«منشدو مصر» لا يعرفون الإنشاد الديني الحقيقي «التسيس» سبب غلق قناة التهامي التصوف اختزل في الموالد والحفلات أسعى لتخريج 5 آلاف منشد عام 2020 نقابة الإنشاد الديني تقف موقف الحياد من الجميع بين الحداثة والأصالة أضحى واقع الإنشاد الديني في مصر، فمنذ بدايات القرن العشرين استطاعت القاهرة اختراق كل العواصم العربية والأجنبية بنسمات إنشادها، ونصبت نفسها رائدة لهذا النوع من الفن بمجموعة من المنشدين كان أبرزهم سيد النقشبندي والتهامي، وبمرور السنين تراجعت هذه الريادة وخفت توهجها، لفقد مصر مكانتها وتبتعد عن صدارة المشهد الإنشادي، ومع مرور قرن من الزمان يشهد واقع الإنشاد الحالى في مصر تغيرا وحداثة يرى فيها البعض بعدا عن أصول ومنهجية هذا الفن، ويرى آخرون أنها مناسبة لتطور العصر، لكن لا يزال السؤال مطروحا متى وكيف تعود مصر لمكانتها الطبيعة رائدة للإنشاد الديني. في هذا الحوار نلمس واقع الإنشاد مع واحد من أهم المنشدين على الساحة المصرية الآن الشيخ محمود التهامي، والذي يجمع في جعبته أصالة هذا الفن وحداثته.. وإلى نص الحوار: *مر عامان على دراستك لعلم النفس.. فماذا أضافت إليك.. وما علاقة دراسة علم النفس بالتصوف المذهبي "تصوف المشرق"؟ كان لدراسة علم النفس فضل كبير على في التعرف على اختلافات الثقافات بين الجمهور، كما ساعدتني في معرفة الطرق والتعامل والسلوك مع هذه الاختلافات، ومع ترجمة ذلك اتضح أنه موجود في القرآن والسنة. *كيف استطعت توظيف دراستك لعلم النفس في التعامل مع الجمهور؟ ما درسته في حياتى شيء وما درسته في الموالد والحفلات شيء آخر، فهو يمثل لي الكثير فالسيطرة على جمهور الموالد صعب لأن القاعدة في المولد هي ألا قاعدة، فكونك تسيطر على هذا الكم من الناس هذا أكبر مدرسة تعلمت منها وهي مدرسة الارتجال في التعامل، فردود أفعالى مختلفة على حسب طبيعة الجمهور، وكان ذلك نتيجة خلفية وخبرة، بجانب توفيق من الله. *البعض يرى أن الاحتفالات الدينية حادت بالتصوف عن المسار الصحيح واختزلته فيها فقط.. هل توافق تلك الرؤية ؟ بالفعل التصوف تم اختزاله في الاحتفالات الدينية كالموالد وغيرها، كما تم اختزاله في أشخاص بعينها لا يمتلكون أدنى صفات المتصوفة، وهم بعيدون تماما عن مقام الإحسان المرتبة الأرقى بعد الإسلام والإيمان، ويعني أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، لكن الوضع اختلف الآن فمن يدعون التصوف لم يلتزموا بالإسلام وأحكامه. *برأيك كيف يتم تصحيح هذه الصورة عن الإنشاد مرة أخرى ؟ تصحيح الصورة يصطدم بثقافات الناس، وذلك لأنهم أخذوا من الأشياء الاستثنائية وجعلوها أمورا أولية، فالأصل في الموضوع أن يكون هناك مجالس للعلم ويتخللها بعض المدائح والأناشيد وليس العكس، فما يحدث أن أصبح الأساس هو الإنشاد ويأتى في أوقات الراحة دروس صغيرة للعلم، لذلك لابد من عودة مجالس العلم مرة أخرى لتحمل رسالة ودعوة إلى الله والمحبة إلى رسله. *لماذا تصعد على المسرح حافي القدمين.. وما دلالة ذلك؟ أفعل ذلك من باب الأدب مع رسول الله، فقد تعلمت هذه العادة من المشايخ الكبار، فعند دخولهم الحضرة أو مجلس الذكر كان الجميع يخلع حذاءه ويتركه خارجا، فيمثل ذلك بالنسبة لى نوعا من الانكسار وترويض النفس والتخلص من زهو الشهرة وملذات الحياة، فالشيخ الشعراوي بعد الانتهاء من أي مؤتمر عالمى كبير كان يذهب لتنظيف الحمامات ليذكر نفسه بفناء الدنيا. هل صادفت مواقف طريفة بسبب خلع الحذاء؟ نعم في حفلة أقيمت في دولة تونس صعدت إلى المسرح وتركت الحذاء جانبا فبعد إنهاء الحفلة لم أجد الحذاء، ظننت في لحظتها أن أحدا قد أعجبه شكل حذائي، لكن طول ردائي ستر الموقف، وطلبت السيارة مسرعا تأتى أمام المسرح كي لا ينكشف الأمر. ما طقوس استعداداتك قبل الصعود لحفلة الإنشاد؟ هناك تدريبات حسية وروحية وتدريبات أخرى على الصوت، فلابد أن يكون أكلى خفيفا جدا بجانب تناول مشروب سخن وبعض التدريبات الصوتية، فضلا عن التدريبات الروحية والمتعلقة بإقضاء كل فرائض الصلاة وأكون على طهارة، بجانب إتمام ورد في الصلاة على النبي. هل تختلف طبيعة التحضير والاستعداد من حفلة إلى أخرى بالنسبة لك ؟ أنا أصعد لأنشد لروحي في المقام الأول، فطبيعة التحضير والاستعداد واحدة في كل الحالات، لكن لكل جمهور أداء معين، فالفئة العمرية والمستوى الثقافي والاجتماعي يحتم على اختيار طريقة وأسلوب، يناسب كل شريحة مختلفة من الجمهور، وما ترغبه هذه الشريحة من قصائد تلهم حماسها. ماذا يمثل لك الشارع ؟ الشارع يمثل لى القاعدة العريضة من الجمهور، فلن أترك الشارع في يوم من الأيام هو صاحب الفضل فيما وصلت إليه من شهرة وصيت، وهناك من الفنانين الذي شهد الشارع سطوعهم ثم تركوه وبعضهم مدعي التصوف والموهبة، ويزاحمون المطرب الأصلي في استمراره، لكن سيبقى الشارع المحرك الملهم للمنشدين. شهدت الفترات الماضية ظهور قناة التهامي للإنشاد الدينى والتي صنعت حالة من الاعتدال وتصحيح المسار الإنشادي.. لكن أين هي الآن؟ جاءت فكرة قناة التهامي كمشروع للتعريف بأصول وقواعد وطبيعة الإنشاد التي تغيرت معالمها بقصد ودون قصد في الفترات الأخيرة، وتم اختيار اسم التهامي نسبة للتهامي صلي الله عليه وسلم وشعارها الإنشاد والإرشاد، لكن عند الشروع في خطوات القناة الأولى واجهتنا مشكلات عدة تمثلت في ضعف جودة المواد التراثية الحافظة لتاريخ الإنشاد التي تمتلكها مصر، الأمر الذي سيتسبب في ضياع هذا الإرث مستقبلا، فكان علينا أن نوثق ونحفظ هذا التراث من خلال الاستعانة بتكنولوجيا متطورة في تصوير وتسجيل كل الفعاليات الدينية، ومن هنا تم التعاقد مع شركة عالمية في هذا الشأن، وعملنا على توثيق الموالد والاحتفالات والمهرجانات للحفاظ عليها، كي تصبح مصر مرة أخرى الرائدة والمصدر والمنبع للإنشاد الديني. ما العوائق التي واجهت القناة وكانت سببًا في قرار إغلاقها؟ في البداية تكلفة القناة اقتربت من 5 ملايين جنيه، بالإضافة إلى ربعمائة ألف جنيه شهريا تدفع كمصاريف على القناة، وهذا يمثل عبئا اقتصاديا كبيرا لم يحتمل، في ظل رفضنا المستمر كثير من الإعلانات الركيكة التي لا تناسب طبيعة القناة، ومواد وأدوية صحية دون ترخيص من وزارة الصحة لعرضها مقابل أموال كبيرة، ومنتج آخر تكلفته على العميل هي جنيهان وكان يبيعه ب150 جنيها، وكان هناك رفض تام لهذا المبدأ، فكيف لنا أن نقبل ذلك ونحن نمدح النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن القناة دفعت ثمن تصدرها قائمة القنوات الخاصة بالإنشاد، بدخولها في حرب شرسة لإسقاطها وإبعادها عن الساحة الفضائية، فهناك محاولة واضحة لتسييس القناة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، وذلك من خلال طلب بعض الأحزاب إذاعة الإعلان والدعاية الخاص بها على القناة، وهذا مناف لما ارتضيناه على أنفسنا منذ التخطيط لها ووضع سياستها العامة، فهذه القناة فقط للصلاة على النبي والدعوة له وكان ذلك سببا في إغلاق القناة. في عام 2013 شهد واقع الإنشاد الديني تشييد أول نقابة للإنشاد في مصر.. فما السبب وراء إنشاء هذه النقابة؟ بدأت في عام 2007 لتأسيس نقابة للإنشاد الدينى، وتم إشهارها في عام 2013 ويتم مناقشتها الآن كنقابة مهنية، وأقمنا من خلالها مهرجان الإنشاد الديني الأول بالهسابير واعتمدت فكرته على تكريم مشايخ الإنشاد القدامى مثل سيد النقشبندي، والتهامي محمد عمران والكحلاوي، محمود رمضان طه الفاشني، ومع الوقت أصبح الإقبال على عضوية النقابة ملحوظا، لكن في ظل ذلك ظهر جليا ضعف الإمكانات الصوتية عند المتقدمين بطلب العضوية، فليس كل من قال «قمر» يصبح منشدا، ترتب على ذلك إنشاء مدرسة الإنشاد الديني تابعة للنقابة، بهدف التنقيب عن المواهب وإثقالها كي تصبح مؤهلة لعضويتها. *تردد في الفترة الأخيرة حديث عن التربص لنقابة الإنشاد الدينى ورغبة في عدم استكمال ما بدأته.. كيف ترى ذلك؟ نقابة الإنشاد الدينى تقف موقف الحياد من كل المنشدين، فلا أفضلية لمنشد على غيره إلا بعلمه وخلقه وإنشاده وليس شهرته، ففوجئنا عند إقامة النقابة ببعض المنشدين المدعين الموجودين على الساحة ليس من مصلحتهم ظهور منشدين شباب على علم ودراية وثقافة، خوفا من انكشاف ضعفهم وجهلهم مقارنة بهؤلاء الشباب، وترددت مقولة إن محمود التهامى أتى بالشباب والعيال ليجعل رأسهم برأس المشايخ. وعند الشروع في إنشاد النقابة اكتشفنا أن كل المنشدين في مصر لا يعرفون الإنشاد الدينى، وأفضلهم لا يعرف سوى 8 مقامات موسيقية، وهذا يدل على عدم وجود ثقافة للمنشد، فقررنا إقامة مدرسة الإنشاد الدينى. من هو المنشد من الشباب الذي ترى فيه مستقبلا للإنشاد الديني في مصر؟ نحن الآن أصبحنا نمتلك شريحة مقبولة من شباب المنشدين الذين أتنبأ لهم بمستقبل قريب مشرق، ولابد عليهم إن أرادوا استكمال مسيرة الإنشاد، أن يدركوا أن العلم هو السبيل الأوحد للاستمرار، فضلا عن عدم الغرور والتواضع والإبحار في قواعد وأساسات هذا العلم الواسع، هناك محمد عبد الرءوف السوهاجى، مصطفى عاطف بلال مختار، أحمد العمري محمد طارق أحمد الخضري، يحيي نادي إسلام السرساوي، أحمد نافع، محمد عاطف، فالمنشد لابد أن يكون ذا خلفية ثقافية وموسيقية وحافظا لكم من التواشيح التراثية وما استطاع من حفظ للقراء. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية ل "فيتو"