استمر الغزالي في خلوته عشر سنين؛ لبس خلالها الخشن من الثياب و قلل طعامه و شرابه و أخذ يروض نفسه و يكلفها مشاق العبادات ليصل الى رضا الرحمن و قال وقتها : إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. هو الشافعي الثاني ,وإمام الفقهاء على الإطلاق ومجتهد الزمان..كان شديد الذكاء ذا فطنة ثاقبة، وغوص على المعاني.. قال عنه ابن كثير: كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه وقال عنه عبد الغافر بن إسماعيل «هو إمام أئمة الدين و لم تر العيون مثله» لساناً وبياناً ونطقاً وخاطراً وذكاءً إنه الامام الغزالى...امام المتصوفين وأحد أشهر علماء الدين في التاريخ الاسلامى الحديث ولد محمد بن محمد بن أحمد ابو حامد الطوسي الغزالى عام450 هجريا الموافق1058 ميلادية, في بقرية «غزالة» القريبة من مدينة طوس في اقليم خراسان (ايران حاليا ) يعرف باسم (الغزّالي) نسبة والده الذى كان يعمل فى غزل الصوف. ونشأ في بيت فقير فقد كان والده رجلاً فقيرا لا يملك غير حرفته، ولكن كانت لديه رغبة شديدة في تعليم ولديه محمد وأحمد فكان يصطحبه إلى مجالس العلماء والفقهاء .. ويدعو الله بأن يصبح ولده محمّد مثلهم في العلم والفقه وحينما شعر بقرب الاجل عهد إلى صديق له متصوف ليرعى ولديه، وأعطاه ما لديه من مال وأوصاه بتعليمهما وتأديبهما. فاجتهد الرجل في تنفيذ وصية الأب على خير وجه حتى نفد ما تركه لهما أبوهما من المال، وتعذر عليه القيام برعايتهما والإنفاق عليهما، فألحقهما بإحدى المدارس التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، والتي كانت تكفل طلاب العلم فيها و يحكى الامام الغزالى عن هذه الايام فيقول :طلبنا العلم لغير الله فابى ان يكون الا لله» . بدأ الغزالي في تحصيل علم الكلام وقرأ كتب المحققين منهم، حتى فهمه حق الفهم، والف فيه عدة كتب أصبحت مرجعا في علم الكلام فيما بعد مثل كتاب (الاقتصاد في الاعتقاد). وقد قال الغزالي عنه أنه حفظ العقيدة من الشكوك التي تثار حولها والطعون التي توجه إليها. و لكن لم يجد الغزالي ضالته المنشودة في علم الكلام، ورآه غير كاف . تناول الغزالي بحوث الفلاسفة التي تعرضوا فيها لموضوعات العقيدة، لعله يجد لديهم ما يقطع بصحة ما ذهبوا إليه فوجدهم قد اختلفوا فيها اختلافا كبيرا. وسرعان ما أدرك أن مزاولة العقل لهذه المهمة إقحام له فيما لا طاقة له به وأن أسلوب العقل في تفهم الأمور الرياضية لا يمكن أن تخضع له المسائل الإلهية. فألف الغزالي في نقد آرائهم كتبا أهمها كتاب (تهافت الفلاسفة) وخرج الغزالي بقوله : فإني رأيتهم أصنافاً، ورأيت علومهم أقساماً؛ وهم على كثرة أصنافهم يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد و لما لم يجد الغزالي ضالته في الفلسفة ورأها غير جديرة بما يمنحها الناس من ثقة، اتجه إلى الفرقة الثالثة من أصناف الباحثين عن الحق وهي الباطنية أو التعليمية.التي ظهرت في عهد الخليفة العباسي المستظهر وكانت ترى أنه يجب تأويل القرأن والبحث في باطنه وعدم قبول ظاهره فقد كانوا يؤمنون بالمعاني الباطنة.ولكنه وجد إن لهذه الفرقة أفكارا ملحدة حتى أنها كانت تهدف إلى التشكيك في أركان الشريعة فمثلا يقولون ما الداعي للسعي بين الصفا و المروة فتمعن الغزالي بأفكارهم وتعمق بها وكتب كتاب (فضائح الباطنية). سافر الامام الى الشام، وأقام بها ما يقرب من سنتين لا شغل له إلا العزلة والخلوة؛ والرياضة والمجاهدة اشتغالاً بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى. فكان يعتكف مدة في مسجد دمشق، يصعد الى منارة المسجد طول النهار، ويغلق بابها على نفسه, ثم رحل منها إلى بيت المقدس، يدخل كل يوم الصخرة، ويغلق بابها على نفسه, ثم يتابع الغزالي رحلته وخلوته ويقول عن نفسه: ثم تحركت فيَّ الرغبة فى اداء فريضة الحج، والاستمداد من بركات مكة والمدينة. وزيارة رسول الله بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله وسلامه عليه . استمر الغزالي في خلوته عشر سنين؛ لبس خلالها الخشن من الثياب و قلل طعامه و شرابه و أخذ يروض نفسه و يكلفها مشاق العبادات ليصل الى رضا الرحمن و قال وقتها : إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. وخلال فترة اعتزاله ألف الغزالي كتابه (احياء علوم الدين )وهو يمثل تجربته التي عاشها في تلك الفترة. ويعتبر أحد أهم كتبه التي ألفها، وأحد أهم وأشمل الكتب في علم التصوف. حتى أنه قيل عنه: من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء و قد جمعه العلامة زين الدين ابى الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقى فى ثلاثة اجزاء ليسهل قراءته . كما ألف الغزالى كتابه «المنقذ من الضلال» كتب فيه قصة اعتزاله وعودته. واتسم منهج الامام الغزالي بعد مسيرته الصوفية بشيء من الوسطية حيث وقف بآرائه ضد العصبية الدينية والافكار التكفيرية, فقد ارجع ابتعاد الناس عن طريق الحق والتدين الى طريقة الدعوة التي تباناها اشخاص يزكون انفسم باظهار فساد غيرهم وان لم يكن فاسد وإخراج الدين عن منهج الفطرة الذي اتسم به منذ بداية الدعوة.. فكانت من حكمة الشهيرة في كتاب احياء علوم الدين قوله «إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم». ألّف الإمام الغزّالي خلال حياته (55 سنة) الكثير من الكتب في مختلف صنوف العلم، حتى أنه قيل: إن كتبه لو وزعت على أيام عمره لالف كل يوم كتاب. حيث بلغت 457 مصنفا ما بين كتاب ورسالة و لعل من اشهرها إحياء علوم الدين وبداية الهداية المنقذ من الضلال «مقاصد الفلاسفة» وتهافت الفلاسفة ومعيار العلم ومحك النظر وميزان العمل والاقتصاد في الاعتقاد والمستصفى في علم أصول الفقه والوسيط في المذهب والوجيز في فقه الإمام الشافعي وفضائح الباطنية والقسطاس المستقيم وفيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة والتبر المسبوك في نصيحة الملوك وآداب النكاح وكسر الشهوتين وايها الولد المحب و كمياء السعادة وشفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل المنخول في علم الأصول وسر العالمين وكشف ما في الدارين. وتوفي أبو حامد الغزالي يوم الاثنين 4 جمادى الاخر من عام505 هجريا الموافق 19 ديسمبر 1111م في مدينة طوس بخراسان.