الإخوان وجماعات اليسار المصرى آخر جماعات الضغط ظهورا قبل 2591 لم يكن محمد على مجرد حاكم تولى حكم مصر لمدة 53 عاما، إنما كان داهية سياسية.. استطاع اللعب مع جميع القوى والتلاعب بهم فى نفس الوقت، فعندما تولى الحكم عام 5081 كان قد مضى على وجوده فى مصر ما يقرب من أربع سنوات قضاها فى دراسة أحوال الشعب وتحليل نقاط القوة والضعف وتشريح طبقات المجتمع المصري، وهو ماجعله يعرف ما يجب عليه فعله منذ اللحظة الأولى لتولى الحكم، وإذا نظرنا إلى جماعات الضغط التى كانت قائمة فى ذلك الوقت واستطاع محمد على القضاء عليها ليبدأ صفحة جديدة فى التاريخ المصري، كانت أكبر جماعة فى المجتمع المصرى آنذاك هى جماعة المماليك والتى كان فى يدها القوة العسكرية فإن انهزامها امام قوات الحملة الفرنسية الخطوة الأولى فى طريق القضاء عليها والذى اختتمه محمد على بمذبحة القلعة عام 1181 والحروب التى خاضها ضدهم فى الصعيد حتى تمت له السيطرة على القوة العسكرية واحتكارها لقواته التى كانت النواة التى بنى عليها الجيش المصرى فيما بعد. أما القوة الثانية التى رصدها محمد علي، فكانت قوة علماء الأزهر وعلى رأسهم عمر مكرم نقيب الأشراف فى ذلك الوقت، وكانت هذه الجماعة من أكبر جماعات الضغط عبر التاريخ الإسلامى كله، كما كان لهذه القوة أكبر الأثر فى تحطيم كبرياء الجنود الفرنسيين فى ثورات القاهرة الأولى والثانية ثم الثورات التى تلت حتى اعتلاء محمد على الحكم، ومعروف للجميع الدور الذى قامت به هذه القوة فى فرض محمد على على السلطان العثمانى وتنصيبه واليا لمصر بقوة الجماهير التى كان يقودها العلماء. وبعد أن استجاب السلطان لإرادة الشعب المصرى.. بدأ ضغط العلماء وعلى رأسهم عمر مكرم لإصلاح الأحوال وتأسيس ديمقراطية الحكم وهو ما ضاق به محمد على الذى كان فى رأسه مشروعاً إمبراطورياً يريد تنفيذه بغض النظر عن أى اعتبارات أخرى وهو ما دفعه فى النهاية للقضاء على لوبى العلماء، بإغراء البعض ببعض المصالح الشخصية وقام بنفى الزعيم عمر مكرم لدمياط، وهو ما أثر بالسلب على جماعة العلماء التى انتهى اعطاف بتقليص تأثيرها وتلاشيه بعد ذلك، حيث قام محمد على بتعيين شيوخ الأزهر وصرف مرتباتهم من خزينة الدولة بعد مصادرته للأراضى التى كانت موقوفة لخدمة طلاب وشيوخ الأزهر!!. أما القوة الثالثة فى جماعات الضغط فى مصر آنذاك فكانت فى طبقة الأعيان والتجار، وكانت هذه الطبقة تعتمد فى الأساس على الإيرادات الزراعية من خراج الأرض، والتجارة الداخلية بين الأقاليم المختلفة فى مصر وتلك التى تأتى من خارجها، وقام محمد على بإعلان نفسه المالك الوحيد لكل الأراضى الزراعية وأصبح هو وحده محتكر ملكية الأراضى الزراعية ويصب خراجها فى خزينة الدولة، كما سيطر كذلك على طرق التجارة الخارجية بفرض الجمارك والضرائب على الواردات، إذن استطاع محمد على القضاء على كل جماعات الضغط القائمة فى ذلك الوقت وتقليص تأثيرها لصالح مشروعه التحديثى لمصر، ولكن كان لابد من إعادة تكوين هذه الجماعات الضاغطة بحكم طبيعة البشر والاجتماع الإنسانى الذى يجنح للتكتل لتحقيق المصالح المختلفة، ولابد لنا أن نتوقف أمام تكوين هذه الجماعات خلال حكم محمد على وخلفائه خاصة إن هذه الجماعات استمرت بشكل أو بآخر حتى الآن. كانت أول الجماعات الضاغطة التى تكونت فى عهد محمد على هى جماعات العسكر، فقد اهتم محمد على بتكوين جيش حديث، وبنى مشروعه التحديثى كله لخدمة هذا الجيش، وحاول فى بداية الأمر تجنيد مجموعات من خارج مصر خاصة من السودانيين لكنه فشل تماما حتى لجأ أخيراً للمصريين، وبدأ فى إرسال البعثات العسكرية للتعليم فى الخارج بعد أن عهد لسليمان باشا الفرنساوى بقيادة وتكوين الجيش فى الداخل، واستطاع هذا الجيش بقيادة إبراهيم باشا تحقيق الانتصارات المتتالية حتى أزعج القوى الأوروبية الطامعة فى املاك الدولة العثمانية، وهو ما أدى فى نهاية الأمر لتكلتها ضد الجيش المصرى والقضاء عليه فى موقعة نفارين، كما فرضت عليه معاهدة لندن عام 0481 والتى قلصت عدد الجيش المصرى وطالبت فى بنودها بكسر احتكار محمد على لملكية الأراضى والمصانع، وهو ما فتح الباب لإعادة جماعات الضغط حيث إراد محمد على التحايل على هذا البند فقام بمنح كبار قواد الجيش وبعض أعوانه مساحات شاسعة من الأرض ولكن بدون ملكية فعلية. هكذا بدأت جماعة الأموال الضاغطة فى مصر، ومن المثير تتبع هذه الطائفة فى تطورها حتى 2591، فعلى سبيل المثال، وصلت هذه الطائفة إلى ذروة نموها فى عهد اسماعيل باشا، وفرضت على الخديوى اصدار أول دستور مصرى عن طريق مجلس شورى القوانين الذى سيطرت عليه طوائف الأعيان، وعندما قامت الثورة العرابية ساندتها طبقة الأعيان مما أدى لانتصاراتها فى البداية ولكن استطاعت بريطانيا عن طريق أعوانها فى مصر وجواسيسها الاتصال بهؤلاء الأعيان والتلويح لهم بجزرة المصالح خاصة صكوك ملكية الأرض والتى لم يحصلوا عليها بشكل حقيقى حتى ذلك الوقت، وهو ما أدى لقبول الأعيان الجزرة الإنجليزية والانقلاب على الثورة والثوار والانضمام لمعسكر الخديوى توفيق الذى تم خلعه عن الحكم، وهو ما أدى لهزة فى كيان الثورة وتسبب فى هزيمة عرابى فى نهاية الأمر واحتلال انجلترا لمصر عام 2881، نعود لجماعة العسكر والتى كونها محمد على لنرى أنها تنامت بشكل كبير بعد انتصارات محمد على وابنه إبراهيم، ثم تقليص اعداد الجيش بعد ذلك بمعاهدة 0481 إلا أن الجيش المصرى لم ينكسر وظلت طبقة العسكر بقوتها وتأثيرها فى الداخل، ويظهر ذلك جليا بحركة الجيش المصرى والتى قادها عرابى باشا وأصحابه بإنهاء سيطرة الضباط الأتراك والشركس على المناصب القيادية وهو ما استجاب له الخديوى توفيق، كانت هذه الحركة هى الشرارة الأولى التى انطلقت منها الثورة العرابية بعد ذلك، وبعد هزيمة عرابى واحتلال الإنجليز مصر كان من الطبيعى تفكيك الجيش المصرى وتقليص اعداده وظل الجيش المصرى تشريفاتى أكثر منه جيش حقيقى حتى معاهدة 6391والتى وقعها النحاس باشا مع انجلترا وبمقتضى هذه المعاهدة سمحت بريطانيا بزيادة اعداد الجيش المصرى وهو ما سمح بدخول أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة إلى الجيش المصرى والذين كانوا نواة الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة يوليو 2591 واسسوا للوبى العسكر فى الحكم حتى الآن. هذا باختصار تطور لوبى العسكر منذ محمد على وحتى 2591، أيضا هناك تكوين لوبى إصلاحى منذ عهد محمد على قوامه كان أبناء مصر الذين تعلموا فى الخارج وعادوا إلى مصر لنقل الحضارة الأوروبية لمصر، كانت هذه الجماعات من القوة بحيث أنها غيرت وجه مصر فقامت بفتح المدارس والجامعات، ونشرت الكتب والجرائد والمجلات، ولعل من أوائل هؤلاء الذين تبنوا هذا الاتجاه كان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى وكان أول من فتح المدارس للطلبة والطالبات، وشرع فى ترجمة العديد من الكتب العلمية والتربوية، أضف إلى ذلك التيار الإصلاحى الذى بدأ يظهر داخل أروقة الأزهر الشريف وطالب بإصلاح أحوال التعليم فيه وهو ما أعاد الحياة لعلماء الأزهر بعد سيطرة الدولة على شيوخه الكبار، ومع بداية القرن العشرين كانت الطبقة المستنيرة قد قطعت شوطا كبيرا، استطاعت معها وضع حجر الأساس لجامعة فؤاد «القاهرة الآن»، وكان عدد المدارس قد تضاعف وأصبحت هناك طبقة من المتعلمين استطاعت أن تكون لوبى الطلبة الذى كان وقود الحركة الوطنية وكفاحها ضد الاحتلال مع مصطفى كامل ثم ثورة 9191 ومظاهرات 5391 وصولا إلى اتحاد العمال والطلبة عقب الحرب العالمية الثانية عام 6491. بقيت لنا قوتان بدأتا فى الظهور فى عشرينيات القرن العشرين وهما الإخوان المسلمين والشيوعيين والتيار اليساري. اما الإخوان فكان ظهورهم لأول مرة عام 8291 فى مدينة الإسماعيلية على يد حسن البنا ردا على إلغاء الخلافة الإسلامية فى تركيا، وبدأت الجماعة تتوغل فى طبقات المجتمع المصرى وانتقلت من الإسماعيلية إلى القاهرة، وتكون تنظيمها الخاص فعليا عام 2491 وبدأت موجات العنف تعلو حتى صدور قرار بحل الجماعة 8491 واغتيال حسن البنا بعدها بثلاثة شهور تقريبا فى فبراير 9491. استطاعت الجماعة خلال هذه الفترة أن تكون عنصر ضغط على الحكومات المتعاقبة بتحالفها مع الملك تارة ثم مع السعديين ثم مع إسماعيل باشا صدقي، وفى كل الأحوال كانت الجماعة تسعى لمصالحها دون تمييز لأى من الأحزاب القائمة. اما جماعة اليسار المصرى بكل أطيافه فكانت جماعات محدودة لم تؤثر بشكل كبير فى المجتمع المصرى وإن كان لها تأثيرها فى أوساط العمال خاصة، وتكونت عدة حركات شيوعية كان أهمها حركة «حدتو» و«أسترا» أو الشرارة كما تكون الحزب الشيوعى المصرى منذ عام 3291 ولكنه سرعان ما تم حله، وشهدت الفترة تكوين عدة أحزاب اشتراكية كان أهمها مصر الفتاة بزعيمها أحمد حسين.