خفق قلبه، وذاب في الحب، لدرجة جعلته يخشى - وهو النبى- ألا يعدل بين زوجاته بسبب أن حب إحداهن طغى على الآخريات فقال «اللهم إنى أعدل فيما أملك فلا تحاسبنى فيما لا أملك». يقصد قلبه الذى مال نحو عائشة رضى الله عنها.. وكان لرسول الله فى حب عائشة حكايات تدل على رقة مشاعره، كما أن وفاءه لخديجة رضى الله عنها بعد موتها دليل على نبل أحاسيسه، كان الرسول لا يخجل من تدليل زوجاته.. فكان لا ينادى السيدة عائشة باسمها، إنما كان يدللها بعائش، وكان يطعمها فى فمها بيده، وكان إذا جاءها الحيض بحث عن موضع شفتيها على الإناء حين تشرب الماء، فيضع شفتيه حيث وضعت شفتيها ليشعرها بالحنان، ويأخذها للفسحة كل أسبوع، وكان يلعب معها ويسابقها وتسبقه، وكان يكثر من إطعامها حتى يزيد وزنها فلا تسبقه، وحين يسبقها فى العدو ويقول لها : يا عائش وهذه بتلك، فتفهم أنه كان يتعمد الإكثار من إطعامها ليثقل وزنها ويكسبها فى السباق. وكانت السيدة عائشة تجلس بالساعات تحدثه ويسمع منها وتسأله: كيف حبك لى؟ فيقول لها : كعقدة الحبل، تقول فكنت أتركه أياما وأعود لأسأله: كيف العقدة يارسول الله؟ فيقول عليه وسلم : هى على حالها كما كان النبى «صلى الله عليه وسلم» يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع، فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبى «صلى الله عليه وسلم»:«أى الناس أحب إليك قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال : أبوها» وعن زوجته السيدة صفية بنت حيي قالت :«إنها جاءت رسول الله «صلى الله عليه وسلم تزوره فى اعتكافه فى المسجد فى العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبى صلى الله عليه وسلم معها يوصلها، حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما : «على رسلكما، إنما هى صفية بنت حيي». كذلك لم تستطع السيوف والدماء أن تنسى القائد - رغم كل مسئوليات ومشقة الحرب بما تحمله من هموم- الاهتمام بحبيبته، فعن أنس قال:«.. خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر-فرأيت النبى يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب»، «رواه البخارى»، فلم يخجل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أن يرى جنوده هذا المشهد، ويبدو أن هذه الغزوة لم تكن استثنائية، بل هو الحب نفسه فى كل غزواته ويزداد.. وقد وصل الأمل بإنسانية الرسول الكريم أن يداعب عائشة رضى الله عنها في رجوعه من إحدى الغزوات، فيجعل القافلة تتقدم عنهم بحيث لا تراهم ثم يسابقها.. وليست مرة واحدة بل مرتين.. وبلغت رقته الشديدة بزوجاته أنه كان يشفق عليهن حتى من إسراع الحادى فى قيادة الإبل اللاتى يركبنها.