطب «الشيخ كشك» مهاجمًا «المسيحيين» بطريقة لا علاقة لها بالدعوة إلى الله «بالحكمة والموعظة الحسنة»، بل أقرب للدعوة «بالتي هي أسوأ».. ولم ينتبه كثير منا إلى أن طريقة «كشك» وأمثاله زرعت في نفوسنا «كُرهًا، وبُغضًا» لأشقائنا في الوطن. واستخدم الرئيس الراحل أنور السادات الإخوان؛ لتحجيم النشاط الطلابي في الجامعات، وضرب المعارضين به، وسمح بعودة قادتهم من الخليج؛ وظهر في عهده الجماعات الإسلامية المتشددة، التي نشرت الأكاذيب حول الكنيسة؛ وعملوا على زيادة وتيرة التعصب ضد المسيحيين، حتى وقع حادث الزاوية الحمراء. أما أخطر أسباب انتشار «الطائفية»، فهو استعانة «الأمن» في «نظام مبارك» ببعض شيوخ الفتنة «وارد الخليج»؛ لأمور لا نعلمها؛ فأفسح لهم المنابر، والفضائيات، وسمح لهم ب«التطاول» على الأقباط، و«التشكيك» في عقيدتهم.. ورأينا مَنْ يُفتي منهم بتحريم تهنئة المسيحيين، أو البيع والشراء منهم، أو السكن إلى جوارهم باعتبارهم «كفرة»، عليهم الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية عن يدٍ وهم صاغرون! وكان طبيعيًا أن يظهر متطرفون مسيحيون أمثال «موريس صادق»، و«زكريا بطرس»، وغيرهم من الذين يتطاولون على الإسلام، والنبي محمد- صلى الله عليه وسلم- كرد فعل لتطاول «شيوخ الوهابية» على «المسيحية».. وينتهي المشهد بالتصفيق لأحد الطرفين، مثلما نصفق لفوز فريق على «عدوه اللدود»! كل ذلك ونظام مبارك كان يعمل على «تهميش» الكنيسة، و«تقزيم» الأزهر، مقابل «عَمْلقة» دعاة الفضائيات؛ حتى باتوا الأكثر تأثيرًا.. بدليل أن بعض المشكلات لم يستطع علماء الأزهر حلها، وربما تعرضوا للطرد أو الإهانة، بينما يُرحب ب«محمد حسان»، و«محمد حسين يعقوب»، مثلما حدث في مارس 2011، عندما أحرق متطرفون «كنيسة الشهيدين» بقرية «صول»! وبدلًا من أن تواجه الدولة هذه الفتن ب«قوة القانون»، لجأت إلى المسكنات، والحلول «العرفية»؛ ليتصدر المشهد صورة لقسٍ يحتضن شيخًا، أو حفل إفطار رمضاني ل«الوحدة الوطنية».. إلى أن أصبحنا نستيقظ كل يوم على كارثة طائفية جديدة. إن هناك مخططات شيطانية تحاك في الخفاء، بقصد، أو عن جهل؛ لتشويه مصر، والنيل من وحدة شعبها.. ويجب علينا الاعتراف الآن قبل الغد، بأن ما يتعرض له الأقباط يُصنع على أعين أجهزة ومؤسسات في الدولة، وإلا بِمَ نفسر رفض مجلس النواب تشكيل لجنة تقصى حقائق في أحداث المنيا وبني سويف؟ ثم- وهذا هو الأخطر- بِمَ نفسر رفض أقسام الشرطة تحرير محاضر لحوادث عادية بين مسلمين ومسيحيين، استجابة- بحسب قولهم- ل«التعليمات العليا»؟.. وأنهم يلجئون إلى ترهيب وتهديد الطرفين، لإقرار التصالح بينهما، بزعم أن بعض المنظمات الحقوقية تستغل هذه المحاضر لتشويه سمعة مصر في الخارج، ولإثبات أن الأقباط مضطهدون! أيها المسئولون المشكلات الطائفية ليست حوادث «فردية»، يتم احتواؤها ب«كلمة»، أو «اعتذار»، أو «عزومة فاخرة».. الأزمة أعمق وأخطر من ذلك بكثير.. الأزمة أزمة فكر.. أزمة ثقافة.. أزمة فهم حقيقي للدين.. أزمة موروث جديد يدمر هويتنا المصرية؛ فكونوا على مستوى المسئولية، يرحكم الله. نعترف بأن إرث «التعصب الأعمى» ثقيل، وأن الأورام «الطائفية» أكبر من أن تُستأصل بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى علاج قد يستمر سنوات وعقود؛ لنتمكن من تخريج أجيال تؤمن ب«المواطنة» و«التعددية»، وتستوعب ثقافة «الاختلاف».. المهم أن نبدأ.. نبدأ بتطبيق القانون الرادع على الجميع.. نبدأ في إقرار العدالة الناجزة.. نبدأ في تفعيل نظام تعليمي خلَّاق.. نبدأ في إعداد خطاب ديني يعيد الاعتبار إلى الإسلام والمسلمين.. وإلا سنكون كمن يغرسون أشجارًا في الماء! فاصلة منقوطة لا تحدثني عن «دينك»، بل دعني أراه متجسدًا في سلوكك وتصرفاتك!