يعاني نحو 30% من اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا من صدمات نفسية شديدة، بحسب التقديرات، ويحتاجون إلى رعاية نفسية تسهل عليهم التخلص من مخلفات التجارب السيئة، التي أدت إلى صدمات نفسية شديدة وحالات اكتئاب تعوق محاولة اندماجهم. أغلب اللاجئين تركوا مواطنهم من أجل تأمين حياتهم، حيث إن معظمهم فر من مناطق حرب، وقطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام ليصل إلى بر الأمان، لهذا فهم لا يحتاجون فقط إلى سقف يحميهم من الحر أو البرد، ولا إلى حفلات استقبال أو مساعدة في تقديم طلبات اللجوء، بل يحتاجون بشكل أكبر إلى رعاية ومتابعة نفسية تسهل عليهم التخلص من مخلفات التجارب السيئة التي أدت إلى صدمات نفسية شديدة وحالات اكتئاب تعوق محاولة اندماجهم في المجتمع. " عبدالرحمن. ع"، لاجئ سوري، فر من جحيم الحرب والدم حاملا معه ندوبًا نفسية ومعاناة ازدادت اتساعا وعمقا في ألمانيا وفي الطريق إليها، يقول: "أنا أعيش الصدمات المتتالية، أعاني في صمت دون أي رعاية نفسية، فمستقبلي غير واضح نهائيا هنا وأسرتي اللاجئة في السعودية تنتظر لم الشمل". ويعتبر "عبدالرحمن.ع" الذي يعيش في ألمانيا مذ سنة، أن الظروف التي طبعت حياته كلاجئ في ألمانيا قاسية جدا، فصدمته الأولى بدأت بالتحاقه بمجموعة كبيرة بمركز لإيواء اللاجئين في مدينة "باساو" تم ترحيله إلى مركز من الخيام يفتقد إلى أبسط الحقوق كالذهاب إلى الحمام بعد الساعة السادسة في مدينة "تريا". ويضيف "عبدالرحمن": معظمنا أتى ألمانيا بجروح نفسية عميقة أدت إلى حالات اكتئاب، لن ننسى منظر الجثت، رائحة الدم، بيوتنا المهدمة وذكرياتنا الجميلة التي تدمرت، ألا يكفي أننا سلبنا من قيمتنا كبشر؟ لم لا علينا أن نعاني مرة أخرى وبشكل جديد؟ يشعل سيجارتة بيد متوترة ويتابع: "مرت سنة الآن، لم أتوصل بأي موعد من المحكمة، أفكر في وضع حد لحياتي، بدأت أخاف من نفسي ولا أستطيع النوم، أحس بالضغط ولا معنى للحياة عندي". عبدالرحمن يحاول رغم كل هذه المعاناة أن يخاطب من حوله، يحاول بجهد الحصول على موعد لزيارة إخصائي نفسي دون أن يتمكن من ذلك بسبب الكثير من التعقيدات، حالته النفسية دفعته للتوقف عن تعلم اللغة الألمانية، "إن كانت اللغة شرطا مهما للاندماج، فأنا لا أحتاجها لأن لا إقامة لي هنا ولا أحتاج أن أندمج ما دمت كالمعلق بين السماء والأرض، أنتظر أن أضع حدا لحياتي"، يقول عبد الرحمن وهو يرفع رأسه متأملا دوائر الدخان التي ينفثها من رئتيه بحزن. حالة "عبدالرحمن.ع" تلتقي مع الكثيرين من اللاجئين في الإحساس بالصدمة والاكتئاب، ليبقى من يحصل على رعاية نفسية محظوظًا فعلًا، مثال: "س.ف" الذي يتعبر نفسه من المحظوظين القلائل الذين حصلوا على موعد. " س.ف" لاجئ سوري أيضا، فقد والديه وأخته الوحيدة 13 سنة، يحاول أن يتخلص من صور الدم والدمار التي تتردد أمام عينيه، لذا يتمتع برعاية نفسية عند إخصائي نفسي بمدنيته، ويعتبر نفسه محظوظا لأنه حصل على موعد بشكل سريع. " س.ه" نموذج آخر من اللاجئين السوريين، حيث يقضي وقتا طويلا في البيت إلى جانب قيثارته القديمة التي لم يفارقها من سنوات، يفضل الجلوس وحيدا بسبب تراكمات وصدمات نفسية من زمن الحرب، لكنه لا يفضل زيارة إخصائي نفسي. وقال: "الفن هو دوائي الوحيد، أريد أن أعزف وأغني لأحس بالراحة، اشتغلت لسنوات طويلة كمغن وعازف قيثارة وهنا أحس أني وحيد، فالتخلص من كوابيس الحزن وتحقيق الاندماج يمكن أن يتم عن طريق الفن. "الفن كجسر للاندماج من أهم انشغالات الفنان"، يقول سعيد هيكل وهو ألماني من أصول مغربية، اتخذ الفن كبديل للاندماج وتحقيق السعادة النفسية ولو بصورة مؤقتة عند اللاجئين من خلال إشراكهم في ورشات فنية باللغتين الألمانية والعربية، أو إحياء أمسيات فنية لصالحهم. وتقول الطبيبة النفسانية مليكة العبدلاوي وهي ألمانية من أصول مغربية: هناك معاناة حقيقية، حيث إن عددا كبيرا من اللاجئين ما زالوا يعانون من تكرار صور الدم والدمار ومحاولات الاغتصاب بالنسبة للنساء، دون أن ننسى أن هناك أشخاصًا تزداد صدماتهم النفسية وحالات الاكتئاب لديهم بمجرد سماعهم أصواتًا، تذكرهم بمشاهد ماضية، أو تعرفهم على روائح تذكرهم بأماكن محددة. فحالات الاكتئاب والصدمات النفسية هذه، تحول دون اندماجهم الإيجابي في المجتمع الألماني، حيث أن الكثير منهم لا يحب تعلم اللغة الألمانية ليس لأنه غبي أو غير قادر، بل لأنه فاقد التركيز، فمستقبله غير واضح خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين لا تزال إقاماتهم غير محسوم فيها". ويعاني نحو 30% من اللاجئين الذين وفدوا إلى ألمانيا من صدمات نفسية شديدة، بحسب تقديرات مركز علاج ضحايا التعذيب في برلين، إلا أن هناك الكثير من الخصائص من حيث توفير الرعاية الكافية والسريعة أيضا لهؤلاء الأشخاص الذين يعانون. من جهته أكد الرئيس الألماني يؤاخيم جاوك أن تسعة من كل عشرة لا يجدون مكانا للعلاج، مادامت نسبة الذين يعانون من هذه الصدمات النفسية أكبر من العروض. الطبيبة النفسانية مليكة العبدلاوي ترى أن هناك مشكلة أخرى مهمة إلى جانب النقص في عدد مراكز الرعاية النفسية وهي مشكلة اللغة والمرجعية الثقافية التي تطرح أمام الأخصائيين، فمن غير المنطقي أن يكون هناك وسيطٌ أو مترجمٌ يترجم تجارب ومشاعر قد تحكى لأول مرة، ومن المهم أيضا تأطير الإخصائيين النفسيين، وتعريفهم على الحمولة الثقافية والأيديولوجية لهؤلاء اللاجئين. هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل