قال الشاعر الثائر، الراحل أمل دنقل، أثناء زيارة الأصدقاء له، خلال رحلة مرضه الشاقة «أرى في العيون العميقة لون الحقيقة.. لون تراب الوطن»، هنا كان يعبر الشاعر عن همنا الأكبر، الوطن، وأرضه التي نحلم جميعا بالموت فداءً لها. فهل يولد معنا الانتماء للوطن؟ نرث عن آبائنا وأجدادنا تعلقهم بالأرض المنسوجة على الخريطة، بحدودها.. صحرائها الواسعة، وبحارها، تحمل أسرار الرزق والحياة، ونيلها يضيق ويتسع، مشكلا على ضفتيه، حياة وحضارة وصراعات وأملًا. ثم كيف ينتقل الوجع من جيل إلى جيل؟ لماذا نشعر بقلوبنا تعتصر على شهداء الواجب؟ الذين يروون بدمائهم أراضى الوطن الطاهرة، كيف نبكى أبطالا مجهولين لم نرهم، ولن يرونا؟! لماذا نرى في صمودهم وكفاحهم رمزا، للانتصار للكرامة، العزة، وحماية الوطن؟ من أدخل تلك المفاهيم الذهنية الجماعية ومتى استحق الوطن الموت من أجله...! ربما يكمن السر في رفات الأجداد التي دفنت منذ سنوات في تراب الوطن، وحملت معها التاريخ الشعبى للمدينة، لتعيد انعكاسها في هيئة «نسمة هوا».. وزرع أرض ونقطة مطر، كذلك الأحلام العابرة، والارتباط الغامض بالأرض والأماكن. هنا يصبح التظاهر نوعا من الاحتجاج في سبيل الوطن، حيث تمتلئ العيون بالحماسة، وتعلو الحناجر بالهتاف، على خلفية من الاختلاف، بهدف مشترك، أن تستمر سفينة وطننا سائرة في ثبات، فلا تتوقف، ولا ترجع إلى الوراء.