«يد نحاس» توضع فى النار حتى يتحول لونها إلى الاحمرار، وأسلاك كثيرة وأجهزة أكثر منها يطلقون عليها «جهاز كشف الكذب» وما بين الأداة الأولى والثانية سنوات طويلة كانت فيها محاولات لايجاد أقصر وأفضل الطرق للكشف عن مدى مصداقية المتهم، البعض ترك الأمر للعدالة والقانون و«أولى الأمر» ورغم هذا يعتبر المؤرخون القضاء العشائرى عند البدو من أكثر أنظمة القضاء ذكاء على مر التاريخ، كونها تمكنت على مر العصور قبل وبعد الإسلام من احتواء جميع ما يطرأ على حياة البدو التى اشتهرت بالقساوة الملازمة لأفكار الغزو والحروب لينتج عن هذا القضاء أحكام تعد ملزمة لكل بدوى وإلا لحق به العار فى حال عدم تطبيقها بحسب الأعراف السائدة. وتعتبر البشعة - أو كما يسميها البعض «البلعة»- من أقدم وسائل الإثبات التى عرفها المجتمع البدوى استعملتها ومارستها أكثر الشعوب البدائية منذ فجر التاريخ ولا تزال سنة وعادة تمارس لدى بعض القبائل حتى وقتنا الحاضر، ويرجع سبب التشبث بهذه الوسيلة إلى استقرارها فى نفوس البدو الأمر الذى أدى بها إلى أن تحوز ثقة مطلقة لا تقبل النقاش أو الجدال أو التشكيك، وينطلق اعتقاد البدو بقوة إثبات البشعة من قولهم «ما بعد النار من معيار». وقد استقر ل «البشعة» مجموعة من القواعد من خلال تكرار ممارستها، فعندما يتم الاتفاق على اللجوء إلى البشعة لحل الخلاف بين الطرفين المتنازعين نجد أنهم يعمدون إلي: الإعلان عن يوم محدد يتم فيه إجراء عملية البشعة ليتم تسمية شهود لحضور عملية البشعة يطلق عليهم «السامعة»، ولا يشترط لهم عدد محدد بل يترك ذلك لاتفاق أطراف النزاع. ويتم تعيين كفيل لكل طرف من أطراف النزاع يضمن تنفيذ عملية البشعة، وإذا ما فرغ أطراف النزاع من الاتفاق على الأمور سابقة الذكر، وإذا ما دنا اليوم المحدد للقيام بعملية نجدهم يتوجهون ومعهم السامعة إلى بيت «المبشع» الذى يتم الاتفاق عليه للقيام بعملية البشعة، وبمجرد وصولهم يقوم المبشع بإعداد مجلس خاص لإتمام الأمر، حيث توقد النار وتوضع بها «يد المحماسة»، فإذا ما أصبحت حمراء كالجمر يستخرجها المبشع، ويقوم بتمريرها على ذراعه وعلى لسانه كدليل على أنها لا تضر البريء ولا تلحق به الأذي، ثم يطلب إلى المتهم أن يمد لسانه ويقوم بتمرير يد المحماسة عليه بسرعة، وبعد عملية التمرير يحضر الماء ويسقى المتهم، ثم ينظر إلى لسانه للتعرف على النتيجة، فإذا ظهر تأثير النار على لسانه عمد المبشع إلى وضع رجله فى النار قائلاً: «الله يعينك على حملك» أو «أشهد أنه وغيث»، وذلك بمثابة إعلان عن إدانة المتهم يوجهه إلى السامعة لينقلوه إلى ذوى الشأن عند عودتهم، أما إذا لم يتأثر لسان المتهم من مرور يد المحماسة عليه فإن المبشع يقوم بإعلان براءته من التهمة الموجهة إليه، وعلى الرغم من إلزامية البدو بالبشعة لما عرف عن مصداقيتها بالنسبة للبدو، فإنه يحق للمتهم فى حالة إدانته استئناف عملية البشعة لدى مبشع آخر، مبرراً ذلك بعدم صحة البشعة الأولي. وإذا كانت البشعة هى جهاز كشف الكذب قديما فإن العلم الحديث اخترع هذا الجهاز عام 1291م ومخترعه هو جون. أ. لارسون ويسمى هذا الجهاز البوليغراف. ويعتمد جهاز كشف الكذب على تسجيل الظواهر الفسيولوجية التى يتكشف عنها جسم المتهم الخاضع للاستنطاق.. كالتنفس وضغط الدم وسرعة النبض.. فيما يستعان بها لتقرير ما إذا كان المستنطق كاذبا يقول أم صادقاً.. استحدثت عام 4291 واستخدمها المحققون ورجال الشرطة منذ ذلك الحين، ولكن مصداقيتها لا تزال إلى اليوم موضع خلاف عند علماء النفس ومحل اعتراض عند الفقهاء والقضاة، ولكن تستخدمها أجهزة المخابرات كدليل استرشادى له ما يبرره من خلال الجو العام والغموض الذى يجد الخاضع له نفسه فيه.