وكأنه حلم بغيض يرفض أن ينتهي أو فيلم قاسي تُهدر الأرواح فيه بلا رقيب "سوريا ".. منذ وقت طويل ظننت أنني أنتهيت من قلبي وتوقفت عن الألم لغيري، أطمئننت لموته بعد الكثير من الظلم والقهر على الأوطان وسلمت الأمر لله.. ليصطدم قلبي بما يعيده، اثنان من الصحفيين السوريين اللذين أتابعهما على موقعي الإلكتروني لمتابعة مجازر حلب وما يحدث في أدلب وغيرها.. قبل أيام قليلة يظهرون في صورة مبتسمين والدماء تغطي ملابسهم والجروح تملئ وجوههم بعد نجاتهم من تفجير ما.. أمعنت النظر في الصوره قليلًا، شئ داخلي لم يعد يصدق ما يرى من الأحداث حوله، وقد صار الموت عادة ونجاة بعضنا محض صدفة والعدل معجزة..! كانت نظرة أحدهم فارغة، عين رأت من الموت ما جعلها تألفه وتنتظره ليخلصها من كل ذلك، تعكس روح لا تحمل من الخوف شيئًا ولا يمكنك الجزم إن كانت لا تزال خلاياها تشعر بالألم من فرطه.. لم أبك.. لم أستطع أن أفعل.. بداخلي حمدت الله على نجاتهم وظننت أن الأمر مر.. لم يمر.. يومان وجاء الخبر أمام عيني يناديني من موقع أحد الصحفيين السوريين.. "استهداف الإعلاميين خالد العيسى وهادي العبدالله بعبوة ناسفة عند مدخل المبنى الذي يقيمان فيه " تابعت الخبر في عجل قلت لابد أن الأمر كالمرة السابقة.. لا لم يكن.. رحل أحد الرفيقين والآخر إصابته خطيرة يرتقب الموت في أحد المشافي.. أستشهد خالد العيسى صاحب النظرة الفارغة وترك صديقه خلفه ينتظر الموت ليلحق برفيق دربه.. اليوم قرأت ما كتبه هادي لصديقه الشهيد.. .... " ماذا عساي أن أفعل الآن ؟ جسدي الكسير الذي أنهكته العمليات.. أحشائي الممزقة المدماة.. قدماي المكسرة.. روحي التي تحتضر! ماذا عساهم جميعا أن يفعلوا في حضرة الخبر أيا خالدي.. ياليتني كنت معك أو مكانك.. يا ليتك أنت الذي نعوتني ورثيتني.. أياليت عبوتهم مزقتني ألف قطعة.. حقيرة هي تلك الأنقاض التي لم تقتلني.. لا أريد عيشا بعدك ياخالد.. أخبر روحك لتنادي روحي إليها.. أرجوك بحق صحبتنا.. بحق ألمنا بحق كل ما عشناه معا أخبرها أن تفعل.. هو آخر طلب سأطلبه منك.. أعدك لن أطلب غيره.. هيا يا خالد فروحي تنتظر روحك.. " ها أنا أشعر من جديد وأبكي عجزنا وقهرنا والأرواح التي تُزهق، ليس فيلمً ولا هو كابوس إنها الحقيقة.. تنتظرنا سوريا أن نشعر، أن ننصت جيدًا لصراخها.. أن نبكي الراحلين ونصلي لأجلها إن لم يكن هناك بدٌ من التحرك.. أو نُسقط الأيمان الذي تعمى فيه قلوبنا فلا طائل منه.. لا أدري متى سينطفئ جحيم ذلك العالم البائس وهل ستنتظرنا جنة بعد كل ذلك الصمت والعجز؟!! لابد أن الجنة فقط لهؤلاء الذين دفعوا أرواحهم ثمنً لشئ لم يفعلوه.